وزير النقل: انقطاع التيار الكهربائي في إسبانيا تسبب في إلغاء رحلات جوية بالمغرب    باريس سان جيرمان يهزم أرسنال في ذهاب نصف نهائي أبطال أوروبا    روديغر مدافع الريال يعاقب بالإيقاف    ال"PSG" يُسقط أرسنال في عقر داره ويقطع شوطا نحو نهائي دوري أبطال أوروبا    رئيس البرلمان الكولومبي يرفض موقف حكومة بلاده المعترف بالكيان الوهمي    فيدرالية ناشري الصحف تطالب الحكومة بفتح حوار جاد حول منظومة الدعم تكون أكثر عدلا وإنصافا    نقابي: البطالة سترتفع بتطوان بعد عزم شركة إسبانية طرد أكثر من 220 عامل وعاملة    وزارة الأوقاف تحذر من إعلانات متداولة بشأن تأشيرة الحج    أمريكا تهنئ حزب رئيس وزراء كندا    هكذا انهارت الشبكة الكهربائية لإسبانيا في خمس ثوان.. أسباب محتملة    93 في المائة من مياه الاستحمام بالشواطئ المغربية مطابقة لمعايير الجودة    سجن المحمدية يهتم بحقوق النزلاء    الحرس الإسباني يغلق "نفق سبتة"    19 قتيلاً و3018 جريحاً في حوادث سير خلال أسبوع واحد بالمناطق الحضرية    انقطاع ضخم للكهرباء يشل أوروبا الجنوبية... هل تقف الجزائر وراء الحادث؟    المغرب يساعد إسبانيا على تجاوز أزمة انقطاع الكهرباء عبر تزويدها بطاقة كهربائية هامة    رئيس الحكومة يترأس اجتماعا لتتبع تنزيل خارطة طريق قطاع التشغيل    البيضاء…..ختام فعاليات الدورة السادسة من مهرجان إبداعات سينما التلميذ للأفلام القصيرة    ملتقى في الصويرة يناقش "المواسم التقليدية رافعة للاقتصاد في الوسط القروي... زوايا ركراكة نموذجًا"    القيدوم مصطفى العلوي يُكرَّم في منتدى الصحراء للصحافة بكلمة مؤثرة تلامس القلوب    البنك الدولي يتوقع انخفاض أسعار السلع الأولية إلى مستويات ما قبل كورونا    الأحمر يوشح تداولات بورصة الدار البيضاء    خبر مفرح للمسافرين.. عودة الأمور إلى طبيعتها في مطارات المغرب بعد اضطرابات الأمس    ربط المغرب بآسيا.. اتفاقية استراتيجية بين المكتب الوطني للسياحة وطيران الإمارات    شراكة تجمع التعليم العالي و"هواوي"‬    المغرب يدين أكاذيب الجزائر بمجلس الأمن: هوس مرضي وتزييف الحقائق    "النهج": الحوار الاجتماعي يقدم "الفتات" للأجراء مقابل مكاسب استراتيجية ل"الباطرونا"    "البيجيدي" يطالب بتوسيع "الانفراج الحقوقي" ويؤكد أن البناء الديمقراطي بالمغرب شهد تراجعات    دول الساحل تُشيد بمبادرة المغرب لتمكينها من الولوج إلى الأطلسي وتؤكد تسريع تفعيلها    كيف يمكن لشبكة كهرباء أن تنهار في خمس ثوان؟    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأربعاء    كاميرات ذكية ومسرح في المدارس المغربية لمواجهة العنف    أورنج تهدي مشتركيها يوما مجانيا من الإنترنت تعويضا عن الانقطاع    حريق مطعم يودي بحياة 22 في الصين    إسبانيا.. ظهور السفينة الحربية المغربية "أفانتي 1800" في مراحل متقدمة من البناء    حقن العين بجزيئات الذهب النانوية قد ينقذ الملايين من فقدان البصر    اختبار