بدءا باللغة الزرقاء ؛هل من مدستر؟ السرب الذي طار من حديقتي الجبلية,بمستفركي ,صباح السبت,لم يكن سرب حمام ولا طائر الحسون؛ولا بقية ذوات الأجنحة التي تقطن معي ؛وتحرص ,كل فجر,على مشاغبة نومي؛ حتى لا تكون وحيدة ,وهي تستقبل أشعة الشمس الأولى . طار قاموسي كله إلى البحر ؛وما من لفظة قلبتها ,عساها تستهويني لأمضي قدما وأسحب عنها غلالاتها, إلا وجدتها زرقاء ,مبنى ومعنى. انه البحر ينادي ,يا رفيقة دربي, فهيا بنا عساني ألحق بقاموسي الطائر؛ قبل أن يتخطفه قراصنة الاسبان بالجزر الجعفرية. مر اليوم رائعا هادئا بجرف" قابو ياوا" =رأس الماء (اقليمالناظور)؛الناظر الى جزر صخرية مغربية ؛ظلت جزر "الشفارة" الاسبان رغم ذكاء النحت اللغوي , ولباقته , في التسمية الحالية. لن تتنازل لكم قبيلة كبدانة عن تسميتها القديمة للغزاة ؛وهي التي حرمت عليهم أن ينزلوا بثراها,بعد أن سرقوا جزرها ؛وبينهما مرمى حجر. ظلت حامية المائة رجل,الكبدانية,تتناوب ليلا ونهارا, لا تغفل أبدا ؛وحينما تنادى المغاربة لحرب التحرير ؛تم الإبحار,ليلا, إلى الصخرة - حيث يرعى الماعز الاسباني على هواه- بذئبين شرسين ؛جوعا حتى لا يذرا على الصخرة كراعا ماشيا إلا أردياه , ولا بطنا إلا بقراه . ومارست الذئاب الكبدانية وطنيتها بكل إخلاص ذئبي... وإذ تناوبت النوارس على لملمة قاموسي ؛ بدا لي أن أستسلم له ,فلا أتحدث اليوم الا اللغة المغربية الزرقاء ؛وهي ,بالمناسبة, لم تدستر ؛وكأن القوم لا يخافون من سيقان المتوسط و الأطلسي أن تلتف علينا ؛ولن يسعفنا يومها لا طبقال ولا أوكايمدن. من أعداء مغربة البحر: "إن المغاربة لا يحبون البحر, ولا يعرفون عنه شيئا؛ فالمحيط الأطلسي يخلق لديهم شعورا عميقا بالرعب" : روبير مونطانيRobert Montagne ****************** من مهام السلطان عند الفقيه ابن زكون: "منع الناس من الإضرار بأنفسهم ,والتغريب في البحور إذا لجت" أما الشيخ الولي أبو محمد صالح الماجري فقد خاطب مريديه بما يلي: " إياكم والسفر في البحر ,فاني أنظر إليكم ما دمتم مسافرين في البر ؛فإذا دخلتم البحر حجب بيني وبينكم" الاقتباسات عن الحسين بولقطيب:المغرب والبحر خلال العصر الوسيط تيمة متمنعة: إنها "تيمة" البحر المغربي, استعصت حتى على عراب السوسيولوجيا الكولونيالية؛رغم فروسيته , وهو يجوب قبائل الأطلس ,ويكشف عن بنياتها ؛ ويلاحق المخزن حيثما سير حركاته ,وأرخى سدوله . إذا كان حكمه هذا نابعا من قناعاته , وهو يفكك ثقافتي المغرب الجبلي والسهلي ؛فهو محق لأن البحر ظل يؤثث المخيال باعتباره رديفا للضياع والفناء؛تجده بهذا المعنى في النصوص الدينية ,وفي الحكي ,بكل اشتغالا ته الواقعية والمتخيلة. وفي الحقيقة يظل هذا التصور شائعا بين كل شعوب الأرض ؛حتى