مؤتمر حزب العدالة و التنمية.. ومبدأ " القصور الذاتي" عن مسايرة الزمن الدستوري نستفتح وصفنا لراهن الوضع السياسي ببلادنا بعد صعود حركة التدين السياسي (العدالة والتنمية) إلى رئاسة الحكومة بالمغرب و عقد مؤتمرها الحزبي الأخير، بالتأكيد على وصف فقدان البوصلة الذي أشار إليه الأستاذ سعد بوعشرين، هذا الفقدان -حسب استنتاج الأستاذ التحليلي- يهدد بهيمنة "التنظيم الوحيد" على مسار التحول بالمغرب. إنها، فعلا، "البشرى المفزعة" التي قد تجعل من باطن الإصلاح الدستوري ردة تنسف ببهرجة احتفالية عش التجدد الديمقراطي لتجعله ردة عن كنه التأويل الديمقراطي للدستور. فلننطلق بداية من طرح السؤال الصادق.هل ،فعلا، حزب العدالة والتنمية يعكس حقيقة الحزب الأغلبي شعبيا؟. أم أن الوصف الواقعي لا يتعدى الحزب الأقل تفككا -من الناحية التنظيمية- من بين أقرانه الأحزاب المتهالكة أصلا؟ لينقسم بالتالي جوابنا إلى قسمين: 1- لا، حزب العدالة والتنمية ليس بالحزب الأغلبي شعبيا. 2- نعم، فراغ الساحة السياسية من النقيض-الفاعل يجعل من حزب العدالة والتنمية مشروعا للنكوص عن التطور الديمقراطي الدستوري الجديد بهيمنة التنظيم الوحيد الفاقد لبوصلة التحول الديمقراطي. وتفصيلا للشطر الأول من الجواب، نستدل بلغة الأرقام الحسابية على نسبة التمثيلية الشعبية الضعيفة لحزب العدالة والتنمية، وذلك باعتماد أرقام المشاركة الانتخابية الأخيرة ونسبتها المئوية من مجمل الكتلة الناخبة.فلا مجال هنا للمزايدة الفارغة، لاسيما وعدد الأصوات الصاعدة بهذا الحزب إلى رئاسة الحكومة مكشوف رقمها.كما أن اختزال القوة التنظيمية الحزبية في مفهوم الانضباط "الجهادي" الذي شكل عنوان "البهرجة السياسية" خلال المؤتمر الأخير،لا يعبر البتة عن تطابق قوة الانضباط التنظيمي مع تطور سياسي حقيقي للحزب. فكثرة العدد الحزبي الحاضر لافتتاح المؤتمر، والمجيش بتعبئة مضاعفة مباركة بفتح سياسي و"بتجديد صندوقي للبيعة والولاء السياسيين" للفاتح لثغر رئاسة الحكومة السليب.هذه الكثرة العددية التي تعدت" الثلاثين ألفا" من الأتباع، لم تستطيع الخروج ولو بنصر فكري سياسي منسجم جديد(لاسيما بعد مدة الاستئناس الحزبي بالاحتكاك المباشر مع تدبير الشأن العام)، إنها دليل ملموس على حجم الصفر الفكري لمؤتمر العدالة والتنمية. فحتى ننسجم مع المتغيرات يجب الانسجام أولا داخل الذات، والذات السياسية التي نناقش مؤتمرها لم تبرز دلائل انسجام عملي بين المراجعات الحكومية للحزب (التراجع عن البرنامج الانتخابي للحزب)، وبين الخطاب الداخلي للأتباع. فلم نر من الانسجام الذاتي غير الاستغلال ليومين من الحشد التنظيمي المبايع وفق إخراج حماسي لسيناريو انتخاب"صندوقي"للأمين العام الذي لم يكن غير، معالي، رئيس للحكومة.