هل اعيد سؤال الغائب الحاضر فينا ،لماذا نجحت التجربة الاسيوية في التنمية وأخفقت تجاربنا العربية ومنها المغربية في المجال ،وانا اهيم في فضاء التفكير الذي نسجته ايدي وخبرة اكاديمية المملكة المغربية في هاته الدورة السادسة والأربعين والتي عنونتها **آسيا أفقا للتفكير** .تفكير في التجربة الاسيوية وخاصة الصينيةوالهنديةواليابانية ،بخصوصية كل تجربة عن مثيلاتها ،لكي نتعرف ونتناقش بلغة الفكر والفلسفة والابداع ،لأن التعارف والمعرفة من حقل الفلسفة ومن حقل التفكير الذي نحتاجه في كل لحظة سواء كنا نخطط أو كنا ننفذ او نقيم حالنا وأحوالنا . الصين تنين تحول من التنمية الشعبية الى العالمية تعرف الصين الشعبية والتي تجاوزت المليار نسمة، ويصدق عليها ان شعبية لأنها استثمرت في الرأسمال الشعبي، واستطاعت ان تخلق المعجزة التنموية في آسيا لتصبح من القوى الاقتصادية والمؤثرة في صناعة القرار الدولي بامتياز، هذه الدولة التي تحولت من نمط انتاجي زراعي معيشي الى دولة تحاكي كل الاقتصاديات، فالتنمية في الصين عنصرمنها جاء انطلاقا من المحاكاة أو التقليد لكن لمسة الابداع الصيني جعلت لبعد التنمية يتغير بتغير الابعاد والانماط. من خلال رحلة التفكير التي دامت أزيد من أسبوع استطعت ان أتعرف على طريقة التغيير الذي ابتدأ مع نهاية الحرب العالمية الثانية، ورغم أن سؤال الهزيمة في الفكرالتنموي الاسيوي، لا يشكل النهاية بقدر ما انه يشكل لحظة الانبعاث، ولحظة البداية، ولحظة الاستمرارية، ولذلك فالصين هي امتداد لحضارات وتجارب متعاقبة على المجال الجغرافي الذي يتسم بالتحول والتغير .. أسئلة التنمية في الصين امتزج فيها الاقتصادي والاجتماعي والجيواستراتيجي بما يضمن بسط النفوذ وتأسيس ما يصطلح عليه في النسق الدولي بنمط التعددية القطبية اعلانا بنهاية الهيمنة الأحادية القطبية بعد نهاية نمط الثنائية الذي جعل من العالم يعيش حالة من الصراع البارد بين العملاقين الأمريكي و السوفياتي .هذا التحول في النظام الاقتصادي العالمي من أسبابه هو نجاح التجربة الاسيوية بتكاملها وتنوعها وتعددها ،فالقوة الاسيوية في النسق العالمي جعلت مفهوم الصراع يتقلص بمفهوم اخر ويتعلق بالتكامل الاقتصادي أو حرب المصالح والتي تتسم بتسابق نحو الأسواق العالمية والتنافس نحو التقنية في العالم. الصين ابتدأ مسارات التنمية فيها بمؤشرات واضحة ومنطلقات مبنية على خطط واقعية اندمج فيها الذاتي والهوياتي لإخراج نموذج اقتصادي مؤثر ومنافس بالعالم . الصين بأفريقيا وصل عدد مستثمريها نحو مليون نسمة هذا العدد المخيف يعطي حقيقة وذكاء هاته الدولة، فعامل الربح مرتبط بتكلفة المنتوج وسعي الصين نحو استثمارات في مجالات معينة وبمسافة محدودة وفي دول اقل تكلفة وبيد عاملة وطنية او محلية يجعل من انتاجياتها تشكل سوقا مشجعة. وعلاقة الصين بأفريقيا عن طريق المغرب باعتبارموقعه الاستراتيجي القريب من أوروبا، يجعل الاستثمارات الصينية أكثر انتعاشا في سوق داخلية مهمة وقربها من العالم الغربي الذي أصبح يثق في المنتوجات الصينية التي تتوزع الى أصناف متعددة بتعدد المنافذ وطبيعة الأسواق، وقياس الجودة مرتبط بالثمن، لذلك فنفس المنتوج الصيني قد تلقاه في السوق المغربية أو الافريقية وهو بمعايير مختلفة تراعى فيها الثمن والنوع. لذلك هاجس الصين في السيطرة الاقتصادية هو ضمان الأسواق بما يضمن توزيع للمنتوجات الصينية بشكل عالي وغير