بسيط للعين يكشف احتمالات الإصابة بانفصام الشخصية    دراسة: المضادات الحيوية تزيد مخاطر الحساسية والربو لدى الأطفال    أخبار الساحة    موكوينا يخلط أوراق الوداد الرياضي    تنظيم ماراتون الدار البيضاء 2025 يسند إلى جمعية مدنية ذات خبرة    هذا المساء في برنامج "مدارات" بالإذاعة الوطنية: المؤرخ ابن خلدون … شاعرا    الديبلوماسية الموازية مهمة جوهرية للحزب    يضرب اليوم موعدا مع تنزانيا في النهائي القاري .. المنتخب النسوي للفوتسال يحقق تأهل مزدوجا إلى نهائي كأس إفريقيا وبطولة العالم    مشروع مستشفى بالقصر الصغير في طي النسيان منذ أكثر من عقد يثير تساؤلات في البرلمان    خبير اقتصادي ل"رسالة 24″: القطار فائق السرعة القنيطرة مشروع استراتيجي يعزز رؤية 2035    مؤسسة المقريزي تسدل الستار على الأسبوع الثقافي الرابع تحت شعار: "مواطنة تراث إبداع وتميّز"    شباب خنيفرة يسقط "الكوكب" ويحيي الصراع على الصعود    لقاء علمي بجامعة القاضي عياض بمراكش حول تاريخ النقود الموريتانية القديمة    عودة حمزة مون بيبي : فضيحة نصب تطيح بمؤثر شهير في بث مباشر وهمي    أزيد من 403 آلاف زائر… معرض الكتاب بالرباط يختتم دورته الثلاثين بنجاح لافت    دراسة: متلازمة التمثيل الغذائي ترفع خطر الإصابة بالخرف المبكر    اختيار نوع الولادة: حرية قرار أم ضغوط مخفية؟    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تفرگعات بوطة، علقوا المعلمة
نشر في هسبريس يوم 15 - 10 - 2012

أيّام قليلة تلكَ الّتي فَصَلتْ بين القُنبلتَين اللّتَين عرفَتْهُما وِزارَة التّربيَة الوطنيّة فِي الأيّام الماضِيةِ. أوّلهما فجّرها الوزير الإستقلاليّ محمّد الوفا شخصِيا حينَ صَرّح في جَوّ مَرِح لا يخْلُو من الكُوميديا السّوداء و بِلكنتهِ المُراكشيّة، أنّ «أوباما باباه» لا يَملكُ مدرسةً مثلَ تلكَ الّتي تمْلكُها وزارتُه. حينَها تسَاءل جُلّ المغارِبَة حوْل المَعاييرِ الّتي تُميّز مدرسَة الوزيرِ عنْ مدرسَةِ أب أوباما. تَعدّدت الأقاويل، الإحتمالات و التّأويلات عبرَ المَواقِع الإجتماعيّة، ليَكون فِي الأخِير شِبْه إجماعٍ على أنّ السّيد الوزير لمْ يقصِد بذلكَ سِوى أب الرّئيس الأمريكِيّ الذي ينحدِرُ من قبيلَة "ليو" بكينيا. و بذلكَ تكونُ المُقاربة بين مدرسَة مغربيّة و أخرى كينيّة ليسَ إلّا.
القُنبلَة الثّانية الّتي عَرفها قِطاعُ التّعليم بالمَغربِ عاشَتْها مَدرسةُ سِيدي عبْد الرّحمان بالبيْضاء صَباحَ يوْم الخَميسِ المَاضي؛ حينَ كانتْ مُعلّمة مُنهمكةٌ بتَسخينِ «الملاوي» فانفجرَت قِنيّنة الغازِ الصّغيرةِ الحجْم داخِلَ الحُجْرة المدرسيّة. الحادثُ وقَع خِلالَ فتْرةِ الإسْتراحَة، وَ لوْلا لُطفُ الله لكَانتِ الخَسَائرُ أفظعْ. وزارةُ الوفا شَكّلت في ساعاتٍ قليلةٍ بعد الحادِث لجنةً للوقوفِ على مُلابسَات الواقعَة، و فتْحِ تحقيقٍ ضِدّ المُتسبِّب في خلْق حالةِ الذّعرِ و الاسْتياء بين التّلاميذِ و ذَويهم.
