زلزال سياسي تعرضت له الولاياتالمتحدةالأمريكية بعد إعلان رئيسها دونالد ترامب، في ساعة متأخرة من مساء الخميس، إصابته بفيروس كورونا المستجد. ويفتح هذا المعطى المشهدَ السياسي الأمريكي على احتمالات عدة، خصوصا وأنه يأتي قبل 32 يوما فقط من انتخابات الثالث من نونبر المقبل، وبعد ثلاثة أيام من المناظرة الرئاسية الأولى التي جمعت بين ترامب ومنافسه الديمقراطي جو بايدن. إعلان ترامب إصابته بالفيروس جاء بعد إعلان مستشارة البيت الأبيض "هوب هيكس"، مساء الخميس، إصابتها أيضا. ما سيغير معطيات عدة في انتخابات الثالث من نونبر المقبل، بالنظر إلى أنه لم يسبق للولايات المتحدة أن شهدت سيناريو مشابها لما يجري حاليا. تعقيدات السباق الرئاسي هذا الإعلان يعني أن الرئيس الأمريكي لن يستطيع السفر إلى عدد من الولايات التي يتأرجح فيها التصويت بين الديمقراطيين والجمهوريين، والتي يعد الفوز بها حاسما للوصول إلى البيت الأبيض. وكان مبرمجا أن يزور ترامب عددا من هذه الولايات خلال الأيام القادمة؛ فبعد أن حل بولاية مينيسوتا يوم الأربعاء الماضي، كان من المنتظر أن يشارك في تجمع انتخابي في ولاية فلوريدا اليوم الجمعة. وتعتبر هذه الولاية من أبرز الولايات التي تحسم السباق الرئاسي نحو البيت الأبيض. وإلى جانب ذلك، فإن إصابة الرئيس بالفيروس تجعل من المستبعد عقد المناظرة الرئاسية الثانية التي كانت مرتقبة في الخامس عشر من الشهر الجاري، في حين ينتظر أن تنظم مناظرة نائبي المرشحين، مايك بنس، نائب المرشح الجمهوري، ونظيرته الديمقراطية كامالا هاريس، الأسبوع المقبل. الإعلان عن إصابة ترامب بكورونا وقرب بنس منه، أمر يصعب مسألة عقد المناظرة المقبلة بين النائبين في موعدها، خصوصا وأن خبراء الصحة يؤكدون أن مدة ظهور أعراض الإصابة بالفيروس قد تمتد من يومين إلى 14 يوما. هذا الطارئ الصحي يضع المناظرة الرئاسية الثانية مع جو بايدن في مهب الريح، على الأقل في شكلها المباشر، بالنظر إلى أن ترامب سيكون مضطرا للخضوع للحجر الصحي لمدة أسبوعين، في حين ينتظر أن يقوم بايدن بعدد من الاختبارات للتأكد من عدم إصابته ب"كوفيد 19" خلال الأيام المقبلة. مفاجأة أكتوبر تعود الأمريكيون على مفاجأة أكتوبر التي عادة ما تكون فضيحة كبيرة يتم تفجيرها قبيل الانتخابات الرئاسية، وتلعب دورا كبيرا في تحديد هوية الفائز بالسباق إلى البيت الأبيض. خلال سنة 2016، لعب تسريب رسائل البريد الإلكتروني للمرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون، حينما كانت وزيرة للخارجية، دورا كبيرا في ميل الكفة لصالح ترامب، الذي حسم الانتخابات على عكس ما كانت تشير إليه استطلاعات الرأي. وإذا كان الرأي العام الأمريكي منشغلا خلال الأيام الأخيرة بالسجال حول المناظرة الأولى وتحقيقات صحيفة "نيويورك تايمز"، التي كشفت السجلات الضريبية للرئيس، فإن التركيز خلال الأيام