محدود. وقد تطرقت الدورة كذلك الى التنافس الاستراتيجي ،حيث ابدى الخبراء الصينين اعتزازهم بسمة السياسة الخارجية الصينية التي اتسمت بنوع من الدفاع عن المصالح الخارجية في العالم بقوة وبكل اعتزاز. ومن أهم الأسئلة التي أثيرت سؤال مرتبط بعلاقة الديمقراطية والتنمية، حيث عرجت احدى المداخلات على ان سؤال التنمية في الصين كان مؤرق للساسة وللخبراء على اعتبار ان المشاكل المرتبطة بالتغذية والاستقرار الاجتماعي أعمق من نمط الحكم ليبقى السؤال مفتوحا على التجارب التالية التي تعرفنا من خلالها على هذا التنافس في الابداع الإنساني بأذواق واشكال متنوعة . فالتطور الدستور كما خلص الى ذلك قيدوم الدستوريين بالمغرب ذ.محمد أشركي بدأ مع بداية الخمسينيات من القرن الماضي وتطور بنبرة اكثر انفتاحا حيث تحول من نمط الديكتاتوريا البروليتاريا الى نموذج الديكتاتورية الديمقراطية الشعبية ومن اقتصاد مخطط الى اقتصاد مختلط بما ضمن نوع التطور والتحديث بقيادة دينغ سياو بينغ . ورغم ان الغرب في سؤاله النقدي للصين يخرج لائحة الأفعال المرتبطة بحقوق الانسان والأقليات، فان هذا الامر لم يؤثر في نفسية الصيني الخبير الذي جاء ينافح على تجربته القومية التي تتسم بنمط تنظيم سلط ومؤسسات الدولة المتسم بمبدأ الوحدة في السلطة أو ما يصطلح عليه بنظام المركزية الديمقراطية، كما ان تغول الحزب الشيوعي الذي سيحتفل بماويته في مطلع سنة 2021 . هذا الصعود الصيني كان مرتبط بنظرية “التهديد الصيني ” التي اعتبرت مؤشر انهيار النظام العالمي الراهن وبروز القوة في حسم الصراع، وما اثير في هذا المجال يجعل من نظرة الغرب لكل فعل تنموي او مبادرة خارج النسق المهيمن عليه، تأثير على النظام ،وهذا في حد ذاته غير من نظرة العالم ببروز الصين كقوة اقتصادية عالمية، مما يجعل من الدول الصاعدة التي تخطو خطوات نحو النمو ان تفكر في وجهات متعددة ومنها الاسيوية للاستفادة من خبراتها وطريقة نموها. وخاصية التميز الصيني على باقي الثقافات القريبة والبعيدة ،جعل نوع من الاعتزاز بالهوية الثقافية يذيب مجموعة من الهواجس ومنها محور القيم الثقافية الاشتراكية ،فالبناء الصيني الثقافي بما طبعه من تمثل للقيم الاشتراكية في نمط الحكم والاقتصاد والسياسة جعل من الصين دولة اشتراكية تحول في مرحلة لاحقة الى بناء الثقافة الاشتراكية مرتبطة بنمط الإصلاح والانفتاح ،والمرحلة الثالثة سعت الصين الى بناء الدولة الاشتراكية القوية رغم ان خيار العولمة فرض على الصين ان تنخرط في الصراع العالمي لكسب مزيد من النفوذ الاستراتيجي والتسابق نحو المصالح الاقتصادية في العالم. الهند فيل التنمية العالمية الى الامام ابدا بقولة مشهورة للكاتب الاقتصادي الباكستاني الأصل “غورشاران داس حيث يقول ” ان الهند المحررة لن تكون نمرًا – إشارة إلى النمور الآسيوية – إنها الفيل الذي بدأ يتحرك في تثاقل إلى الأمام، لن يسرع، ولكن لديه دائمًا قدرة على الاحتمال” وقد عرف العالم الهند *بمهاتما غاندي* أو رائد اللاعنف في الاختيار السياسي والفكري الذي طبع مواقفه المقاومة للهيمنة والاستعمار والتبعية، رغم ان الهند خرجت من تجربة التقسيم الترابي وما نجم عنه من مشاكل اقتصادية ودينية وطائفية، هذه الفترة التي اتسمت بنوع من اللاستقرارأثرت في بنية الهند وباقي الدول التي كانت تشكل الاتحاد الهندي . فهذا التحول في التنمية السلمية التي أسس لها غاندي ضمنت استقلالا سياسيا