سُرعَةُ وزارةِ الوَفا فِي التّعاطي مَع هَذا الحَادثِ عبرَ تشْكيلِ لجنَة تقصّي للحقائقِ في عينِ المَكانِ، و التّعامُل الجِديّ معهُ بشكلٍ جَعلنِي أفكّر مليّا: لَربّما ظلمنا السيد الوزير و ليسَ فقط «باباه ديال أوباما» وحدَه مَن لا يملِكُ وزارةً بتلكَ الإحترافيّة الّتي يملكُها الوزيرُ، بل حتّى أوباما نفسُه . في نفْس الوقتِ كانَت أصْواتُ أباءِ و أمّهات التّلاميذ تتعَالى و أقلامٌ تسيلُ حولَ ما وُصِفَ بالتّسيّب و اللّامسؤوليّة، و يُطالبُ الجميعُ برأسِ المُعلّمة التي تطاولتْ على حُرمة المَدرسَة، و تَسبّبتْ في أزمَة نفسيّة في صُفوف قادَة الغَد، حَسب البعض!
أُقدّر الحَالة النفسيّة لهؤلاءِ الأطْفال و أوْلياءِهم، و أتفهّمُ ذلكَ الكمّ الكبيرَ منَ النّقاش الّذي دارَ حوْل مَا حصلَ، و لكنْ لنعترِف جميعا و قَبلنا السيّد الوفا ووزارتُه على أنّ جُلّ أقسَام مدارسِنا حينَ يراها الزّائر يظنّ أن قنينةَ غازٍ، و منَ الحجْم الكبيرِ، قد انفجرتْ داخِلها لكثْرةِ الخرابِ و الإهمَال الذي تُعانيه.. لنعترِف أنّ عددا كبيرا مِن مدارسِ القُرى النائيّة أُسّسَتْ عن طَريقِ مُساعدات و هِباتِ أبناء تلك الدّواوير في سبيلِ تحقيق حُلم التّمدرُس لأبناءِهم..
لنعتَرفْ أن جُلّ مدارسِنا لا تحتوي عَلى مطبخ يستطيعُ فيهِ المُعلّم إعدادَ ما يحتاجُه من وجبَات خفيفَة بدلَ تخصيصِ القسْم المدرسيّ لذلكَ، فيضطرّ إلى تقاسُم ما يُعدّه من أكلاتٍ مع تلاميذِ أبناء الفُقراء. لنعترف أنّ عددا كبيرا من رجالِ التّعليم و نسَاءه يقطعُون المسَافات في الخَلاء مشْيا عَلى الأقْدامِ للوُصول إلَى مقرّ عملِهم، فيُصبح المُعلّم بالمغرب عدّاء بدل أنْ يكونَ رسُولا..
لنعترِف أنّ جُزء مُهمّاً من هؤلاء، و بعضُهم لأكثَرَ من عشْرين سنَة، سُجناء السُّلًّم التّاسِع، الّذي أصْبح يُعرفُ بالزنزانة رقم 9. لنعتَرف أنّ عددا من مدارسِنا، تتكوّن أصلا من حُجرةٍ واحدةٍ، نوافذٌ بزُجاج مكسُور لا تقِي أطفالنا قسَاوة الشّتاء.. لنعترف أنّ عددا كبيرا منها ينعدِم فيها المِرحاضُ، بل و حتى صُنبور الماء.. و أكثرُ من ذلك ليعترف السّيد الوفا ووزارتُه أن أكْبر أزمَة نفسيّة يتعرض لها التّلاميذ هي ذلك المُقررّ البئيس و المناهِج الفاشِلة، التي جعلتْ المغربَ يحتلّ مراتباً مُتأخّرة تفوّقت فيها الموزمبيق و مالاوي علينا!
و أنا أكتُب هذا المقال تتبادرُ إلى ذِهني مشاهِدٌ و حكاياتٌ عن الوضْع المُزري لقطاع التّعليم بالبلادِ. مشهدُ قسمٍ مدرسيّ في بادية يحتَوي على أربع أو خمس مقاعد مزدوجة. و لشهامة التلاميذ «الرجال» إتفقوا على تخصيِص تلك المقاعِد لتكريم التّلميذات الفتيَات، ليَفترشُوا هُم الأرضَ سُعداء بتواجد مُدرِّس بقريتِهم، حَاملينَ شِعار َ( اللهم لعمش ولا لعمى) ..
