قبل إصابة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بفيروس "كورونا"، غيّرت الجائحة الكثير من معالم الانتخابات الأمريكية؛ لكن الأيام المقبلة ستحمل المزيد من التغييرات، بعد الإعلان عن الاختبار الإيجابي للرئيس. ودخل ترامب في الحجر الصحي ليلة الخميس، قبل أن يتم الإعلان عن نقله مساء الجمعة إلى المستشفى العسكري "وولتر ريد" لإجراء فحوصات طبية، إذ سيواصل عمله من هناك لأيام عديدة، حسب البيت الأبيض. وعرف المشهد السياسي الأمريكي، منذ بداية انتشار وباء "كورونا" في مختلف أرجاء البلاد إلى لحظة نقل ترامب إلى المستشفى، تطورات عديدة؛ بسبب ما حملته الجائحة، والتغييرات التي أحدثتها على مختلف ملامح الحياة بالولاياتالمتحدة. تغييرات الشهر الأخير وأعلنت حملة المرشح الجمهوري ترامب أن جميع أنشطة الحملة التي كان من المنتظر أن يشارك فيها الرئيس ستكون افتراضية عبر الأنترنيت، أو سيتم تأجيلها بالنظر إلى التطورات الأخيرة. وقال بيل ستيبين، مدير حملة ترامب، في بيان له، إن "جميع أحداث الحملة المعلن عنها سابقا، والتي تتضمن مشاركة الرئيس، في طور الانتقال إلى أحداث افتراضية أو يتم تأجيلها مؤقتًا"، مضيفا أن هذا التأجيل سيشمل أيضا الأنشطة التي يشارك فيها أحد أفراد عائلة الرئيس. في المقابل، فإن المرشح الديمقراطي جو بايدن سيستمر في القيام بحملته، إذ شارك في نشاط انتخابي مساء الجمعة في ولاية ميشغن شمال البلاد، والتي يعد الفوز فيها خلال الانتخابات الرئاسية مهما للوصول إلى البيت الأبيض. وأفادت وسائل إعلام أمريكية بأن حملة بايدن قامت أيضا بالتراجع عن نشر الإعلانات السلبية ضد ترامب بعد دخوله المستشفى، كما دعا المرشح الديمقراطي عبر تويتر إلى وحدة الشعب الأمريكي في هذه الظروف الحالية. الخطوة التي قامت بها حملة بايدن تعيد إلى الأذهان ما قام به الرئيس الأمريكي السابق ويليام هوارد تافت، سنة 1912، حينما تضامن مع منافسه تيودور روزفلت، وقام بإيقاف حملته الانتخابية، بعد إصابة منافسه بطلق ناري، واستأنفت الحملة من جديد بعد تعافي روزفلت. تعجيل فوز بايدن فرضت جائحة "كورونا" تغييرات كثيرة على الحملة الانتخابية، سواء تعلق الأمر بالانتخابات الرئاسية أو انتخابات الولايات والكونغرس؛ فقد جرى إلغاء عدد كبير من الأنشطة الانتخابية، بسبب إغلاق أغلب الولايات خلال أشهر مارس وأبريل وماي الماضية. منذ "الثلاثاء الكبير"، الذي شهد فوز نائب الرئيس السابق جو بايدن بأغلب الولايات يوم الثالث من مارس الماضي، انحصرت المنافسة بعد هذا التاريخ بين بايدن والسيناتور المستقل بيرني ساندرز في سباق الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي. واختار أغلب المرشحين حينها الانسحاب والاصطفاف بجانب باين على حساب ساندرز، الذي اضطر هو الآخر إلى الانسحاب بعد انتشار الفيروس في مختلف أرجاء البلاد، خصوصا في الشمال الشرقي، وأجزاء في الساحل الغربي الأمريكي، بسبب استحالة تنظيم أنشطة انتخابية، واتساع فارق الأصوات مع بايدن. ومنذ أبريل إلى بداية شتنبر المنصرم، لم يعقد بايدن الكثير من الأنشطة الانتخابية، وكان أغلبها عبارة عن لقاءات واجتماعات افتراضية لجمع التبرعات أو لقاءات صحافية مع مختلف وسائل الإعلام الأمريكية. اختيار بايدن عدم التنقل وبقاؤه في مدينة ويلمينغتون بولاية ديلاوير حيث يتواجد