واقتصاديا عجل ببروز قوة هندية اقتصادية مع اطلاق **الثورة الخضراء**للاكتفاء الذاتي في الغداء، لأن هاجسها هو عدم تكرار مآسي الجفاف والجوع التي شهدتها الهند في نهاية السبعينيات من القرن الماضي . الامن الغدائي مرتبط بالأمن الاجتماعي الذي يشكل تحدي وحافز دفع الهند الى التفكير العاجل في استراتيجيات لعلاج مشكل الغداء ،توج بالخيار الثالث لإصلاح الاقتصاد . معيار الحافز والتحفيز مرتبط كذلك بالتفوق والنبوغ الهندي ،وهذا تجلي يعكس شخصية الهنود في التحدي وعزة النفس ،حيث ان العديد من المفكرين والادباء حصلوا على جوائز ومنها جائزة *نوبل* كمؤشر على ان هناك نمو فكري ونبوغ للعديد منهم حيث نجد الاقتصادي الشهير “امارتيا سين “حاز جائزة نوبل عام 1998 ،تقديرا لمساهمته في وضع تصور للنموذج التنموي الجديد لاقتصاديات الرعاية الاجتماعية ،ثم لاجتهاده في تخصيص جزء كبير من أعماله في التفكير في عمليات التوفيق (في بلده)بين التقاليد والتطور والتنوع والوحدة مع مفهوم “الانتماء الهندي “علاوة على دعواته الى تحرير الاقتصاد ،مستخدما في التواصل مع مواطنيه استعارات استمدها من القصص الملحمية عن الهند القديمة ،رامايانا والمهابهاراتا وغيرهما من الملاحم التي مازالت تغذي حياة الناس يوميا ،وتعزز تمسكهم بحضارتهم وقيمهم . أبهرت الهند العالم في السنوات الماضية بفعل معدلات النمو العالية والسياسات الاقتصادية الناجحة، التي ساهمت في نقل الاقتصاد الهندي إلى سابع أكبر اقتصاد في العالم وتمكنت من تقليل أعداد الفقراء في البلاد بشكل كبير مع العلم أنها لم تقضي على الفقر حيث لا يزال يشكل نحو ثلث السكان بحسب الأرقام المحلية. من جهة أخرى، فإن صعود الهند في العقود الماضية أثار تساؤلات كبيرة بشأن عدم نجاح اقتصادات الدول العربية التي يتكلم شعوبها لغة واحدة، وتدين بدين واحد وتتوفر فيها ثروات طبيعية كبيرة، أما الهند فتتألف من أعراق وأديان ولغات كثيرة، ففي الهند يتحدثون نحو 14 لغة أساسية وما يقارب من 1000 لغة ولهجة تقليدية وشعبية، ويُشكل السكان الذين ينتمون إلى الدّيانة الهندوسيّة نسبة 82.6%، أما السكان المسلمون فيشكلون نسبة 11.4%، ويشكل المسيحيون نسبة 3%، ومع كل ذلك التنوع والتمايز تمكنوا من الصعود والنهوض باقتصادهم وهذا ماأكده احد الباحثين المغاربة الذي بسط التجربة الهندية في الاعتماد على منهج الاعتراف والانفتاح كسمة ميزت الانباعاث الهندي نحو التنمية . وسر هذا التحول مرتبط بعامل التخطيط الاستراتيجي الذي اتسم مع “مانموهان سينغ”، وزير المالية الهندي في حكومة ناراسيما راو (1991 – 1996) والذي له جملة مشهورة يقول فيها: “لو أنك في عام 1960 سألت أي شخص في العالم عن الدولة التي يتوقع أن تكون على قمة رابطة دول العالم الثالث في عام 1996 أو 1997، فإن الهند كانت ستوضع في مقدمة هذه التوقعات”. وسر هذا التحول يكمن في أن مسار التنمية الاقتصادية متمايز في الهند بين مسارين مختلفين، الأول يقوم على مركزية الدولة والاقتصاد الموجه والسعي إلى الاكتفاء الذاتي ووضع قيود حمائية، وهذه الفترة ممتدة منذ ما بعد الاستقلال إلى حدود التسعينيات، حيث فرضت الدولة ضوابط هائلة على الاقتصاد المحلي والأوضاع المالية، ولكن في نفس الوقت ضمنت تكوين بيروقراطية ذات تدريب جيد مكنت النظام الحاكم من إدارة العمليات الصناعية والتحديثية والتنموية. وبنهاية العام 2014 أقر برنامج المؤسسة الدولية