أطل الربيع العربي على معظم الدول العربية وأحدث هزات عنيفة أثرت على الأنظمة السياسية الحاكمة وجعلت بعض الرؤساء العرب الذين كانوا يحكمون بلدانهم بيد من حديد وبنظام دكتاتوري قمعي لا يعترف بحقوق الإنسان ولا بالحريات العامة التي يجب أن يتمتع بها المواطنون يسقطون تباعا كما تسقط أوراق الخريف ، فبين فرار بنعلي وزوجته التي كانت تحكم تونس فعليا ،ومحاكمة حسني مبارك وأبناءه وزبانيته ، وبين مقتل معمر القدافي وأولاده وقيادييه،وتخلي صالح عن الحكم بشكل سلمي بعد إحراقه وازدياد الضغوط الشعبية من أجل رحيله ظهرت مرحلة جديدة في العالم العربي ملئها التفاؤل والحكم بمستقبل ديمقراطي على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي . لكن الثورات العربية لم تساهم فقط في رحيل بعض الأنظمة الديكتاتورية البائدة ،ولكنها كانت مؤثرة أيضا في جعل أنظمة أخرى تقوم بمراجعات عميقة لأنظمتها السياسية و القانونية في اتجاه منح المزيد من الديمقراطية، وتبرز الحالة المغربية كأبرز نموذج عرف كيف يتعامل مع الغليان الشعبي الذي ابتدأ رسميا بتاريخ20فبراير 2011و أطلق على الحركة التي كانت تقوده نفس الاسم ، وكان رد النظام ذكيا على اعتبار أنه لم يستعمل منطق المواجهة العنيفة أو القمع ولوا أن بعض مظاهره كانت حاضرة ، ولكنه على العكس من ذلك استعمل لغة الإصلاح السياسي من خلال تعديل بنود الدستور و القيام بانتخابات نزيهة و شفافة ، والقيام بإصلاحات اقتصادية وتقديم وعود بالقضاء على الفوارق الطبقية و التهميش الاجتماعي ، وربط المسؤولية بالمحاسبة في تدبير الشأن . إذن بعد مرور سنة كاملة على ولادة حركة 20فبرايريمكن القول أنه يمكننا الخروج بخلاصتين أساسيتين الأولى هو أن حركة 20فبراير ساهمت في تحقيق حراك سياسي ايجابي جعل هناك وعي بضرورة القيام بإصلاحات سياسية لدى النظام الحاكم وهذا ما تشكر عليه ،و الثانية هي أن تحقيق مجموعة من الإصلاحات وأيضا الضعف الذي انتاب هذه الحركة لاسيما بعد تخلي حركة العدل و الإحسان عليها و ظهور عدة تيارات متعارضة و غير منسجمة داخلها جعل هناك بداية لنهايتها .فبخصوص الإيجابيات التي ساهمت في تحقيقها هذه الحركة كانت بالأساس خروج عاهل البلاد في 09 مارس في خطاب للأمة ليعلن عن نيته في القيام بعدة إصلاحات سياسية تنطلق من تعديل الدستور بشكل يفصل بين السلطات بشكل واضح ويعطي للحكومة دور كبير في تدبير الشأن العام و تحمل المسؤولية ،و يمنح للبرلمان سلطة كبيرة في التشريع و المراقبة ، و يجعل القضاء سلطة مستقلة و سيفا مسلطا على المفسدين وناهبي المال العام و إضافة إلى ذلك كان ل20فبراير دور كبير في إجراء انتخابات نزيهة وشفافة ساهمت في صعود حزب العدالة والتنمية المعارض إلى دهاليز السلطة ليتولى تدبير الشأن العام الأول في تاريخه ، و أيضا في انحسار حزب البام الذي كان يريد اكتساح الساحة السياسية باستعمال وسائل الترغيب والترهيب بالاعتماد على صداقة رجله الأول السابق فؤاد علي الهمة مع الملك ،و كذلك في التقليل شيئا ما من نفوذ عائلة الفاسي التي تحتكر العديد من المناصب الهامة. وعلى الرغم من كل هذه الإيجابيات التي تحققت مع وجود حركة 20فبراير،إلا أن هذا لا يمنع من القول على أن هذه الأخيرة أصابها الكثير من الوهن الذي تعود أسبابه إلى العديد من المعطيات سواء فيما يتعلق بتدخل السلطة لقمع مظاهراتها،أو للاختراق الذي وقع داخل هياكلها،أو لتعارض مصالح التيارات المشكلة لها لاسيما و أنها كانت تجمع بين إسلاميين أصوليين ،وبين يساريين قاعديين مختلفين في الفلسفة وفي أولويات تدبير المرحلة .ولعل الضربة القاضية التي تلقتها هذه الحركة هو الخروج الإستراتيجي لحركة العدل الإحسان من منظومتها بشكل جعلها تضعف تنظيميا و هيكليا و بشريا وهو ماظهر جليا في المظاهرات الأخيرة التي كان عددها جد قليل بالمقارنة مع المظاهرات و المسيرات السابقة. لذلك فإنني أعتقد أنه ينبغي توجيه الكثير من الشكر لهذه الحركة ولمناضليها على مساهمتهم في هذا الحراك السياسي الإيجابي ولدورهم في تحقق مجموعة من الإصلاحات ،لكن أقول أيضا أن دور هذه الحركة قد انقضى و استنفد بعد التغيير الإيجابي الذي عرفه المغرب.و الذي أصبح لا يجب أن يتأثر بأي حركة مطلبية أو نداءات قد ثؤتر أو تضعف من عزم الإرادة الواضحة لدى جميع الفرقاء السياسيين وعلى رأسهم الملك في تحقيق نهضة سياسية اقتصادية واجتماعية في هذا الوطن الحبيب. *محامي بهيئة الرباط