ضمن سلسلة "الدّورات" التي تصدرها مطبوعات أكاديميّة المملكة المغربيّة، صدرت ثلاثة كتب توثّق أشغال الدورة السادسة والأربعين للأكاديميّة المعنونة ب"آسيا أفقا للتّفكير". تهتمّ هذه الإصدارات بتجارب التّحديث والتّنميّة في ثلاثة بلدان آسيوية، هي: الصين، واليابان، والهند، وتتضمّن نصوصا باللغات العربية والفرنسيّة والإنجليزية. وتضمّ هذه الكتب الثلاثة أعمال دورة أكاديمية المملكة "آسيا أفقا للتّفكير"، التي احتضنها مقرّها في العاصمة الرباط طيلة ستّة أيّام، وحضرها أكاديميّون من دول عديدة، من بينها أساسا الدول موضوع الدّراسة. وفي كتاب "آسيا أفقا للتّفكير: الصين، تجارب في التّحديث والتنمية"، كتب عبد الجليل لحجمري، أمين السر الدائم لأكاديميّة المملكة المغربيّة، أنّ الاهتمام بتجارب الصين ليس جديدا وطارئا، بل إنّ تاريخ هذا البلد وموقعه الجغرافيّ مكّناه من أن يحتلّ موقعا رائدا في المشهد الدولي، وأضاف: "تلعب الصين حالا، واستقبالا، أدوارا عالميّة على قدر كبير من الأهمية، فضلا عن دورها المؤثر والفعّال في المحيط الآسيوي خاصة. كما أن ما يجري في الصين من إصلاحات اقتصاديّة وانفتاح على دول العالَم، يسترعي الانتباه والاهتمام". وورد في كلمة لحجمري حديث عن تشكيل الصين مركز اهتمام بعدما نجحت في سياستها الاقتصاديّة، ووُفّقت في إيجاد حلّ نموذجيّ مكّنها من الاندماج في الاقتصاد العالَميّ، بالتّركيز على الابتكار التكنولوجيّ، باعتباره استراتيجية تنمويّة، فضلا عن الاستثمار الحكوميّ في البحث والتّعليم، وتحقيق قفزة نوعيّة أدّت إلى خلق نموذج اقتصاديّ مكّن من تخليص 500 مليون شخص من الفقر، وتوفير التنمية في مجالات التنمية البشرية والاهتمام بالبحث العلمي والعلوم التطبيقية والتكنولوجيا، وتشجيع الابتكار، وتطوير المدن الصّناعيّة، واعتماد إدارة حكيمة للموارد البيئيّة، وتمويل التّصنيع والتّسويق، وتشجيع الاستثمارات الخارجيّة. وتتحدّث أبحاث هذا الكتاب عن الحضور الصيني في إفريقيا، وواقع هذا التعاون، وآمال أن يتيح التبادل بين الصين والدول الإفريقية "فرصة التنمية"، ممّا يتطلّب أن "تدافع إفريقيا عن مصالحها عبر حوار بنّاء، وتنازل متبادل. كما يجب عليها أن تستمع إلى الآخر بروح الانفتاح لخلق فضاء مشترك، تلتقي فيه امتيازات ومصالح كلّ الأطراف"، بقلم الأكاديميّة المغربيّة رحمة بورقية. ويتطرق الكتاب للتطوّرات الحديثة لنظام الحكم في الصين، وثوابته الدستورية، وفكر حقوق المواطِن وحقوق الإنسان بهذه البلاد، ودور الحزب الشيوعي "مالك السّلطة العليا في الدولة والمركز الحقيقي لاتخاذ القرارات الكبرى"، الذي تجاوز عدد أعضائه 90 مليون عضو، والذي "أسّس الدولة الصينية الحديثة"، مع وجود ثمانية أحزاب أخرى تنبني علاقتها معه على أساس التعاون والتّشاور، وفق محمد أشركي، الرئيس السابق للمجلس الدستوري بالمغرب. كما تتناول أشغال هذا الكتاب الخبرات الصينية في تحقيق النهضة الاقتصاديّة، وتأثير الصعود الصيني في هيكل النظام العالمي، وخبراتها في البناء الثقافي خلال السنوات السبعين الماضيّة، وتجربتها في التّحديث، وتوجّهها الاقتصادي الجديد، والبداية الجديدة التي شكّلتها نهاية القرن العشرين بالنسبة للصين، وعلاقة هذا البلد بالمتوسّط، وعلاقة تجربته وإصلاحاته بالتنمية في القارّة الإفريقيّة وفي المغرب، ومستقبل النظام السياسيّ الصّينيّ. بدوره يتطرّق كتاب "آسيا أفقا للتّفكير: الهند، تجارب في التّحديث والتّنميّة"، في مقدّمته، لدور هذه الدورة العلميّة رفيعة المستوى في "التعرّف على الحضارة الهنديّة، (...) وآفاق التحديث في المجتمع الهنديّ المتعدّد إثنيّا، ودينيّا، وثقافيّا"، بعدما صارت "التجربة الهنديّة في بناء اقتصاد قويّ نموذجا ناجحا، قائما على الاعتماد على الذّات والرّأسمال البشريّ ذي الخبرة، وهو ما جعلها أحد أهمّ القوى الجهويّة بآسيا". ويتطرّق هذا الكتاب لكيفية تشكيل النّموّ في الإنترنت سياسات الهند، ووضعها الاقتصادي، والسياسي، وعلاقتها مع العولمة، والهند المتخيّلة في الكتابات الاستشراقيّة، وعلاقتها بإفريقيا الصاعدة، وتعاونها مع المغرب. أمّا اليابان، فكتب أمين السرّ الدّائم لأكاديمية المملكة المغربية، في تقديم الكتاب الذي ضمّ أشغال النّدوة التي ناقشت تجربتها، أنّ لها "حضارة عريقة، وراهنا يفاجئنا ويبهرنا على الدوام، ومجتمعا لَم يتخلَّ أبدا عن تراثه الثقافيّ التّقليديّ"، مضيقا أن "التحديث في التّجربة اليابانية قام على أسس فلسفيّة وفكريّة رصينة، وليس فقط على التوسّع التقني والإنتاج الصناعيّ، وعلى العلاقة مع البيئة، ومكانة العائلة في منظومة التّنشئة الاجتماعيّة، والرّغبة المتواصِلَة في التّعلّم، وعشق الفنون والآداب". وأورد عبد الجليل لحجمري أنّ اليابان بهذا وغيره، تستثمر في "الإنسان والمجتمَع، وتدفع بهما إلى أقصى درجات الابتكار والحرية والنّجاح، بشعار واحد ووحيد: ترسيخ قوّة العِلم، والعمَل على تشجيع المعرفة باللّغات والثّقافات الأجنبية، ليتيسّر الانفتاح على العالَم". ويضمّ الكتاب أبحاثا لأكاديميّين يابانيّين ومغاربة وعرب حول التحديث اليابانيّ، تقارن بين النخب اليابانية ونخب الشرق الأوسط، وأصول التنمية البشريّة والاقتصاديّة في اليابان، والأسس العلمية والأخلاقيّة لنهضتها، والتربية في التجربة الآسيويّة، وسمات مجتمع المعرفة بهذا البلد، وأساطير وحقائق المعجزة شرق الآسيويّة، وتنمية اليابان بعد الحرب، والمساواة وعدم المساواة في التّحديث الياباني، ومسألة لغة التدريس في التعليم العالي، ودور البوذيّة في الحياة السياسية باليابان، وتحوّلات فلسفة العمل بهذا البلد.