للتنمية ان الهند لم تعد دولة فقيرة لتستحق قروض من البنك الدولي بعد ارتفاع نصيب الفرد فيها الى 1570دولار في 2014. وبلغة الأرقام فان صادرات الهند بلغت 465مليار منها 155 مليار في البرمجيات ، وتعد الولاياتالمتحدة أكبر الأسواق للمنتجات الهندية حيث تبلغ صادرات الهند إلى الولاياتالمتحدة 42 مليار دولار ومن ثم الإمارات بقيمة 33 مليار وهونغ كونغ والصين بقيمتي 13 و12 مليار دولار على الترتيب، وتعد الصين أكبر المصدرين للهند بقرابة 60 مليار دولار ومن ثم السعودية بقرابة 28 مليار دولار معظمها نفط خام ومشتقات نفطية، حيث بلغت واردات الهند من الخام 116 مليار دولار من إجمالي واردات الصين البالغة 527 مليار دولار في العام 2015، كما تبلغ احتياطيات الهند من النقد الأجنبي نحو 400 مليار دولار. كما ان مقومات الشخصية تشكل عامل نمو حيث أن الشعب الهندي شعب فتي أكثر من الصين التي يعاني مجتمعها من شيخوخة مزمنة، كما أن الهنود أكثر إجادة للغة الإنجليزية من الصينيين وهذا يسهل عملية الاندماج بالاقتصاد العالمي. تبقى التجربة الهندية ملهمة للمغرب وهو يخطو لاعادة تحديد المسار بتوجهات ملكية نو إعادة النظر في استراتيجياتنا التنموية ،وما تحتاجه من تقييم للواقع وتخططي تنموي دقيق يستجيب لمتطلبات الوضع ومأمول الغد ،وهذا الانموذج ضمن النماذج الأخرى ان استطعنا ان نأخد منه بعض ما يساهم في بناء نموذج تنموي مستدام يمكّن اقتصادنا من الصعود وبناء قدراته بشكل ذاتي دون عقدة النقص التي اجمع الخبراء انها تشكل عامل ضعف في الانطلاق و الاستثمار في الصناعة والخدمات المتنوعة وفتح المجال أمام مراكز البحث العلمية في كافة التخصصات وكذا تمكين الإنسان من خلال توفير تعليم وفق المواصفات العالمية لأنه السبيل لارتقاء أي أمة من الأمم . اليابان والاقتصاد التخصصي واختتمت رحلة التفكير التنموي الاستراتيجي برحاب اكاديمية المملكة المغربية المنفتحة على تجربة اليابان بقيمها العظيمة وبدرس افتتاحي لاحد رجالات الدين فيها حيث بين أهمية القيم الروحية في تمثل وتطور اليابان العظيم، وخاصية التقديس لماله علاقة بالروح يدخل ضمن العقيدة اليابانية رغم تطور حياتها العلمية والتقنية . كما اتسم جل متدخليها بنوع من الهدوء والاتزان والثقة والعزة في إيصال الانموذ وكأنهم يحسوا بما كانوا يعيشونه ابان سنوات البناء والتشييد ،ولمست خطابا كله تحفيز ،حيث اكد احد الخبراء ان اليابان لا يملك نفطا ولاغازا وارض فلاحية وخرج من الحرب منهارة بشكل كامل ،وهنا تبرز معجزة الانسان الياباني الذي حتى لو دمرت أرضه فانه قادر على البناء ،فاين يكمن السر في هذا التحول؟ اليابان قوته بدأت مع القرن 16 كما ذهب الى ذلك الأستاذ محمد أعفيف في كتابه حول أصول التحديث في اليابان 1568-1868" الذي يقول فيه: إننا لا نجد نعتًا آخر نصف به هذا الاطمئنان إلى المقارنة الممكنة بل والأكيدة عند ثلة من مؤرخينا ومفكرينا العرب، بين النهضة العربية والنهضة اليابانية سوى نعت المقارنة الساذجة"، إذ "أن المعجزة اليابانية لم تبدأ مع عصر "ميجي" في القرن التاسع عشر، وإنما استندت إلى مرجعية فكرية عميقة وطويلة بدأت منذ القرن 16 (…) فقد توافرت لدى اليابان مقدمات تاريخية باهرة، تشكلت على مهل طوال أربعة قرون سابقة على عصر "الميجي" ومعها حركة فكرية وسياسية عميقة، تدعو إلى الإصلاح والتغيير، وهكذا لم تشكل إصلاحات "الميجي" طفرة أو تطورًا تاريخيًا