المقبلة سيكون على صحة ترامب بعد إصابته بالفيروس. ويبدو أن مفاجأة أكتوبر هذه السنة هي إصابة الرئيس ب"كوفيد-19"، المرض الذي لطالما استهان به ترامب وأدعى أن "نهايته وشيكة"، في الوقت الذي سجلت فيه الولاياتالمتحدة، أمس الخميس، أكثر من 42 ألف إصابة جديدة. وتضع إصابة الرئيس بالفيروس الأمريكيين أمام الاختيار بين الحفاظ على الصحة العامة، من خلال الالتزام بتدابير السلامة الصحية، أو فتح الاقتصاد والعودة إلى الحياة الطبيعية. ويعد الاقتصاد أبرز محرك لتوجهات الناخبين في الولاياتالمتحدة؛ إذ ذكر استطلاع أجرته جامعة "فلوريدا أتلانتيك" أنه عندما سئل الناخبون عن أهم القضايا التي ستحدد المرشح الذي سيصوتون لصالحه في ولاية فلوريدا، أجاب 37 في المائة من المستجوبين أن الأولوية ستكون للاقتصاد، و17 في المائة لخطط مواجهة كورونا، و14 في المائة للرعاية الصحية. التعديل 25 بدا الرئيس ترامب بصحة جيدة خلال هذا الأسبوع؛ إذ شارك في المناظرة الرئاسية الأولى وعدد من التجمعات الانتخابية، وحتى قبل ساعتين من إعلانه خبر إصابته، أجرى استجوابا مع قناة "فوكس نيوز" المحافظة، ذكر فيه أنه ينتظر نتائج اختبار كورونا بعد التأكد من إصابة مساعدته هوب هيكس. صادقت الولاياتالمتحدة على التعديل الخامس والعشرين سنة 1967، الذي يعطي الرئيس العاجز طبيا خيار نقل السلطة مؤقتا إلى نائب الرئيس، ويمكنه استعادة سلطته متى رأى نفسه لائقا لأداء مهامه. واعتمد الرؤساء الأمريكيون على هذا البند ثلاث مرات فقط؛ ففي سنة 1985، خضع الرئيس رونالد ريغان لفحص القولون بالمنظار وسلم السلطة لفترة وجيزة إلى نائبه جورج بوش، كما استدعى الرئيس جورج بوش الابن هذا البند مرتين، وسلم السلطة مؤقتا لنائبه، ديك تشيني، عامي 2002 و2007، لفترة قصيرة. وبموجب قانون الخلافة الرئاسية، إذا كان كل من ترامب وبنس غير قادرين على أداء مهامهما، فإن رئيسة مجلس النواب، نانسي بيلوسي، ستقوم بمزاولة مهام الرئيس، باعتبارها الشخصية الثالثة في هرم السلطة بالولاياتالمتحدة. وحسب صحيفة "نيويورك تايمز"، فإن هناك تاريخا طويلا لسقوط الرؤساء الأمريكيين في حالة مرضية خطيرة أثناء تقلدهم لمناصبهم، بما في ذلك بعض الرؤساء الذين أصيبوا أثناء الأوبئة، حيث كان الرئيس جورج واشنطن على وشك الموت بسبب وباء الأنفلونزا خلال سنته الرئاسية الثانية، بينما مرض الرئيس وودرو ويلسون أثناء محادثات السلام في باريس بعد الحرب العالمية الأولى بسبب ما يعتقد بعض المتخصصين والمؤرخين أنه الإنفلونزا التي اجتاحت العالم من عام 1918 حتى عام 1920. وتوفي أربعة رؤساء خلال تواجدهم في البيت الأبيض لأسباب طبيعية، وهم ويليام هنري هاريسون وزاكاري تايلور ووارين جي هاردينغ وفرانكلين روزفلت، بينما عانى ويلسون من سكتة دماغية منهكة، وأصيب دوايت أيزنهاور بنوبة قلبية في ولايته الأولى وسكتة دماغية في الولاية الثانية.