هنا كان يجلس محمد شكري.. وهنا كان يقضي الكاتب الأمريكي بول بولز الكثير من الوقت.. وفي هذا المكان جلس الممثل الأمريكي الشهير شون كونري يستمتع بالمحيط الأطلسي في هدوء تام..ومن هذه البوابة الضيقة والعتيقة دخل ونستون تشرشل ذات يوم ليطل على مضيق جبل طارق وهو يرتشف فنجان شاي ساخن. مرحبا بكم في مقهى "الحافة" بطنجة، ملتقى المشاهير والباحثين عن التأمل. رحل أبّا محمد وترك "الحافة" يتيمة. هكذا يعلق أحد زوار المقهى الأشهر في مدينة طنجة، بإغراق كبير في الحنين إلى الماضي. أبّا محمد هو صاحب المقهى الذي أخذت سمعتها من قيمة المشاهير الذين زاروها من عالم السياسية والفن والأدب، وعلى عهده كانت "الحافة" ملتقى لأسماء شهيرة تركت بصماتها في تاريخ البشرية. رحل أبّا محمد إلى دار البقاء، فتغير رونق المقهى المطل بدلال على المحيط الأطلسي، وتناثر جزء كبير من تاريخه مع عوادي الزمن. ظل مقهى "الحافة" منذ افتتاحه سنة 1921 مجمعا للكتاب والروائيين والسياسيين.. من وينستون تشرشل أشهر رئيس وزراء عرفته بريطانيا عبر تاريخها إلى كوفي عنان الذي سبق له أن تقلد منصب الأمين العام للأمم المتحدة، والذي أصر في إحدى زياراته لطنجة أن يزور مقهى "الحافة" ويجلس على كراسيها المبعثرة مستمتعا بمنظر الأطلسي وهو يعانق المتوسطي بحميمية. على بساطتها، وبموقعها المطل على مضيق جبل طارق، وبكراسيها البلاستيكية وطاولاتها الإسمنتية المزركشة، وجدرانها الزرقاء، وبأشجارها التي تنمو دونما اهتمام لأحد، وبجاذبيتها التي لا تقاوم.. صنعت "الحافة" مجدها، وتاريخها، وسمعتها التي عبرت الحدود وألهمت العديد من الكتاب العالميين كما هو حال الكاتب الإسباني لويس إدوارد، وأسرت العديد من الفرق الموسيقية العالمية مثل مجموعة "البيتلز" الإنجليزية. الكثير من زوار "الحافة" يعتبرون أنها هبة من الطبيعة لموقعها المتفرد وشكلها المطل على حافة تقابل البحر على امتداد البصر. بساطة المكان وتواضعه حد الإغراق، جعل من "الحافة" متفردة في كل شيء حتى في تاريخيها الممتد على قرابة القرن من الزمن. تاريخ بُصِم من طرف العديد من الأسماء الشهيرة التي اقترن اسمها بهذا المقهى، مثل محمد شكري صاحب "الخبز الحافي" الذي كان يقضي وقتا كبيرا في التأمل وصناعة السكون بالمقهى. اليوم، لم يبق من عراقة "الحافة" إلاّ الاسم. تغير زائروها وفقدت الكثير من سمعتها وخفّ صيتها. لم تعد المقهى تجلب الكتاب والروائيين والفنانين والمتأملين بعد أن فقدت الكثير من جاذبيتها، بعد أن تغير زبائنها من فئة كانت تنغمس في عزلة أدبية وروحية وفنية، تصنع بها الحياة، إلى فئة تستغل، اليوم، سكون المقهى لتتعاطى كل أنواع المخدرات، تقتل بها تاريخا عريقا لمقهى كانت ذات يوم مصدرا للإلهام، وصناعة الحياة. رحمك الله أبّا محمد.