منذ اعلانها الاستقلال عن التاج البريطاني سنة 1776، وبعد سلسلة من الاضطرابات السياسية الجغرافية بها، تمكنت الولاياتالمتحدةالأمريكية من شق طريقها لتصبح القوة الاقتصادية والسياسية الاولى عالميا. لم يغنها هذا، عن البحث عن احلاف استراتيجيين في البلدان المتقدمة، وكذا السائرة في طريق النمو، نموذج المغرب، قصد ضمان مكانة السيادة التي تنافسها فيها دول ال"بريك" « BRIC »، أي البرازيل، وروسيا، والهند، والصين حاليا. الثورة الأمريكية والنهضة الإقتصادية: بعدما احكمت الامبراطورية البريطانية قبضتها على أمريكا الشمالية، وكونت ثلاثة عشر مستعمرة لها بها سنة 1607-1732، فرضت على مستوطني هذه المستعمرات ما لا يحتمل من واجبات "وطنية" تجاه التاج البريطاني، بحيث الزمتهم بتصدير خيرات المستعمرات من مواد خام وغيرها لها دون سواها مقابل اثمنة زهيدة، كان هذا الأخير هو من يفرضها. هذا وناهيك عن الضرائب الباهضة الثمن؛ كل هذا لتتجاوز الامبراطورية البريطانية ازمتها المالية الخانقة بعد خروجها من حرب السنين السبع مع فرسنا التي كبدتها خسائر فادحة، مما ايقظ الحس بالظلم والاستغلال في نفوس الامريكيين ليقفوا وقفة رجل واحد ضد هذه السياسة ويطالبوا بحقوقهم المشروعة والتي كان من بينها مساواتهم بالانجليز اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا، الشيء الذي قوبل بالرفض التام ليجتمع مندوبو هذه المستعمرات مجددا، لكن هذه المرة ليتحدوا التاج البريطاني ويعلنوا استقلالهم عنه سنة 1776. ولم يكن ما حدث من احداث واكبت هذا الحراك الشعبي في المستعمرات مثال "حفلة شاي بوستن" وغيرها، ضمن مخططات الانجليز ولا في توقعاتهم، ومع ذلك قررت ابريطانيا الرد على هذا "التمرد في المستعمرات" ومواجهته بالسلاح، بداية من ولاية ماساتشوستس التي اشعلت فتيل هذه الثورة، لينتخب سكان هذه المستعمرات جورج واشنطن قائدا عسكريا لهم وليحقق هذا الاخير نصره التاريخي على جيوش الامبراطورية البريطانية في معركة "يورك تاون" سنة 1783، حيث تم اعلان استقلال الولاياتالمتحدةالامريكية عن ابريطانيا العظمى نهائيا. وفي مرحلة البناء والتشيد، ساهمت الهجرة الاوروبية الى القارة الامريكية ،اما بسبب ما كانت تعرفه القارة العجوز من اضطهاد سياسي او ديني و ازمات اقتصادية متوالية، او طمعا في ثروات الجنة الموعودة، في توسع الرقعة الجغرافية للولايات المتحدةالامريكية بشكل كبير، وازدهارها اقتصاديا بوتيرة سريعة جدا، لتشرع بعد الحرب العالمية الثانية في حل مشاكلها الداخلية حيث اجتمع مندوبو الولاياتالامريكية لإقرار دستور يوحد البلد والرؤية السياسية له سنة 1787، وليتم حينها انتخاب اول رئيس للولايات المتحدةالامريكية وهو جورج واشنطن، القائد العسكري المنتصر في حرب الاستقلال، وإقرار دستور نظام الحكم الجمهوري البرلماني، الذي اقر فصل السلط ليميز ما بين السلطة التشريعية والتنفيدية والقضائية. فساد في الولاياتالمتحدةالامريكية النظام الفيدرالي الذي تتمتع في ظله كل ولاية باستقلال ذاتي مع مؤسسات تشرف على شؤونها المحلية، بينما تشرف الحكومة المركزية التي تضم الرئيس الامريكي المنتخب والحكومة والكونغرس على الشؤون الاخرى المشتركة كالسياسة الخارجية والدفاع والنقد وغيرها. المغرب في الميزان الإقتصادي