غير أن الصدمة النفسية الناتجة عن أولى إجراءات التطبيع الإسرائيلي لم تمهل انضباط التدين السياسي إلا يومين ليستفيق الأتباع على فضيحة التهليل الاحتفالي للحضور الإسرائيلي كضيوف عند الحزب. فإذا كانت مكونات حزب العدالة والتنمية لن تختلف حول غنيمة رئاسة الحكومة على اعتبار أنها "فتح مبين" بعد "جهاد سنين"، غير أن بداية سقوط "ورقة فلسطين" بعد "توظيف متين" هي بداية الانشطار الداخلي الذي يمهلهم رويدا رويدا. فممارسة الواقع السياسي ستكشف، ولا شك، تضليلية الخطاب الداخلي الذي على أساسه توحد الأتباع المصلحون. أيضا، فإعلان الأستاذ بن كيران لنهاية " الربيع المغربي" بعد الجمع بين رئاسة الحكومة ورئاسة الأداة الحزبية، يؤسس لمرحلة جديدة قد توهم البعض بإلزاميتها للتعبير عن تماسك وتلاقي شرعيتين انتخابيتين (شعبية وحزبية) وانعكاسها الإيجابي على مسار التحول المغربي، لكنها في الحقيقة مقدمة لتحجر وتمركز أداتين سياسيتين عند تأويل كلاسيكي أبوي للدستور يشكل تهديدا لمنحى الإصلاح. وبالعودة إلى مفهوم " الحزب الأغلبي شعبيا" ، نكتشف أن بروبغاندا التضخيم الصوري التي يسعى بها حزب العدالة والتنمية هي، فعلا ، تسريع ساذج لزمن " الانفجار الكبير" للحزب، فالعاقل سياسيا يعي جيدا أن النهج النفخي الصوري والتضخيم الافتراضي لكل تجربة سياسية في بداية محكها الحكومي تنتج،بعاقبتها، تضخيما حقيقيا لحجم المحاسبة الشعبية عند الفشل. فالموضوعية شرط أساسي لضمان الاستمرارية السياسية.لأن أولى الحقائق ،التي وجب الوعي بحكمها، هي أن مهلة الشعب " الصامت" لن تدوم بمسكنات "الأبوية السياسية" ولا بفزاعات التنظيم "المنضبط جهاديا"، بل ما هي إلا شهور ويصطدم الجميع بواقع أن العدالة والتنمية لم تعد تقنع أحدا!!! وأن استمرار أتباعها بخطابهم الداخلي ذي "الغطاء الإسلامي" يشكل "تفجيرا انتحاريا" للدين الإسلامي، فهل الفشل الذي يلوح في زمن العدالة والتنمية السياسي سينسب عند المحاسبة الشعبية للإسلام كدين؟! أما أنه من حسن المسؤولية السياسية ومن حسن بصيرتها نسبة الفشل لمشروع الأفراد وأداته التنظيمية؟! إنها الأسئلة التي لم ترتق الحشود "المبايعة" للفاتح رئيس الحكومة لمستوى التأمل في أجوبتها حتى يتسنى لنا الإقرار بأن مؤتمر" العدالة والتنمية" هو مؤتمر الحزب السياسي الأكثر نضجا بالمغرب وفق مسايرته الحكيمة لماهية الإصلاح الدستوري.فاختزال مفهوم "المؤتمر الحزبي الناجح" في استلاب تنظيمي نحو اعتماد نهج "حزب الله" الاشهاري وتهييج الأتباع بفتح افتراضي ، لن يلهينا عن مكر"التقية السياسية" لأن استمرار التناقض بين خطاب رئيس الحزب "المتدين سياسيا" عند الأتباع ورئيس الحكومة" العلماني" عند الدستور ( بحكم أنه الحزب الحاكم المعهود له بالتفعيل الديمقراطي لأحكام العقد الدستوري والذي رسخ "لعلمانية" الجهاز التنفيذي كمكسب دستوري) يشكل تضليلا بئيسا لأتباعه وللمتعاطفين معه و للمغاربة أجمعين. هذا التضليل الذي يحكم فعلا على مسار التحول بالفشل الذريع. في حين أن الوضوح السياسي المتين كان سيشكل تأهيلا سياسيا معطاء لمشروع حزب العدالة والتنمية لمسايرة الزمن السياسي الدستوري. وبالعودة إلى فراغ النخبة من النقيض السياسي الأساسي ضمن معادلة التوازن السياسي المستقر لبلادنا، والذي يساهم بشكل وافر في توسيع هامش هذا التضخم الصوري عند قيادة "العدالة والتنمية" لتلبية نداء أحادية الهيمنة التنظيمية على الساحة السياسية الدستورية، هذا الفراغ السياسي الحاصل هو فراغ مشاريع و استراتيجيات بالأساس بين واقع نخبة "حركة التدين السياسي" وواقع نخبة "حركة الخمسينية الحزبية".