يتطرق الأستاذ حسن بناجح، الكاتب العام لشبيبة العدل والإحسان، في هذا الحوار لمجموعة من القضايا المرتبطة بالتصور التربوي والسياسي للجماعة. يقترب تنظيم العدل والإحسان من عقده الثالث، بعد مسار طويل من النجاح والإخفاق، كيف تقيمون تجربة الجماعة؟ جماعة العدل والإحسان، والحمد لله، مستمرة منذ تأسيسها في نمو مضطرد وتوسع متوازن في جميع المجالات، وهذا واضح من خلال مشروعها التربوي الذي تظهر تجلياته في الشباب المقبل بقوة على المساجد والالتزام الأخلاقي، وواضح أيضا في الامتداد الجغرافي للجماعة حيث لا تخلو مدينة أو قرية أو مدشر من وجود دعوة العدل والإحسان، كما أن الجماعة حاضرة بقوة في مختلف الفئات المجتمعية والقطاعية المهنية، والحضور المميز لقطاعاتها الثلاثة شاهد على ذلك، أقصد القطاع النسائي والقطاع النقابي وقطاع الشباب والطلبة. كما أسجل أنه رغم كل المحاولات الكيدية ضد الجماعة، سواء من خلال خيار قمعها أو من خلال المحاولات المستمرة لترويضها، فقد بقيت ثابتة وصامدة، وبحمد الله وتوفيقه لم يزد توالي الأحداث إلا اقتناعا وتصديقا لمواقف الجماعة وخياراتها. يرى عدد من المتتبعين لمسار الجماعة، أن الأخيرة تراجعت عن الكثير من مواقعها خلال السنوات الأخيرة، وبات حضورها محصورا على بعض الخرجات أو الرسائل. ما رأيكم حول هذا التحليل؟ هذا كلام الخصوم فقط، خاصة منهم الذين انحازوا إلى جبهة المخزن، وموقفهم يكون عادة إما حسدا لكون الجماعة العدل والإحسان استعصت على رياح التطويع المخزني وبقيت نقية، فيما عدد منهم أصبح خبر فساده في العالمين. وفي أحيان أخرى يكون الهدف من مثل هذه الإشاعات، والإشاعات حقيقة هي الأقرب إلى وصف هذا الكلام لأن آليات البحث تبعد عنه بعد الحقيقة عن الزيف والبهتان، قلت إن الغرض من هذه الإشاعات، هو تبخيس لما أسميتها بالخرجات والرسائل حقها، لأنه لو لم يكن في سجل العدل والإحسان غير تلك الرسائل والمواقف، فهي تكفيها شرفا والتحاما حقيقيا بهموم وقضايا الشعب المغربي والثبات عليها، فلم تبدل ولم تغير ولم تتزحزح ولم تبع أو تُستدرج إلى سوق نخاسة المبادئ، أما المتتبعون والباحثون الموضوعيون فلا أعرف منهم من يقدم هذه الصورة القاتمة عن الجماعة، لأنهم يدركون قبل غيرهم أن جماعة العدل والإحسان أصبحت مؤثرا أساسيا في كل المحطات الفاصلة في المغرب، بل هي المعتبر الأول في ما يتخذ من قرارات سياسية اليوم، ناهيك عن الوجود القوي في معظم المجالات والحيثيات والقطاعات والفضاءات، وهي حقائق ساطعة يعرفها كل المغاربة ولا تحتاج إلى شهادة إثبات. ترفض جماعة العدل والإحسان إلى حدود الساعة دخول العملية السياسية، هل تعتقدون أن تفاصيل دخول الحقل السياسي لم تكتمل أي من جزئياته؟ الجماعة لا ترفض دخول العملية السياسية، لأنها ببساطة في صلبها تتفاعل معها وتؤثر فيها. ربما أنت تقصد الانتخابات وهي مجرد إجراء من إجراءات العملية السياسية. ولأن هناك فرقا شاسعا بين المشاركة السياسية والمشاركة الانتخابية، فالمعتبر في المشاركة السياسية هو التأثير في القرار السياسي وفي المشهد العام، وبهذا تكون الجماعة بلا منازع مع طليعة المشاركين، وإذا غاب التأثير في العملية السياسية فإن العملية الانتخابية لا تكون لها جدوى، وهذه الصورة مجسدة تماما في مجمع العملية الانتخابية، أي البرلمان، ذلك أن الكل يعلم أنه لا يقدم ولا يؤخر شيئا في القرار السياسي. المدخل الأسلم إذن، هو إصلاح أسس العملية السياسية والنظام السياسي بمشاركة كل أبناء الوطن الغيورين، وإذا تم هذا فالإجراءات الأخرى، ومنها الانتخابات، يصبح لها معنى ومسوغ. ماذا كانت تداعيات رؤية 2006 في موضوع خلافة تنظيم العدل والإحسان؟ كانت كلها خيرا على الجماعة، لأنها مناسبة أخرى لتؤكد تشبث الجماعة بكل الدين، والرؤيا كما يعلم كل مسلم هي جزء أساسي من الدين بل هي ركن أساسي من أركانه، وهو الإيمان بالغيب، كما كانت مناسبة لفضح محترفي التلفيق والتشويش على صورة الجماعة لدى أعضائها والمتعاطفين معها وكل الشعب المغربي، فالكل تأكد أن ما كنا نتحدث عنه لم يتجاوز الضوابط الشرعية للتعامل مع الرؤيا، إذ وقفنا عند حدود الاستبشار بها خيرا كما أوصانا بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، خاصة إذا رآها عدد لا يحصى ممن يعرف عنهم الصلاح والتقوى . أما ما روج حول الرؤيا من تفسيرات وتخمينات فهي سموم، منهم من ابتغى بها التشويش السياسي، ومنهم من كان مبتغاه أقبح وهو ضرب أسس الدين من خلال جزء منه، وقد فشلت هذه المناورات لأن كل من أطل إطلالة خفيفة على مشروع العدل والإحسان لا يمكن أن يصدق تلك التلفيقات، فمن يصدق مثلا أن الجماعة كانت تنتظر إقامة الخلافة في المغرب في الوقت الذي يعرف الجميع أن الخلافة ، كما هو مفصل في مشروع العدل والإحسان، هي مشروع كل الأمة الإسلامية وليس قطر من أقطارها، وبالتالي فالسعي إليها والتحضير لها هي مسألة جهود كبيرة وتوحد دول وأقطار بعدما يعمها المشروع الإسلامي. ألا تعتقدون أن "فشل الخلافة"، يفرض إعادة النظر في التداخل الحاصل بين الحقل التربوي (الدعوي) والحقل السياسي داخل الجماعة؟ الذي فشل هو رهانات الخصوم الذين انهار ركام إشاعاتهم، فالخلافة بالصورة الكاريكاتورية التي سوقوا لها في الإعلام توجد فقط في مخيلاتهم، أما الخلافة الإسلامية بمعناها النقي فهي مشروع عقلاء، وكما يقال أعمال العقلاء منزهة عن العبث. فتحقيق الخلافة على مستوى الأمة الإسلامية حق ويقين ووعد نبوي شريف، ولا يعطله شغب العابثين، والعقلاء يعرفون أن دوننا وإياها أشواط من العمل والبناء، وجوهر البناء بناء الإنسان لأن الخلافة ليست مجرد نظام سياسي وهياكل وكوادر، الخلافة روح وتربية ودعوة، والبناء في هذا الاتجاه سائر بحمد الله ولا تزيده المسيرة إلا متانة ورسوخا.