التي أسست أمجادا وحضارات بحرية ؛منذ اليونان والفينيقيين . إن أعذب الأساطير ,منذ هوميروس, ووصولا الى "همنغواي" ,هي المرتبطة بأهوال البحر. إن البحر مخيف ؛ وكيف لا يكون كذلك , وهو مساحة للهلاك؛ منذ تعلم الإنسان أن يركب موجه؛ بل حتى العرش العظيم لم يرد له الرحمان أن يظل فوق الماء؛ إلى الأبد:" وكان عرشه على الماء". وما عاقب الله أشد عقاب, مضى, كعقابه بالطوفان.ولولا " أن اصنع الفلك" لما بقي بالأرض ديار. وحتى حينما تسمت السفينة ب"التيتانيك" في عصر العلم ,الصناعة , اللاسلكي والتوقع,غرقت . بل حتى اليابان ,قاهرة الزلازل ,ومجربة الحرب النووية؛لم تدر كيف تواجه بعاع التسونامي البحري. وإذا كان "مونطاني" يصدر عن استعادة للغضب الأوروبي من الجهاد البحري ل"إمارة" أبي رقراق ,حيث أقسم الموريسكيون على الانتقام العائم, الشرس والطويل النفس, من كل ذوات الرايات المسيحية ؛فله أن يقول ما يشاء ؛لكن ليس تحت عنوان المصداقية والموضوعية السوسيولوجية و التاريخية. أبو البقاء الرندي نفسه بكى الأندلس ,والظلم المسيحي وأبكانا معه ؛لم يكن مؤرخا ,حتى نطالبه بأدلة ما ؛بل شاعرا فقط : ولو رأيت بكاهم عند بيعهم لهالك الأمر واستهوتك أحزان يا رب أم وطفل حيل بينهما كما تفرق أرواح وأبدان وطفلة مثل حسن الشمس إذ برزت كأنما هي ياقوت ومرجان يقودها العلج للمكروه مكرهة والعين باكية والقلب حيران ألا نستعيد ,بعد هذا, لحظة " الموريسكي" مع حسن أوريد؛ ونثني على "قراصنة" العدوتين ,وهم يعودون من غياهب البحار ,بالذهب واللجين وكل حور عين؟ ألا تجيب لغتنا العسكرية الزرقاء ,هنا, عن عربدة نصارى ,همج ؛ما كان لهم – إذ غلبوا- أن يبيدوا ويقهروا ويمسحوا ويغربوا ساكنة لم تعرف لها موطنا غير الأندلس؟ لعل "مونطاني" استفزه – فقط-موقفنا من البحر ؛ نعاديه , ونحن بين سيقانه منذ الأزل ؛ دون أن يعني هذا أننا لم نمارسه مركبا ,وفضاء للمغامرة وبسط النفوذ ؛لأن " المتحكم في البحر يتحكم في الثروة" على حد قول المؤرخ بروديل. ورغم الفقه ,الجالس, والكاره للبحار إذا لجت ؛ ورغم أنف الشيخ الصوفي الذي لا يقوى الا على الكرامات البرية ؛ وهو في هذا يخالف أبي يعزى(مولاي بوعزة) الذي أبلغ مريديه أنه لا يعجز أن يمشي فوق موج البحر مشيا؛ فان المغاربة ,عاشوا بحارهم ,كما تأتى لهم ,أسوة بكل الشعوب البحرية؛ بل ووضعوا اللبنات الأساسية للقانون العالمي للبحار؛قبل الأوروبيين بقرون. وحسب ما يذكره بولقطيب ,صدرت الأوامر ,منذ دولة الموحدين, إلى كل السفن المغربية المبحرة , وكل ساكنة السواحل ,بإغاثة كل طالبي النجاة في عرض البحر, ومساعدة راكبي السفن المنكوبة بالسواحل. رهان المغرب الأزرق ؛ماذا يعني اليوم؟ كان طعامنا ,في يومنا البحري ب"قابو ياوا" سمكات مشوية, معدودة ؛بفاتورة تصرخ محتجة,قبل المأمور بها: أمغربي ويدفع مائة وخمسين درهما في ما لايشبع حتى فرخ نورس؟ كأنك تقول: أسعودي ويشتري لتر البنزين بكذا؟ بعد القهوة استسلمت للتفكير في هذا البحر المغربي, الذي لم نعد نعرف- خلافا لأسلافنا- ماذا نفعل به. بدأت بالمقارنة بين ثمني وجبتي السمك ؛هنا وفي مليلية المحتلة .رغم أن السمك مغربي ,في الحالتين, فان الفارق يصل الى مائة درهم تقريبا. بل تكاد هناك تطعم سمكا ب "بلاش" كما يقول أهل الكنانة. من يشرح هذه المفارقة ؟ هل السبب هو الفقه البري ,أم الكرامة الصوفية البرية فقط؟ هل تكمن العلة في اللغة الريعية الزرقاء ؛التي تعرف كيف تخرق جميع المدونات القانونية الرسمية؛ ولا تعرف كيف تدخل مدونة الغذاء البحري ؛الذي يجب أن يعم السهل والجبل, وفي وسعه ذلك؟ فكرت في بنكران وحكومته وقلت:لعله مع الفقيه ابن زكون و الصوفي ؟ وانتهيت الى رأي غريب ومفارق: لو أجرنا بحرنا,الذي لا نحسن استثماره, بسمك فقط, يوزع مجانا على المواطنين المحتاجين , لغطينا,على الدوام, أكثر من ثلثي غذائهم ؛ ولوفرت الخزينة مبالغ ضخمة؛ تخصص لأوجه التنمية الأخرى. رأي غريب ,لكنه يفضي إلى وضع غذائي, ونقدي, أفضل من الحالي. ممكن " كالبسو" مغربية؟ رحم الله القبطان "كوسطو" ؛لو تأتى له لقال فينا ما قاله مالك في الخمر؛ولتجاوز هجمة "مونطاني" بدرجات كثيرة. ورحم الله أخا لي ؛قضى في حادثة سير برية, وهو الضابط البحري ,خريج المعهد العالي للدراسات البحرية. كان يؤكد لي ,في أحاديثنا البحرية,تفوق الضباط المغاربة على غيرهم ,في أعالي البحار؛ وكيف كانوا ينتزعون اعترافات كبار الربابنة العالميين ؛وخصوصا الألمان.كان يضحك كثيرا حينما يحدثني عن ضباط عرب ,خليجيين, لا يزاولون مهامهم إلا مسنودين بضباط فيليبينيين ؛من قصر قاماتهم يظهرون أمامهم كأطفالهم لقد عوقب ,يوما,على انتقاده لضابط عربي ,في ميناء عربي,بمنعه من النزول إلى البر طيلة رسو باخرته. اعتقد الأمر هزلا ؛لكنه حينما هم بالنزول صوب أحدهم,فعلا, الرشاش إلى صدره :الزم مكانك. أذكر هذا وأنا أتشوف إلى اليوم الذي ننتبه – حتى علميا- الى بحارنا وشواطئنا ؛من خلال " كالبسو" مغربية تجوب البحر ,بعلماء بحار مغاربة؛ يعرفوننا ببحارنا ؛ويحببون إلينا لغة البحر الزرقاء. قبل هذا أمن الرشد ألا تكون في جامعاتنا شعب للدراسات العلمية البحرية ؛يتخرج منها طلبة يتوجهون مباشرة إلى البحر كصغار السلاحف البحرية؟ من يصالحنا مع بحرنا ؟ هذا الذي أخجل من النظر إليه الآن من جرف "قابوياوا" ؛ وفي مرمى البصر ثكنة عسكرية اسبانية من العهد البائد. إن البحر لا يحب الفراغ ؛إن لم تحتله سيحتله غيرك. هم هناك لأننا لم نكن هناك. [email protected] Ramdane3.ahlablog.com