لنبدأ بما قاله المحامي مصطفى الرميد باسم هيأة الدفاع عن يومية "المساء"، عشية أول أمس )الاثنين(، حين أكد أن الحكم على الجريدة المذكورة بأداء 612 مليون سنتيم لا يستند على أي منطق، وأن حجم الغرامة يحيل على الظلم المبني على الانتقام والرغبة في إعدام "المساء". وقال الرميد أيضا، أمام حشد من الصحافيين والصحافيات الذين "حجوا" إلى الفندق المجاور لمقر يومية "المساء" بشارع الجيش الملكي بالدار البيضاء، لحضور الندوة الصحافية التي عقدها مسؤولو ومؤسسو الصحيفة ذاتها، (قال) الرميد إنه إذا كان الغرض من رفع القضاة (نواب وكيل الملك بالقصر الكبير( دعوى القذف في حق "المساء" هو رد اعتبارهم الذي مُس بسبب نشر معلومات تنسب إلى أحدهم دون ذكر اسمه حضور حفل زفاف الشواذ بمدينة القصر الكبير، فإن المحكمة نطقت بحكم الإدانة ووصل صداه إلى الرأي العام والمشتكين أيضا. واستغرب المحامي الرميد أن يٌربط حكم الإدانة بأداء غرامة مالية تستهدف وجود الجريدة، متمنيا أن يستيقظ ضمير المشتكين ويتنازلوا حتى لا يُعتبر أنهم استُعملوا أو أنهم يرغبون في الاغتناء على حساب جريدة يومية اعتذرت علانية عن خطئها. والملاحظ أن كلام المحامي الرميد فيه الكثير من الصحة والمنطق، فقد قال هو نفسه إنه اتصل بكبار قضاة المغرب واستغربوا لهذا الحكم. والجديد في كلام المحامي المذكور أن هذا الأخير لم يستغل محنة "المساء" ليصفي الحسابات مع القضاء كما يفعل آخرون تعودوا على حضور محن الصحافيين من "أبو بكر الجامعي إلى علي لمرابط إلى نور الدين مفتاح، فإدريس كسيكس، ثم أحمد بن شمسي وعبد الرحيم أريري ومصطفى حرمة الله، الذي لا يزال يقبع بسجن عكاشة في قضية أسبوعية "الوطن الآن".
فالصحافي في جميع الأحوال لا يمكنه أن يستوعب الخطابات التي يطلقها أناس آخرون باسم الدفاع عن حرية التعبير والدعوة إلى استقلالية القضاء ونزاهته، أثناء لحظات التضامن مع هذه الصحيفة أو تلك. والصحافي حين يلجأ إلى المحامي وقت الشدة فليساعده على كيفية المرور فوق ساحة تكون ملآ بالألغام لحظة وقوع المشكل، لا أن يشعل لديه الرغبة في مواجهة الدولة بجميع مؤسساتها، فالمؤكد أن الصحافة "الشجاعة والحرة والجريئة" لا تؤتي أكلها في ظروف تتسم بضعف دور الأحزاب المفروض فيها حمل شعار إصلاح القضاء وغياب مجتمع مدني قوي يسند كل شريحة تقيس يوميا مستوى الديمقراطية وحرية التعبير. والصحافة لا يمكنها أن تكون فعلا سلطة رابعة ما لم تكن السلط الثلاث الأخرى "السلطة التنفيذية (الحكومة)-السلطة القضائية- السلطة التشريعية (البرلمان)" قوية ونزيهة وفعالة ومقتنعة بمبادئ دولة الحق والقانون. واللافت إلى الانتباه في الندوة الصحافية التي عقدتها "المساء" عشية أول أمس (الاثنين( أنها عُقدت بفندق وحضرها صحافيون من جميع الجرائد الوطنية وحضرتها قنوات تلفزيونية مغربية وعربية. ثم إن حضور جميع المنابر الإعلامية المغربية، خاصة المكتوبة كان بهدف التضامن بعيدا عن الانتقاد الذي قد يوجه إلى "المساء" في أسلوبها المهني، الذي لا يمكن اعتباره في كل الأحوال قاعدة، لكن تضامن الصحافيين فيما بينهم وجب أن يكون لا مشروطا، فالأصل في العمل الصحافي هو حسن النية، والخطأ في الصحافة لا يجب أن ينظر إليه على أساس أنه جناية "خطيرة". وبالرجوع إلى طبيعة الحكم القضائي الصادر في حق "المساء"، فبالإضافة إلى عدم استناده على منطق القانون، كما أكد ذلك المحامي مصطفى الرميد، فالملاحظ أن هذا الحكم غير النهائي طبعا، صدر أساسا في شكل القضية، فمقال جريدة "المساء" موضوع دعوى القذف تحدث عن صفة المشتكي أو المشتكين (نائب أو نواب وكيل الملك)، وهذه الصفة تخص مؤسسة قائمة الذات، وهي مؤسسة "النيابة العامة"، التي تعتبر ممثلة للحق العام وسلطة الاتهام وممثلة للمجتمع أيضا، علاوة على مكانة الصفة الملتصقة بالوكيل أو نائبه. ويمكن الإشارة إلى أنه كان يمكن أن تأخذ هذه القضية مجرى آخر لو تفادى مقال "المساء" ذكر صفة المشتكي أو المشتكين. وفي جميع الأحوال، أمام يومية "المساء" مرحلة الاستئناف بمنطق أنها مدعى عليها ارتكبت جنحة "النشر"، وأن المشتكين مواطنون اعتبروا أنفسهم متضررين، لا بمنطق "المساء" في مواجهة مؤسسة النيابة العامة أو جهاز القضاء، فالأمر في هذا المنطق يحيل على لعبة "ليّ الذراع" التي تستدعي تكافئ القوى بين لاعبيها، وهو الشرط الغائب في هذه الحالة. بقلم: الحسين يزي / جريدة الصباحية