مفاجئًا سمّاه بعضهم معجزة منقطعة الصلة عما سبقها. كما ان سؤال الحداثة المرتبط بنمط التغيير الياباني يجعل دراساتنا تتسم بنوع من الانبهار الذاتي البعيد عن العلمية لان هاجس الباحث هو نقل التجربة دون لتمييز بين النتيجة والسبب، حيث ان غالبية الدراسات لا ترى في اليابان سوى التقنية ونموذج التطور دون تكلف العناء لمعرفة سر هذا التحول، هل هو مرتبط بعوامل لصيقة ومندمجة في شخصية الياباني، كما ان التحليل الواقعي يعري بنية الدولة والمجتمع لنفهم أن في قمة التقدم قد تكون مهدد بانهيار اقتصادي. وامام هذا التعدد في مقاربات نمو اليابان وتقدمه تبقى مجموعة من الملاحظات الدالة في مجال التنمية حيث ان سمة اليابان في النموذج المحارب أي ان التشبع بقيم وفلسفة “البوشيدو ” والتي تعني حرفيا طريق المحارب أعطت نوعا من الانضباط والاقتصاد في الانفاق والولاء والتأكيد الشديد على الشرف. كما ان سؤال القيم في المنظومة التربوية حاضر في النموذج الياباني، كما ان العزلة شكلت عامل انبعاث لليابان مع دور الروح اليابانية حيث يبرز الامبراطور بمثابة المقدس في اليابان وخاصة إشارات “ميجي” حيث قال قولته الشهيرة “الحقوا بالغرب وتجاوزوه “وليساهم في توجيه ثاني بشكل يضمن التكنلوجية والإبقاء على الروح اليابانية التي يعتبر “ميجي” بانيها وهنا بدأ يتشكل بناء مجتمع المعرفة في اليابان على أسس سليمة تضمن إقامة التوازن بين الاصالة والمعاصرة . وتبقى شخصية الامبراطور حاضرة في تمثل قيم الإصلاح باليابان حيث انه قد سئل عن هذا التحول : قال: بدأنا من حيث انتهى الآخرون، وتعلمنا من أخطائهم وأعطينا المعلم حصانة الدبلوماسي وراتب الوزير". ففي هذه المرحلة اعتمدت النهضة العلمية باليابان على ثلاثة أسس رئيسة، يفندها الكاتب على النحور الآتي: 1- الاستعانة بالعلماء والمعلمين الأوروبيين، ودعوة الخبراء الفنيين من كل الدول المتقدمة. 2- ترجمة الكتب إلى اللغة اليابانية، وإنشاء المدارس الحديثة، ومن أهم الكتب المترجمة: مؤلفات جان جاك روسو وهيوم وتولستوي وغيرهم من كبار المفكرين العالميين الذين ساعدت أفكارهم في زيادة وعي اليابانيين بأحوال العالم. 3- إرسال البعثات إلى الدول الأوروبية المتقدمة من أجل العلوم الحديثة. كما ان سؤال الانسان الياباني في التنمية حاضر باعتباره هو أساس التنمية حيث ان جوهر التجربة اليابانية مرتبط بارتكازه على الانسان وهنا يبرز اشكالين أساسيين مرتبطان بعامل التحديث والحداثة ،حيث تتضح العلاقة بين التحديث من حيث هو اقتباس لعلوم الغرب العصرية، والحداثة من حيث هي استيعاب للعلوم العصرية، والمشاركة في الإبداع فيها على المستوى الكوني ، فاليابان لم تتخل عن تراثها الثقافي التقليدي ،واستفادت من مقولات فلسفية ونظم غربية متنوعة، لكنها لم تتبنها كما هي، بل اختارت منها ما يتلاءم مع مكونات المجتمع الياباني فقط. ولتبقى محطة التفكير هاته والتي تزامنت مع اطلاق مشروع تنموي جديد رسائل لمن يلتقطها في زمن يتسم بالسرعة والتحول، وتبقى أسئلة النهضة التنموية بالمغرب ،مطلوبة من المثقف والنخبة والسلطة ،مما يجب ان نعيد النظر في منهاج الاعداد والتفكير على اعتبار ان مشكلة المشكلات مرتبطة بنمط التفكير الذي يجعلنا نعترف بأننا قد اخفقنا في نقل التقنية لأننا اعتمدنا على الشيء دون الفكرة ،ولذلك بقينا لنصف قرن ونيف ونحن نغوص في نقل أنموذج دون ان نعرف اننا نقلناه بطريقة غير سليمة .