الأمريكي تعتبر الولاياتالمتحدةالامريكية اقوى دولة اقتصاديا وكذا سياسيا في العالم، وتعتمد في ذلك على مبدأين اساسين هما اقتصاد السوق، او ما يطلق عليه ايضا بالإقتصاد الرأسمالي وأيضا مبدأ الاستثمار الحر، كما يساعدها على احتلال هذه المكانة الراقية ضمن المنظومة الاقتصادية العالمية كونها ذات اقتصاد متنوع حيث تمتلك ثروات مهمة من الفحم والغاز الطبيعي والبترول واليورانيوم، كما تعد الولاياتالمتحدة اول قوة فلاحية وصناعية كذلك في العالم من حيث الانتاج والتصدير، ومع كل هذا وذاك، ظلت الولاياتالمتحدةالامريكية اكثر الدول في العالم مديونية وأكثرها استيرادا للمحروقات خصوصا من دول الخليج العربي. وكما جرت العادة كانت ولا تزال الولاياتالمتحدة مهتمة اشد الاهتمام بإيجاد حلفاء اقتصاديين في الدول النامية او تلك السائرة في طريق النمو ونظرا لعراقة العلاقة بينها وبين المغرب كان هذا الاخير احد اهم المحطات التي تركز اهتماما عليه، إلا انه ورغم عدد من الاتفاقيات الاقتصادية الموقعة بينهما ظلت المبادلات التجارية ضعيفة وطغى علىها طابع التصدير من المغرب نحو الولاياتالمتحدة في حين الاخيرة اكتفت بتقديم مساعدات اقتصادية لهذا البلد الذي ربما لم يرق بعد ليحتل الاهتمام الاقتصادي الذي يستحقه من طرفها لأسباب جيوسياسية متعددة. هذه المساعدات التي تقدمها الولاياتالمتحدةالامريكية للمغرب لم تكن مجانية ابدا وحتى منتصف الستينات كانت المساعدات الأمريكية إلى الدول العربية تذهب أساسا إلى تلك الدول التى أقامت الولاياتالمتحدة فى أراضيها قواعد عسكرية أو تلك الدول التى أيدت وساندت أهداف السياسة الخارجية الأمريكية في المنطقة، وكان فى مقدمة الدول العربية التى حصلت على تلك المساعدات المغرب الذي أعطى للولايات المتحدة تسهيلات بحرية وجوية خاصة، وفتح لها الباب لتبني قواعدها الاستخباراتية والجاسوسية على اراضيه. ورغم كل الطموحات والمخططات الاقتصادية الرامية الى تطوير العلاقات بين البلدين اقتصاديا، لا يزال المغرب غير قادر على مواكبة هذا التطور بالشكل المطلوب، وقد يستغرب الكثيرون سر اصرار المغرب على بناء علاقات اقتصادية قوية مع هذا البلد البعيد ب 5793.84 كلم عنه، حيث ان الجواب عن ذلك بسيط ويكمن في ان هذا الاخير رغم كونه لا يعادل سوى 0.6% من اقتصاد الولاياتالمتحدةالامريكية، الا ان من مصلحته السياسية والاقتصادية فتح مثل هذه الجسور، لضمان رهان ملف الصحراء الذي تملك نوعا ما الولاياتالمتحدة حله، الامر الذي يخلق له اضطرابات سياسية مع فرنسا والاتحاد الاوروبي ككل، نظرا للتخوف الفرنسي من ان يصبح المغرب ارضية لمراقبة سكناته وحركاته، كذا تخوف الاتحاد الاوروبي ككل من ان يصبح المغرب مصدرا اقتصاديا مغريا وقويا، قد يغرق الاتحاد الاوروبي وافريقا ودول الجوار بمنتجاته او المنتجات الامريكية مما قد يؤثر على الاتفاقيات الاقتصادية القائمة بينهم. ولعل المغرب ليس هو الوحيد المستفيد من وراء هذا التعاون الاقتصادي الطموح حيث ان الولاياتالمتحدةالامريكية بذلك قد تضمن ارضية خصبة لتصدير بضائعها وتسويقها ليس فقط له، بل لكل المشرق العربي نظرا للموقع الاستراتيجي المميز الذي توجد فيه المملكة المغربية، وكذلك جلب ما تحتاجه من مواد اولية وخام من افريقيا ككل. ويرى محللون