*حينما يقاتل المرء لكي يغتصب وينهب، قد يتوقف عن القتال إذا امتلأت جعبته، أو أنهكت قواه، ولكنه حين يحارب من أجل وطنه يمضي في حربه إلى النهاية *-عمر المختار- ظلت حركة البوليساريو لما يزيد عن أربعة عقود تشكل دمّلا يدمي خاصرة المغرب، ويفتّ في عضد المغرب العربي. ولم يكن أمام المغرب من خيار سوى الدفاع عن حوزة أراضيه في الأقاليم الجنوبية، فتطور الأمر في منتصف السبعينات إلى صراع مسلح غذته الجارة الجزائر بحقدها وأطماعها رفقة دول أخرى كليبيا القذافي وكوبا...وغيرهما، وهي الدول التي أسعفتها أرباح البترودولار في دعم البوليساريو عسكريا ودبلوماسيا، فقادت ضد المملكة حربا مفتوحة أريد من خلالها استنزافها وخلق دويلة صغيرة فوق أراضيها، لكن المغرب لم يتوان لحظة في الدفاع عن صحرائه، فضحى بدماء أبنائه الذين سطروا أروع البطولات في الدفاع عن حوزة وطنهم، واستطاع بعزمه وتصميمه وبعدالة قضيته أن يرد كيد الكائدين، فحسم المعركة العسكرية لصالحه وظلت الصحراء في مغربها والمغرب في صحرائه على حد تعبير جلالة الملك محمد السادس. وبعد نجاحه في تحصين حدوده، انتقل المغرب إلى تدشين معركة التنمية الشاملة لأقاليم الجنوب، فأضحت حواضره كالعيون والداخلة والسمارة نماذج للمدن العصرية ببنياتها التحتية القوية وشوارعها الجميلة وفضاءاتها العمومية الرحبة ومشاريعها الاقتصادية والثقافية والرياضية الناجعة. وإزاء ذلك لم يبق أمام الخصوم سوى افتعال المناورات والمشاكل في الداخل والخارج، بهدف إثارة الرأي العام الدولي ضد المغرب. لكن هذه الإستراتيجية باءت بالفشل الذريع، لاسيما أن المملكة استطاعت التصدي لها في الزمان والمكان المناسبين، كما حققت إنجازات ونجاحات دبلوماسية مطردة مكنتها من اختراق الجبهة المناوئة لحقها في تثبيت سيادتها على أقاليمها الجنوبية، فكان أن سحبت العديد من الدول اعترافها بالكيان الوهمي لما سمي الجمهورية الصحراوية؛ والأكثر من ذلك أقدمت العديد من الدول العربية والإفريقية وحتى بعض دول الكرايبي على فتح قنصليات لها بمدينتي العيون والداخلة. دأبت جبهة البوليساريو دائما على إثارة الفتن والقلاقل وخلق أجواء من التوتر خاصة في المنطقة العازلة، وبالأخص على مستوى معبر الكركرات الفاصل بين المغرب وموريتانيا، إذ عمدت غير ما مرة إلى غلق المعبر وعرقلة حرقة التنقل المدني والتجاري. وبما أن المغرب كان دوما يتسلح بالحكمة والتأني فإنه راهن على حلحلة المشكل عبر القنوات الدبلوماسية، خاصة مع هيئة الأممالمتحدة وقوات المينورسو، لكن شرذمة البوليساريو كانت وكعادتها تتنطع وتتعنت، ضاربة عرض الحائط كل الأعراف الدولية، فلم يكن أمام المغرب سوى إظهار نوع من الحزم في التعاطي مع هذا المشكل، إذ أقدمت القوات المسلحة الملكية على التدخل في عين المكان لإجلاء فلول البوليساريو العابثة وإعادة الأمور إلى نصابها، وذلك من دون عنف أو إراقة دماء.. وهي الخطوة التي حيّتها وباركتها العديد من الدول والهيئات الدولية التي أثنت على وجاهة الموقف المغربي وحكمة مسؤوليه. لقد اتضح خلال السنوات القليلة الماضية أن جبهة البوليساريو ومن ورائها الجزائر لم تعد لها من أوراق تلعبها، ولذلك اتجهت إلى تجريب جميع السبل لإثارة القلاقل في المنطقة، وبالتالي لفت الانتباه إليها؛ وهو ما يعني في نهاية المطاف أنها ومنذ وجدت لم تحظ بأي مصداقية أو وزن، ولم تعد في مستوى الخصم الذي يمكن للمغرب أن يفاوضه. وبرأيي فإن الوقائع أثبتت بالملموس أن مشكل الصحراء لن يتم حله على مستوى الموائد المستديرة بين الإطراف الأربعة ( المغرب/ الجزائر / موريتانيا / البوليساريو)، وإنما بالتفاوض المباشر مع حكام قصر المرادية الذين يلزمهم الخضوع لحصص من العلاج النفساني كي يتخلصوا من عقدة لازمتهم منذ ستينيات القرن الماضي، وهذه العقدة اسمها: المغرب. المغرب الذي ساند الجزائر في حربها التحريرية ضد فرنسا، والمغرب الذي ما فتئ يراهن على خيار اليد الممدودة وعلى إحياء أواصر الإخاء والمحبة وحسن الجوار...لكن لا حياة لمن تنادي. إن تحرير معبر الكركرات لم يكن مجرد حدث عابر، انه فتح دبلوماسي مبين جاء ليؤكد ان البوليساريو تعاني من الموت الإكلينيكي، وهي في انتظار رصاصة الرحمة التي ستنهي مأساة جثمت على صدور شعوب المغرب العربي وعطلت عجلة التنمية في بلدانها. إن المغرب الذي ضحى بحياة أبنائه من أجل استكمال وصون وحدته الترابية لم يعد مستعدا كي يتكبد المزيد من الخسائر، خاصة أن المتغيرات الدولية باتت تفرض على دول المغرب العربي التوحد في تكتل اقتصادي يكون قادرا على مجابهة التحديات المستقبلية ويضمن لشعوب المنطقة العيش في أجواء من السلم والرخاء والتنمية.