يعيش عالم اليوم، عالم جائحة كورونا المعولمة، على وقع هزة من درجة انفجار البيكباند. إنها حالة هلع ورعب غير مسبوقة يعيشها سكان العالم بشكل مشترك، حالة عرت بالدليل الساطع فشل التوجه السياسي العالمي وضعفه الاجتماعي البنيوي، ويتجلى ذلك في فشله الذريع في حماية أغلى شيء: صحة الإنسان وعلاجه. هذا العالم الذي يقوده النظام العالمي النيوليبيرالي المتوحش، حقيقة، قد وصل مداه من القبح وانهيار منظومة القيم الإنسانية. هذا العالم النيوليبيرالي المفتقد للأخلاق والقيم بزعامة أمريكا (الطاعون)، بقيادة رئيسها دونالد ترامب الذي أتى للسياسة من عالم القمار، لن ينتج إلا الحروب والكوارث والجائحات. عالم سلك طريق الإنتاج الهائل اللامحدود للسلع والخدمات الربحية، نسبة هامة منها غير ضرورية أو ضارة للإنسان. لتأبيد توجهه المتوحش، اعتمد مهندسو العالم الجديد سياسة تعليمية مغرضة بهدف إنتاج ثلاثة أنواع من الخريجين: فئة الأطر العليا الخدماتية بمهارة فنية عالية، لكنها فقيرة أو فاقدة للفكر والوعي النابع من العلوم الإنسانية، وفئة من الأطر التقنية المتوسطة الخدماتية التي تتعامل حصريا مع ضرورات المكننة والإنتاج. الفئتان كلتاهما أداتان للإنتاج اللامحدود للسلع. كل هذا بجانب جيش كبير من "الضباع"، بتعبير السوسيولوجي اليساري محمد جسوس. فوز النظام النيوليبرالي في الحرب الباردة على خصمه في المعسكر الاشتراكي أدى إلى نهاية السياسة في العالم، وعندنا-نحن التابعين-إلى قتلها تماما، وتركت مكانها لسيادة التفهاء ولرواد القرصنة وللبيزنيس الذي يبيح كل شيء ويسلع الإنسان ودولا بكاملها ولصناع الحروب. هؤلاء هم من يركضون حاليا ركض الوحوش فوق أواني الخزف. لم تعد الممارسة السياسية، على الأقل بشكلها وأساليبها الحالية، نبيلة، بل ولا مجدية. الواقع الحالي يفيد بأن القوي يهين ويسحق الضعيف سحقا. السياسة اليوم تنبع من فوهة البندقية الطائشة، ومن سلاح المال الحرام والإعلام الموجه. لقد وضع صانعو ومعولمو جائحة فيروس كورونا المستجد، بشكل مباشر أو غير مباشر، نهاية لحقبة تاريخية بأكملها وكشفوا عوراتهم. وستكون للممارسات الرعناء لهؤلاء التافهين المغرضين، بقوة التاريخ والمنطق، نتائج عكسية لا ريب. ستبلور الشعوب، بقوة مبدأ رد الفعل، مقاومتها وقوتها الضاربة. وبما أن الاضطهاد معولم، وتلك حالتنا، ونظرا لميزان القوى المختل لصالح "صناع" الجائحة والقرار الدولي، سيكون رد الفعل لا محالة شعبيا ديمقراطيا سلميا ومعولما بالضرورة. عولمة النضال، إذن، هي السبيل الوحيد لإعادة الاعتبار للسياسة وللطبيعة والإنسان والعدالة الاجتماعية وللقيم النبيلة، هذا هو التوجه العام في المستقبل. ولقد التقط السياسيون النبهاء الفكرة، مع بداية القرن الحالي، من الفلاسفة وعلماء الاجتماع وغيرهم، وبدا التفكير في سبل مناهضة النيوليبيرالية المتوحشة وبناء نظام عالمي جديد عادل عنوانه: اشتراكية القرن الواحد والعشرين. لقد دشنت بعض دول أمريكا اللاتينية، وعلى رأسها فنزويلا، هذا المنحى، وكان صاحب القميص الأحمر الشهير هوكو تشافيز أول المبادرين لذلك. ولأن خطر هذا التوجه حقيقي على النظام الدولي النيوليبرالي المسيطر، فقد نزل الطاعون/أمريكا بكل ثقله لفرملته وقتله في المهد، لكنه مني بالفشل. هذا التوجه النقيض هو فلسفة وأساس الربيع الديمقراطي الإقليمي الذي دشنته ثورة الياسمين بتونس سنة 2011، وخنقه التحالف الغربي في البلدان الأخرى كمصر وتونس والمغرب، وحوله إلى حرب أهلية في سوريا واليمن وليبيا، بتواطؤ من الرجعية العربية والمغاربية. كما ظهرت بوادر التوجه المقاوم نفسه في عقر الدول الرأسمالية ذاتها (حركة السترات الصفراء بفرنسا...). وفي هذا الإطار، بادر شباب حركة 20 فبراير سنة 2011، وكامتداد لها دخل الحراك الشعبي المغربي، وعلى رأسه حراك الريف الذي تكالبت عليه الأصوليتان المخزنية والدينية بالشيطنة والتخوين، في حياد سلبي تام وغير مقبول للحركة النقابية المغربية. اشتراكية القرن 21 يجسد علاماتها الحراك الشعبي السلمي المغربي، خاصة بالريف بقيادة شابات وشبان المنطقة، الذي نعتبره مدرسة للنضال الديمقراطي اليساري. وعلى سبيل الختم، نعتقد أن الجائحة المعولمة وتداعياتها الصحية والنفسية تفرض على سكان العالم عولمة التضامن والنضال المشترك. والسبيل إلى ذلك هو تكثيف وتوحيد المقاومة الشعبية والمدنية على الصعيد الوطني والمغاربي والإقليمي... لتغيير الاختلال الكبير لميزان القوى-عسكريا وأمنيا وإعلاميا وثقافيا-لصالح النظام الليبرالي وتحالفه المتين القاهر للشعوب واضطهادها ونهب الطبيعة. نعتقد أن التغيير الديمقراطي في العالم في حاجة لتكتلات شعبية وحدوية قوية؛ تكتلات تنزل الأيديولوجيا من سمائها العاجي إلى الأرض وتبرمجها بشكل ملموس وفعال ونافع للمواطنين. وما أحوجنا اليوم لاستلهام التجارب النضالية لشعوب أمريكا اللاتينية وما شابهها، وكذا دروس وعبر شعبنا في الريف الأبي في مواجهة الاستبداد والفساد والتهميش والظلم الاجتماعي في المغرب وفي العالم. ذلكم لب اشتراكية القرن الواحد والعشرين! *عضو المكتب السياسي للحزب الاشتراكي الموحد