اقتصاديون ان المغرب قد خطى خطوة هامة في سبيل تطوير مؤشر المعاملات التجارية بحيث اصبح المغرب الذي تربطه منذ سنة 2006 اتفاقية للتبادل الحر مع الولاياتالمتحدة ٬ أحد "أفضل الأسواق في العالم العربي"٬ و"الأكثر أهمية بالنسبة لواشنطن"٬ بحجم واردات من السلع الأمريكية تجاوز 68،2 مليار دولار سنة 2011٬ أي بزيادة بلغت 47 في المائة مقارنة مع سنة 2010. وبفضل تطور البنية التحتية للمغرب، ببناء ميناء طنجة المتوسط الذي يرتبط بشكل مباشر مع معظم موانئ الولاياتالمتحدة، اصبح هذا البلد الافريقي الوحيد الذي تربطه اتفاقية تبادل حر مع الولاياتالمتحدةالامريكية نقطة عبور ساخنة للمنتجات الامريكية للسوق الاوروبية والشرق الاوسط وافريقا، حسب ما اوردته المصلحة التجارية الأمريكية٬ التابعة لوزارة التجارة الأمريكية٬ ومنطقة خصبة للاستثمار الشيء الذي يفسر تلك الزيارات الرسمية المتكررة لأرباب المقاولات الامريكية ومسئولين رفيعي المستوى للمغرب. الشيء الذي اكده مساعد كاتب الدولة في التجارة الأمريكية ومدير فوريين كوميرشيل سيرفيس سوريش كومار٬ حيث في تصريح صحفي له اكد على ان "المغرب يتيح للمقاولات الأمريكية فرصا كبيرة للاستثمار٬ وشراكات مهمة في العديد من القطاعات٬ كونه البلد الإفريقي الوحيد التي تربطه اتفاقية للتبادل الحر مع الولاياتالمتحدة." وتأتي الدورة الاولى للحوار الاستراتيجي التي تمت اشغالها يومه الخميس13 شتنبر 2012 بواشنطن، تاكيدا على تطور العلاقات الاقتصادية بين البلدين وإصرار كلى الطرفين على المضي قدما في سبيل تطويرها اكثر، لترقى لمستوى ما يربطهما من تاريخ عريق يزيد عن 225 سنة، ويأتي هذا الحوار في سياق تبادل للزيارات بين المسئولين الأمريكيين والمغاربة، كما اكدت ذلك المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية فيكتوريا نولاند٬ سابقا٬ في مؤتمر صحفي نقلت تفاصيله صحيفة الواشنطن بوست، حيث أكدت "أن الحوار الاستراتيجي بين المغرب والولاياتالمتحدة يأتي ليدعم دينامية الإصلاحات التي انخرطت فيها المملكة تحت قيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس" كما أكدت نولاند٬ في مؤتمرها الصحفي على أن "هذا الحوار يندرج في إطار الجهود التي تهدف إلى توسيع وتعميق العلاقات بين البلدين٬ كما يأتي لدعم دينامية الإصلاحات التي يشهدها المغرب"٬ هذا واكدت هيلاري كلينتون في مناسبة صحفية اخرى على ان الاصلاحات التي انخرط فيها المغرب بقيادة الملك محمد السادس لتعتبر "نموذجا" لباقي بلدان المنطقة . كما صرح إدوارد غابرييل٬ لوكالة المغرب العربي للأنباء٬ قائلا ان " العلاقات المغربية الأمريكية ما فتئت تتعزز تحت قيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس٬ وأن الحوار الاستراتيجي يأتي أيضا للاعتراف بالتقدم الذي أحرزه المغرب٬ لا سيما في مجالات حقوق الإنسان والإصلاحات الديمقراطية والانفتاح". ويرى دبلوماسيون امريكيون ان مثل هذا الحوار "التاريخي" بين المغرب والولاياتالمتحدةالامريكية ليعد دليلا قطعيا على استعداد ورغبة الولاياتالمتحدة في تعزيز علاقتها مع الصديق القديم لها المغرب في اشارة الى مجهودات ملك المغرب منذ 13 سنة في الحفاظ على اواصر الصداقة التي ربطت المملكة المغربية بهذا البلد منذ اكثر من قرنين من الزمن.