-1- غريب أمر بعض الناس، لا يعجبهم العجَب، ولا الديبشخي في رجَب! فقد زعم أحد الأصدقاء الأدباء أن وزير البيليكي ضعيفُ اللغة، شعبويُّ الأسلوب، مستدلا على ذلك بلفظة "الديبشخي". أجبتُه غاضبا: "اعرفْ حدَّك يا هذا، ولا تُشككْ في فصاحة السيد الوزير، فالسادة الوزراء من طينة لا تعرف الخَبال". فقال لي متحديا: "فصاحة السيد الوزير!؟ ما آيتُك على ما تقول؟" قلت له: "ألم تسمع قول عمرو بن كلثوم: وديبَشْخٍ بِبَرلامانِ عِيرِ رَجوْتُ له جهنَّامَ السَّعيرِ؟" فحملق فيَّ حتى كادت تخرج من محجريْهما عيْناه، وقال متعجبا مستنكرا في آنٍ: "وهل كان برلمانُ ريعٍ في الجاهلية حتى يقول ابن كلثوم هذا؟" أجبتُه: "وهل يكون برلمانُ رَيْع إلا في الجاهليات؟" ولما رأى أني أفحمْتُه قال متحدِّيًا: "ما أظنُّ البيتَ إلا مكذوبا موضوعًا، انظرْ إلى زيادة الألف في "برلامان" و"جهنَّام"، أفكان شاعر جاهلي فحلٌ من شعراء المعلقات يقع في هذا اللحن الشنيع؟" قلت: "رُويْدَك رويْدك، إن ذاك لمن عبقرية شعريَّته، وعميقِ بلاغتِه. أفلا تعلَم أن كل زيادة في المبنى تقتضي زيادةً في المعنى، وأن جهنَّام أشدُّ سعيرًا من جهنَّم؟" فاندهش، ثم قال بمكرٍ ولمز: "وبرلامان.. لامانْ.. لامانْ.. في ماذا هو أشدُّ على الشعب من برلمان.. آنْ.. آنْ.."، فأتى صوتٌ من بعيد يحسِمُ الكلام، لا أدري أمِن إنسٍ هو أم مِن جان: (يطوفون بينها وبين حميم آنْ).. آنْ... آنْ! -2- حدثني شاعرٌ قال: أطلَّ عليَّ وزير البيليكي من الهاتف، فأخذ يُخرجِ لي لسانَه، ويُقوِّس إلى الأعلَى حواجبَه بسُرعة ليُغيظني، وقال: كاكُو كِيكي كاكا كيكي جَوْعَى لا نَعمَلُ بِيليكِي لو كُنَّا مَجَّانًا نَسْعَى أفَنَلبَسُ فُستانَ الشِّيكِي؟ لو دُونَ عَطاءٍ أو رَيْعٍ هلْ نَركَب "شُوفْرولِي كْويكي"؟ هل نُرسِل ابنًا أو بِنتًا جوًّا لِلحُلْمِ الأمريكي؟ فلِمَا ثُرتُمْ لمَّا قُلنا إنَّا لا نَعمَلُ بيليكي!؟ كاكُو كِيكي كاكا كيكي كاكُو كِيكي كاكا كيكي قلتُ وقد أطربتني القصيدة أيما طَرب: "رائع! إن هذا لنصٌّ يُحفَّظ للأطفالِ في الرَّوض، ويدرَّس للطلاب في كلية الآداب!" وزدتُ بجدٍّ وصرامة: "سأقترحُ على وزارة التربية الوطنية أن تبرمجَه في مناهجها وبرامجها". فانفجرَ الشاعر ضاحكًا، وقال بنبرة فيها حنان صادق: "أحقًّا ما تقول يا عزيزي؟! إنك لوطنيٌّ صادقٌ حقا." ثم أردف بأسف وسخرية مُرة: "أما أطفال الروضة فلا تقرِّر الوزارة لهم إلا نشيدًا على غرار: فَكْرونتِي فكرونتِي أنتِ الَّتي أنتِ الَّتِي في الصبرِ خيرُ إخوتِي وفي الرِّضاءِ قُدْوَتِي فَكْرونتِي فكرونتِي أنتِ الَّتي أنتِ الَّتِي حتى إذا صاروا طلابا في الجامعة وجدوا أنفسَهم غير مستعدِّين إلا لدراسة شعر التنويم المغناطيسي كنشرة الأخبار الأخيرة هذه: كلُّ شيءٍ على ما يُرامْ قهوةُ الصبحِ، خُبزُ العَشاءِ، الإدامْ دامَ دَوْمًا، وفاضَ عن الشعبِ فضلُ الطعامْ كِسوةُ العيدِ، رغْدُ الفِراشِ، وحُسنُ النظامْ كلُّ شيءٍ بخيْ...رٍ بِخَيْ... خَيْ... على ما يُرامْ والسلامْ! ثم انفجرنا ضاحكيْن كصبيَّيْن خلِيَّيْن، ونحن نردد " كلُّ شيءٍ بِخَيْ... خَيْ..."، غير أن ضحكنا كان يشبه البكاء!