عاشت بعض المدن المغربية، خلال أسبوع واحد من الشهر الماضي، على وقع سلسلة جرائم قتل استهدفت مجموعة من النساء، يوما واحدا بعد قتل مهندس لزوجته الصيدلانية بالرباط، وانتحر بعد ذلك، قام شخص آخر بالقنيطرة بفعل نفس الشيء، بقتل زوجته، بالجماعة القروية عامر السفلية، وانتحر اليوم الموالي مُلقيا بنفسه أمام القطار؛بمدينة أسفي وضع رجل، في عقده الرابع، حدا لحياة زوجته البالغة من العمر 29 سنة، بعد أن أحكم قبضتيه على عنقها وخنقها حتى لفظت أنفاسها، دون ذكر حوادث سابقة. فتنامي ظاهرة قتل الزوجات بالمغرب كما تمت الإشارة، يطرح مشكلات كبيرة على مستوى زاوية معالجة هذه الظاهرة، والخطاب الذي ينبغي تبنيه في تحليلها، أي هل ينبغي الاكتفاء بالمعالجة الأخلاقية، القانونية أو الدينية أم ينبغي الانفتاح على نماذج تفسيرية أخرى لاستخلاص فهم أكثر موضوعية لهذه الظاهرة؟ فالمطلوب الآن هو تجنب أحكام القيمة و التوجه لفهم هذه الآفة بغية التحكم فيها فيما بعد، مسترشدين بأسئلة و فرضيات مثل: هل يمكن القول أن"المغربي" أضحى يفضل قتل زوجته على تطليقها؟ إذا كان الأمر كذلك، لماذا يختار أبغض الحرام وهو قتل النفس ولم يختر أبغض الحلال وهو الطلاق؟ هل الأمر يتعلق بحالات فردية معزولة أم أنها الظاهرة مؤهلة للتنامي في ظل التحولات القيمية الكبرى التي يعيشها المجتمع المغربي؟ هذه أسئلة لا ندَّع الإجابة عنها قطعا، بل هي محاولة للتفكير في معضلة إنسانية تتطلب أدوات رصد أكثر علمية، وأكثر من أن يستوعبها مقال كهذا، وسيكون المدخل حتما، هو عبر دراسة كل حالة على حدة، لمعرفة أسباب إقدام زوج على الانقلاب على "ميثاق غليظ"، ميثاق "المودة والرحمة"، بعد أن تعهد بأن يرعى زوجته بما يستلزمه، ليس فقط للحفاظ على حياة الزوجية بل للحفاظ على حياة الزوجة؛ ولأن المقاربة الأمنية و القضائية هنا، تستطيع أن تجيب عن سؤال الدوافع في كل حالة حالة، فإن الحاجة ملحة، كما تمت الإشارة سابقا، إلى مقاربات بديلة تتجه للملمة جزئيات الحالات في إطار نظري متين يمكننا من الإجابة على السؤال المنطلق: لماذا القتل وليس الطلاق؟ هنا يصبح لزاما الحديث، عن حاجة مجتمع متحول، كالمغرب، لمعاهد للعلوم الإنسانية، فمن دواعي الاستغراب، أن نجد رجل الدين و السياسي و الخبير، وفق التقسيم الشهير لعبد لله العروي، أن نجدهم مستمرين في إعطاء حلول جاهزة لمشكلات مستجدة لم يسبق للمجتمع المغربي أن عاشها،فكم يسهل على رجل الدين أن يذم القتل ويتوعد صاحبه بما أعد الله تعالى له، لكن هذا الطرح لم يمنع ضابط الشرطة من قتل زوجته الصيدلية في الرباط، ولم يمنع الزوج الفلاح من قتل زوجته، ربة البيت، في القنيطرة...والقائمة تطول للأسف..، وكم يسهل على السياسي الحديث باسم الشعب المغربي، وكم يسهل على الخبير تقديم إحصاءات وحلول "حساباتية" لمشاكل "المغربي" اليوم، لكن من العبث الجزم بأن كل هؤلاء، وغيرهم، يفهمون من هو المغربي اليوم؟ من منا يعرف جوابا لسؤال "من هو المغربي اليوم؟"أستطيع بأن أجازف بالقول أن لا أحد يعرف الجواب عنه، لأن الجواب العلمي عنه، بل مجرد أحكام وجدانية متسرعة تتم صياغتها حسب الحاجة، فتفاجئنا من حوادث قتل الأزواج لزوجاتهم،وباقي حالات العنف المتفاقمة بما يدل على أننا لا نفهم شيئا في ذواتنا كمغاربة..فقدرة المغربي اليوم على خلق الوحدة والتساكن بين ممارسات سلوكية متناقضة دون عقدة ،تماما كمن يجمع الكسكس وشراب الكولا الغازي ..إنها بعض ملامح المغربي الجديد. فغالبا ما لا يتم الانتباه إلى أن هذا التساكن بين المتناقضات في هوية الفرد الواحد،هو علامة دالة على مغرب شعبي يتحول بشكل متسارع، في غفلة عن أجهزة الرقابة والتنشئة الرسميين أحايين كثيرة،صحيح أن البعض يسمي هذا تنوعا واختلافا، والآخرون يسمونه اعتدالا وتوفيقا، إلا أن الأهم هو أنْ نعترف أنَّ المغربي اليوم يتغير بوثيرة أسرع، من مقولات السياسة وبرامج التنمية،فهو ليس معطى قبلي بديهي ثابت،قابل للتعليب في مقولات ثابتة ونهائية، ومنها المقولات الأخلاقية والقانونية. إن القصد من زاوية المعالجة هاته هو التأكيد على حاجتنا اليوم، للتفكير الجدي في تبني المقاربات العلمية، و المنتمية للعلوم الإنسانية، وجعلها في صلب اهتمامات رجل الدولة و القاضي و رجل الأمن، وغيرهم من الجهات التي تتعامل يوميا مع ظواهر العنف المتفاقمة..،فالمغربي الذي نعرفه لم يعد بيننا، ودوافعه للفعل لم تعد هي هي..إنها ملامح شخصية غامضة تستعصي على الفهم. * صحفية