وليعلم الوفا أن وزارته ستُنافس الإثنين معاً، أوباما و باباه، لوْ تعاطتْ مع مشَاكل أطر التّعليم بنفس السّرعةِ و الجديّة التي تعاطَت فيها مع حَادثة «لمسمن». مشاكلٌ تستحقّ تشكيلَ عشراتِ اللّجان للبثّ فيها و إيجادِ الحلولِ الكفيلةِ بإسعادِ أُسر مغربيّة تُعاني الشّتات لأكثر من عِقدٍ من الزّمن، كقصّة تلك المُعلّمة التي حكتْ لنا عبرَ شاشةِ القنواتِ الرّسمية عن مِحنتها و كيفَ تعيشُ منذُ أكثرَ من 11 سنة بالجنوب. زوجُها يشتغِل بشمالِ البلاد و إبنها تربيه والدتُها، «شي في الشمال، شي في الجنوب و كأنها سياسة صينية للحد من النسل». و لقسَاوة الأمرِ كانتِ المعلّمة تحكي عن ظُروفها و الدّموعُ تسِيل من عينيها أمَام التلاميذ. و ليتصور الوفا كيف لأم أن تعيش طول السنة بعيدة عن إبنها و زوجها. و بدل حلّ مُشكل الالتحاق بالأزواجِ لا أستبعدُ أن تتّهم الوزارةُ المعنيّة تلك المُعلّمة بالتّسبُّب في محنَة نفسيّة لتلامذتها، بعدَ أن بكتْ و شكًت حالها أمَام الكاميرا و بحضُورهم.
جعلُ الأقسَام الدراسيّة مطْبخا حَتماً هُو أمر مرفوض ، لكن ما عليْنا حقّا هو حَلّ المُشكِل من جذُوره و مُحاربة جميعِ السّلوكيات الدّخيلَة التي تعرِفُها جُلّ القطاعاتِ العُمومية مِنها و الخاصّة.. فكمْ من أستاذٍ جامعيّ يتحرّشُ بطالباتٍ مُستغِلاّ موقعَه و قُدرتَه على إنجاحهنّ؟ و كمْ من شَركات كُبرى لا تُؤدّي واجبات الإنخراط في صُندوق الضّمان الإجتماعي، و «بلا حشمة و بلا حيا» يقتطِعُون واجبَ هذا الإنخراط من رواتِب موظفيهم؟ و كمْ من ضَيعات فلاحيّة تابعةٍ لأسمَاءَ وازنَة في البِلاد تستغِلُّ البُؤساءَ لسَاعات تفُوق 14 سَاعة مُقابل مبلَغ لا يَتجاوزُ 60 درهما لليوم ِالواحِد؟ و كمْ من وكيلِ ملك و رجالِ سُلطة كبارَ لا يدفعُون ضَرائب السيّارات مُستغلّين مَكانتهُم المهنيّة، ثم ننتظِر من شُرطيّ المُرور أن يُوقف عميد الشُّرطة ليُطبّق عليه القانون؟ و الأكيد أنّ كلّ شُرطيّ مرور يتذكّر قصة ماريا بنجلون، إبنة وزير الإعلام الأسبق، التّي كَسّرت بسيارتِها عِظام شُرطيّة مُرور بالرّباط، في بلدٍ يعلُو فيه الإسمُ العائليّ للبعضِ على القانُون.
و كم منّا عايشَ ذلكَ المشْهد في المُقاطعة حيث الموظّفة «المحترمَة» مُنهمِكة في تنقيَة الجزرِ، و المُواطن المغلوب على أمرِه مُنهك من الإنتظَار للحصُول على وثيقةٍ إداريّة.. بل و لِربح الوقتِ تجدُ بعضَ البُسطاءِ منّا ينوبون عنْها في عمليّة التّنقية حتّى تقوم الموظّفة بإعدادِ ما يحتاجُه. و اللائحة طويلة في بلدٍ لا نحتاجُ فيه إلى قوانينَ بل إلى إرادةٍ مُجتمعية قويّة قادرةٍ على رُؤية هذه السّلوكيات من زَوايا أخرى، و إلى آلياتِ مُراقبة جديدة كفيلة برفعِ الظّلم الّذي يعيشُه المُواطن و بشكلٍ يوميّ.
حَادثة المعلّمة و «لمسمن» ما هي إلاّ جُزء من الحِكاية، و الأكيدُ أنّ وزارة الوفا و «صاحبتو» رأتْ في ظَهر إطار التّعليم سُورا قصيرا يسهُل عليها تجاوزُه.
على العُموم «تفرگعات بوطة، علقوا المعلمة»..
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.