يُوجد الذكاء الاصطناعي اليوم في قلب التغيرات التي يعرفها المجتمع بحيث أصبح جزءا لا يتجزأ من الحياة اليومية لجميع الناس، وهو بذلك يُثير الشك والخوف لدى البعض، فيما يؤكد آخرون أنه مُفيد للتقدم البشري. يتفق كثيرٌ من المتخصصين على تعريف الذكاء الاصطناعي بأنه القدرة التي تتوفر عليها خوارزمية ما من خلال آلة لحل مشكلة كان الإنسان يظن أنه الوحيد القادر على حلها؛ أي بعبارة أخرى، هو تقنيات تُمكن الحاسوب من القيام بأعمال كان يُعتَقد أنها محصورة على الذكاء الإنساني. حول هذا الموضوع، نظم معهد صندوق الإيداع والتدبير ندوة رقمية، الثلاثاء، شارك فيها باحثون مغاربة وأجانب من مختلف التخصصات حاولوا الإجابة عن سؤالي: هل يمكن الوثوق بالذكاء الاصطناعي؟ وما الأثر المترتب لهذه الطفرة التكنولوجية على المغرب؟ أجاب رشيد كراوي، أستاذ الذكاء الاصطناعي بالمدرسة الفدرالية متعددة التقنيات بلوزان بسويسرا، خلال تدخله ضمن الندوة، قائلا: "نعم يجب أن نخاف من الذكاء الاصطناعي، وخصوصاً الأخطاء التي يمكن أن ترتكبها الخوارزميات لأنها معقدة وتتوفر على كثير من المعلومات التي ترتفع معها مصادر الأخطاء". وأورد كراوي أن "الخوف من هذه الأخطاء يستوجب الحرص على ضبط التقنيات التي نستعملها"، مضيفا: "لا يجب الخوف من الذكاء الاصطناعي الذي سيُسيطر على الإنسان، بل الأهم هو التحكم فيه لأنه يُهدد مناصب الشغل، والمغرب ليس بمعزل عن هذا الأمر، ولذلك يجب أخذ الموضوع بعين الاعتبار وإلا سنتخلف عن موجة الذكاء الاصطناعي". هل يُمكن للمغرب استغلال ما يوفره الذكاء الاصطناعي؟ يرد كراوي أن لعب دور في هذا الصدد ضروري بالنسبة للمغرب، لأن "هناك موجة رقمية يجب اللحاق بها من خلال تكوين المهندسين والمبتكرين والتقنيين وتوعية الناس بخصوص العالم الرقمي"، كما أن الدول التي لا تنجح في ذلك ستكون مُعرَّضة للاستعمار ليس بالجيوش بل بكل ما هو رقمي. أما كريم باينة، أستاذ بالمدرسة الوطنية العليا للمعلوميات وتحليل النظم في الرباط، فأعرب عن اعتقاده أن الإنسان لا يُمكنه اليوم أن يعيش بدون الذكاء الاصطناعي، وقال إن "هذا الأمر يتجلى في حياتنا اليومية بدءا من المساعد الصوتي إلى المكنسة الكهربائية وتقنيات التعرف على الوجه ورادارات مراقبة السرعة في الطرق، وُصولاً إلى مُحركات البحث والترجمة الفورية والخدمات البنكية الرقمية". وأضاف الأستاذ الجامعي أن "المغرب ليس منفصلاً عن الاقتصاد العالمي، ولذلك فإن ما سيواجهه هذا الأخير من تداعيات جراء الذكاء الاصطناعي سيكون له أثر مباشر وغير مباشر، خصوصاً على تهديد بعض المهن، وليس بالضرورة فقط المهن البسيطة، بل حتى المهن المتوسطة". أما بالنسبة لطارق داودا، باحث في مرحلة ما بعد الدكتوراه في كلية الطب بجامعة هارفارد حول موضوع استعمال الذكاء الاصطناعي لتحليل خلايا الدم، فإن الذكاء الاصطناعي يجب استعماله لرفع قدرات الإنسان، كما هو أثر استعمال التلسكوب مثلاً. وأشار الباحث المغربي إلى إمكانية استعمال الذكاء الاصطناعي للتعرف على الأنماط الجينية لتحديد الخلايا المصابة بمرض "كوفيد-19"، كما يُمكن الاعتماد على هذه التسلسلات لتطوير لقاح مضاد لهذا المرض، وهو أمر لا يمكن تصور إنجازه بدون دعم الذكاء الاصطناعي. وأقر داودا بأن هناك مشاكل مرتبطة بالذكاء الاصطناعي يجب الانتباه إليها، وهي متعلقة أساساً بالحياة الشخصية ومناصب الشغل، إضافة إلى إشكالية التلاعب بالحشود، مورداً أن "الشركات الكبرى، مثل جوجل وفيسبوك وأبل وميكروسوفت، تستعمل الذكاء الاصطناعي لتحديد نوع الإشهار الذي سيظهر لكل مُستعمل للتأثير على عاداته الاستهلاكية من خلال الرسالة أو الخطاب الذي يتوصل به". وقد شارك في هذه الندوة الرقمية، التي أدارها الصحافي عزيز بوستة، كل من ياسير بوكس من مدرسة 1337 التي أسسها المكتب الشريف للفوسفاط، وغيثة مزور، أستاذة بالجامعة الدولية للرباط، ولي نكوين هوانغ، المكلف بالوساطة الإعلامية بالمدرسة الفدرالية متعددة التقنيات بلوزان.