لازال محمّد أيّوب ذو ال49 عاما، وهو ابن القصر الكبير المستقر بطنجة ، يشتغل ضمن المهنة التي اختارها لنفسه عام 1982 ببيعه لوجبات الحلزون المطبوخ وسط الشّارع.. أو ما يسمّيه لسان ساكنة المنطقة ب "غْلاَل".. دون أن يعني ذلك استمرار محمّد في التشبّث بذات طريقة التسويق التي انتهجها في بداية مشواره. بحلول السّاعة الرّابعة من بعد زوال كلّ يوم، باستثناء شهر رمضان واحتفاليّتي عيديّ الفطر والأضحى، لن يجد الباحث عن محمّد أيّوب ضالّته إلاّ بشارع محمّد السادس من عاصمة البوغاز.. وبالضبط ضمن الفضاء الذي اعتاد استقبال نشاط محمّد المهنيّ طيلة السنوات ال11 الماضيّة. التميّز كامن في اشتغال محمّد، إضافة ل3 من معاونيه، على ظهر سيّارة أعدّت لمراعاة خصوصيّة النشاط التجاريّ المذكور، إذ لا يمكن للعابرين جوارها أن يمرّوا دون حدج عربة محمّد أيّوب وتجهيزاتها بنظرات الفضول الممزوجة بنفحات من الإعجاب.. "هي فكرة التقطتها سنوات الثمانينيّات من القرن الماضي حين لحظت سيّارة معدّة بذات الطريقة لترويج المثلّجات، ومنذ ذلك الحين راودني حلم التوفّر على مماثلة لها إلى أن حققت مبتغاي بداية الألفيّة" يقول محمّد ضمن حديثه لهسبريس. صاحب هذه الفكرة الفريدة يعتبر نفسه نتاج "تربيّة شوارع"، إذ لا يتردّد في التأكيد، ضمن معرض حديثه، على أنّ ممارسته لمختلف أشكال الاتّجار الجوّال، منذ وصوله سنّ العاشرة، قد علّمته "الاستمرار في الحلم مع تطعيمه بالإصرار".. هو الآن كهل لم يفلح الشيب في النيل منه، ويتوفّر على ثلاث عربات بهياكل معدّلة في حلّة متاجر متنقّلة تسمح بممارسة تجارة "غْلاَل" على جنبات 3 شوارع من مدينة طنجة، كما ترافق هذه التجربة 6 أسر تحصّل قوتها اليوميّ من مداخل ذات النشاط. الابتسامة تعلو محيّا محمّد أيّوب وهو يتذكّر قصّته مع أوّل طنجرة أراد اقتناءها لطبخ منتوجه الملاقي لإقبال واسع.. "لقد روّجت لبضاعتي ضمن إناء مطّاطيّ ولخمسة أيّام.. راكمت ما حصّلته حينها، وكان ذلك قبل 30 سنة، حتّى أقتنيّ طنجرتي الأولى.. إنّها تجربة لا زلت أضحك حين أستحضر تفاصيلها بالكامل" يورد أيّوب. يشرف على الطبخ، يمسك ب "الشِّيفُون" للتأكّد من المستوى العالي لنظافة عربته بالكامل، يسهر على ربط السيّارة بشبكة الكهرباء انطلاقا من محلّ مجاور، يرتّب الأواني ثمّ يوجّه مسَاعِدَيه كي يستعدّوا للساعات ال8 التي تُستغرق في العمل.. وكلّ ذلك بنشاط يرى محمّد أيّوب أنّه مستمدّ من راحة البال الصادرة عن تسوية وضع نشاطه التجاري بنيل ترخيص صادرا عن الجماعة الحضريّة يجدّد سنويا لقاء رسوم ثابتة. ويرى محمّد بأنّ تجربته واحدة من تلك التي نجحت في رفع رهان التشغيل الذّاتيّ، خصوصا وأنّه يقرّ بضعف تحصيله العلميّ الذي لم يجاوز مرحلة "لمسِيد" خلال أولى سنوات الطفولة.. "وفّرت دوما قوت يومي بعرق جبيني ودون اللجوء إلى التباكي أو استجداء أيّ كان، وهذا لا زال ممكنا بوسطنا ما دامت العزائم معقودة على العمل بجدّ مع التفكير في طرائق جديدة للكسب الحلال" يردف محمّد أيّوب.