بيته جعله محط انتقادات لاذعة من قبل خصومه الجمهوريين، الذين ظلوا يشددون على أنه يحاول التواري عن الأنظار وإخفاء ضعفه، في وقت حاول فيه ترامب التهوين من جائحة "كورونا". ولم يكتف الرئيس بتهدئة الشارع الأمريكي بشأن انتشار الوباء؛ بل قام بتنظيم أول مهرجان انتخابي في مدينة تولسا بولاية أوكلاهوما، في العشرين من يونيو الماضي، وعرف مشاركة الآلاف، فيما انتقدت وسائل إعلام أمريكية هذه الخطوة، خصوصا أنها جاءت في سياق تشهد فيه البلاد واحدة من أسوأ الأزمات الصحية خلال العقود الأخيرة. استمر ترامب في تنظيم التجمعات الانتخابية في مختلف الولاياتالأمريكية، وظل يفتخر بأعداد الحاضرين في هذه الأنشطة الانتخابية، كما سخر مرارا من خصمه الديمقراطي جو بايدن، بسبب ارتدائه للكمامة، واعتماده على لقاءات مصغرة يحضرها العشرات، بغية عدم التقليل من خطر الإصابة بالفيروس. تصويت أكثر عبر البريد مع فشل الحكومة الأمريكية في تطويق انتشار الفيروس، ينتظر أن يدلي ملايين الامريكيين بأصواتهم عبر البريد، ولا تزال هذه الآلية تثير جدلا واسعا في البلاد، بالنظر إلى تشكيك ترامب في نزاهة التصويت عبر البريد. وذكر "مشروع الانتخابات الأمريكية"، التابع لجامعة فلوريدا، فإن عدد الذين أدلوا بأصواتهم بشكل مبكر يقارب 3 ملايين ناخب أمريكي إلى حدود الجمعة، سواء عبر التصويت بالبريد أو من خلال التوجه إلى مكاتب الاقتراع المبكر. وحسب المنصة الرقمية المستقلة "ballotpedia"، الخاصة بالانتخابات الأمريكية، فإن 34 ولاية بالإضافة إلى مقاطعة كولومبيا (العاصمة واشنطن دي سي)، تسمح للناخبين بالاقتراع المبكر، كما قامت 11 ولاية أخرى بتخفيف شروط الحصول على بطاقة الاقتراع قبل الموعد المحدد في الثالث من نوفمبر المقبل. وأورد مركز "بيو" للأبحاث، في استطلاع أجري يونيو الماضي، أن 70 في المائة من الناخبين الأمريكيين لا يعترضون على فكرة التصويت عبر البريد؛ في حين أن اعتماد هذا النوع من الاقتراع يختلف من ولاية إلى أخرى، إذ تجري ولايات مثل واشنطن وأوريغون انتخاباتها بشكل شبه كامل عبر البريد، مقابل تسجيل ولايات أخرى لنسب ضعيفة، كما هو الحال بالنسبة لولايتي تينيسي وويست فيرجينيا. مؤتمر افتراضي وآخر شبه افتراضي دفعت ظروف الجائحة الحزب الديمقراطي إلى اعتماد مؤتمر افتراضي بالكامل، لأول مرة في تاريخ الحزب، بعد أن كان من المقرر أن يجتمع الديمقراطيون في مدينة ميلواكي في ولاية ويسكونسن شمال البلاد، ما بين 17 و20 غشت الماضي. وألقى جو جو بايدن خطاب قبوله ترشيح الحزب من مدينة ويلمينغتون بولاية ديلاوير، إلى جانب نائبته في هذه الانتخابات، كامالا هاريس. كما عرف هذا المؤتمر مشاركة قادة من الحزب الديمقراطي، والرئيسين السابقين باراك أوباما وبيل كلينتون. في المقابل، اختار الجمهوريون عقد مؤتمر شبه افتراضي، زاوج بين عرض خطابات قادة الحزب من مختلف الولايات وكذا احتفال كبير حضره أكثر من 1500 شخص في البيت الأبيض، خلال اليوم الأخير من المؤتمر، وتحدث حينها ترامب على برنامجه الانتخابي وإنجازاته خلال السنوات الأربع الماضية. وإذا كانت جائحة كورونا قد أحدثت هذه التغييرات على المشهد السياسي الأمريكي، فإن الكثير من المراقبين يصفون الانتخابات الرئاسية المقبلة بالأهم خلال العقود الأخيرة، في سياق أصبح فيه المجتمع الأمريكي أكثر انقساما.