وحتى لا نطيل على القارئ الكريم، نجزم بالنسبة للواقع الأول، أن فشل حزب العدالة والتنمية هو فشل لمجمل نخبة حركات التدين السياسي، فالفشل الحكومي هو إعلان عن سقوط صريح لورقة " الإسلام" من توظيفها السياسي المدنس بصفة الفشل السياسي البشري، وبالتالي نهاية بدعة الوصول للسلطة باسم التدين السياسي، و ذاك سر الالتفاف المتدرج لمختلف الحركات التدينية السياسية وتوافقها حول حد أدنى من النجاح لرئيس الحكومة أمام أية هبة حداثية قادمة. أما التوجه الثاني المشكل من نخبة " الخمسينية الكلاسيكية" التي انقسمت إلى فصيلين، يقضي الأول بالتحاق "الاستقلال" و" التقدم والاشتراكية" و "الحركة الشعبية" بالجناح المنبطح لتوافق اضطراري مؤقت حول ضمان استمرارية زمنية إضافية لتوازن المعادلة الوطنية.فيما الفصيل الثاني يعيش مرحلة عسر المخاض لإفراز إستراتيجية جديدة للنضال الحداثي، فهو فاقد لبوصلة التجدد الحداثي اللازم لمسايرة التغيير المجتمعي المنشود، كما منه أيضا "السعاة" لرجعية العودة إلى الحكومة بأماني التعديلات الوزارية التي قد تنتج عن أعطاب اضطرارية تستلزم تسخين الأكتاف كما سبق أن وصف العملية الأستاذ بنكيران، ولم لا؟ وهو" الحالم الطامع" بتوسيع الحكومة باتجاه حكومة وحدة -حزبية-قد تفرضها الرجات المستقبلية. من كل ما سبق، نستخلص أن حزب العدالة والتنمية لم يستطع بمؤتمره الأخير ضبط زمنه السياسي على ساعة "العلمانية الدستورية" المفروضة قانونا على مشاريع الأحزاب السياسية باستمرار التقية السياسية المتسترة عن فظاعة الخطاب الداخلي الحركي الكهنوتي لأتباعه.فمؤتمر حزب العدالة والتنمية ليس له سلطان النفاذ لزمن مشروع الدولة-الحاضر فهو لازال رهينا لرواسب زمن مشروع الدعوة-الماضي، ومن تم ومع حقيقة مبدأ "القصور الذاتي" عن مسايرة الزمن الدستوري الذي وصل فيه الحزب إلى السلطة.فليس للعدالة و التنمية كحزب سياسي إلا مهلة انتظار الفشل الحكومي و انشطار الذات المتدينة سياسيا .وتلك سنة التضليل وعدم الوضوح مع الذات و مع الأخر.أما النخبة المتبقية فليس لها إلا الاتكال على صبر انتظار "قوة الأشياء" لكسب أمانيها المفقودة. ويظل الشعب أيضا في انتظار وعود التسوية الاجتماعية والتنمية الاقتصادية المفقودة، كما تظل الدولة في انتظار تبات استقرارها ووحدتها.غير أن الوطن العزيز على قلوبنا جميعا، كان ولا زال ، ينتظر وثبة الشباب الحداثي بانعتاقه الواعي بقيم التحول الدستوري الذي يحتضن مشروع " الحلم المغربي". مشروع الشباب المغربي الذي اقتنع بأن الدين لله والسياسة تنافس بين مشاريع دولة. فالخطأ لا يعالج بخطأ أخر قد يكون قاتلا .. عضو المكتب الوطني للشبيبة الاتحادية