أنجز الدكتور حسن بلحياح، أستاذ في كلية الآداب والعلوم الإنسانية، التابعة لجامعة محمد الخامس بالرباط، خلال فترة الحجر الصحي، دراسة تهدف إلى تقييم تجربة التعليم عن بعد في الوسط الجامعي المغربي، لتحديد مكامن القوة فيها والتحديات التي جابهت الطلبة، ثم الخروج بتوصيات تهم تطوير مقاربة التعليم عن بعد في المغرب على المدى القصير والمتوسط والبعيد. ويعرض الأستاذ الجامعي، ضمن المقال المعنون ب"رهانات التعليم عن بعد في زمن كورونا: الاستحقاقات والتحديات والتخطيط للمستقبل"، نتائج وتوصيات الدراسة سالفة الذكر، التي تقترح على المدى البعيد الاستثمار في تكنولوجيا التعليم بصفة عامة؛ وذلك عن طريق خلق وتعزيز برامج تعليم وتدريب بشأن التعليم عن بعد ابتداء من المستوى التعليمي الابتدائي لكي يتعود عليها الطلبة منذ الصغر، ثم العمل على تعميم هذه البرامج على كل المستويات الدراسية. وإليكم المقالة: كالعديد من البلدان عبر العالم، تَبَنَّتْ وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي نظام التعلم عن بعد حلا بديلا للتعلم داخل الفصل الدراسي، من أجل استكمال الدروس المبرمجة خلال فترة الحجر الصحي التي أقرتها الحكومة المغربية. ولضمان نجاح هذه المقاربة ونجاعتها اتخذت الوزارة عدة تدابير تخص طريقة إعداد محتويات الصفوف وتلقينها للتلاميذ والطلبة؛ من أهمها بث الدروس المصورة عبر القنوات التلفزية وتوفير المضامين الرقمية، بالإضافة إلى إمكانية تنظيم أقسام افتراضية عبر المنصات الإلكترونية المخصصة لهذا الغرض. وأنجز عبد ربه دراسة تهدف إلى تقييم تجربة التعليم عن بعد في الوسط الجامعي المغربي، لتحديد مكامن القوة فيها والتحديات التي جابهت الطلبة، ثم الخروج بتوصيات تهم تطوير مقاربة التعليم عن بعد في المغرب على المدى القصير والمتوسط والبعيد. وتتبع الدراسة منهجية نوعية تتلخص في استقصاء تصورات وآراء الطلبة حول تجربة التعلم عن بعد باستعمال أداتين أساسيتين: الاستبيان ومجموعة التركيز. شارك في هذه الدراسة ثمانون طالبا وطالبة من ثلاث جامعات مغربية، قاموا بتعبئة الاستبيان باستخدام نماذج غوغل والمشاركة في مجموعتي تركيز على منصة زوم. المشاركة في الدراسة كانت بصفة إرادية، حيث بعثت رسالة إلكترونية إلى الأساتذة في هذه الجامعات تتضمن رابط الاستبيان لإرسالها إلى طلبتهم للمشاركة في الدراسة إذا هم رغبوا في ذلك. كما أن تعبئة الاستبيان تمت بصفة مجهولة، ولا يتضمن أي معلومات تخص هوية الطلبة؛ وذلك لتحفيزهم على الإدلاء بآرائهم بكامل الحرية وفي سرية تامة. وتم نشر الدراسة في الدليل المعرفي لجائحة كوفيد 19 لجامعة محمد الخامس بالرباط؛ وفي ما يلي موجز من نتائجها وتوصياتها. النتائج بعد تحليل المعطيات واستنباط المحاور البارزة تم تقسيم نتائج الدراسة إلى جزأين: الإيجابيات ثم التحديات. فقد ركز الطلبة على ثلاث نقاط إيجابية وهي: تنمية المهارات الذاتية - التعاون والتآزر - الملاءمة. بالنسبة للميزة الأولى أكد مجموعة من الطلبة أن التعلم عن بعد يساعدهم على تعزيز الثقة بالنفس وتدبير الوقت للتكيف مع كم الدروس والواجبات اليومية، بالإضافة إلى أنه يمكنهم من الاعتماد على الذات في دراسة وفهم المحتويات بدل الاعتماد الكلي على الأستاذ. وبالنسبة للميزة الثانية ذكر الطلبة أن التعاون والتآزر سمة بارزة في تجربتهم، إذ إن هناك تواصلا شبه يومي مع زملائهم في الصف بغرض العمل بشكل جماعي، أو من خلال استفسار الأساتذة عن أحوال الطلبة واستعدادهم للإجابة عن أسئلتهم عبر البريد الإلكتروني في كل وقت وحين. أخيرا أكد بعض الطلبة المأجورين أو الذين يرغبون في العمل والدراسة في آن واحد أن التدريس عن بعد أكثر ملاءمة وأريحية لهم، لأنه يعفيهم من عناء التنقل إلى الحرم الجامعي. كما أن الدروس تكون رهن إشارتهم على المنصات المخصصة لتدبير الدروس، ما يمكنهم من الدراسة والعمل ومزاولة أنشطة أخرى دون الحاجة إلى تكريس أوقاتهم كلها للدراسة. وأفضت هذه الدراسة إلى وجود مجموعة من التحديات تواجه الطلبة خلال تجربة التعليم عن بعد، تتمحور حول النقاط التالية: تكنولوجيا المعلومات - مبدأ تكافؤ الفرص - منهجية التدريس - الكم الدراسي - إدارة الوقت-محيط التعلم. عَبَّرَ بعض الطلبة عن صعوبة التأقلم مع تجربة التعلم عن بعد بسبب ظروفهم المادية التي لا تسعفهم في استعمال الأنظمة الاتصالية الحديثة والوسائل التعليمية الإلكترونية؛ وهذا ما حذا بهم إلى اعتبار التجربة تكريسا لغياب مبدأي المساواة وتكافؤ الفرص. كما أن بعض الطلبة ضاقوا ذرعا من غياب منهجية موحدة في التدريس؛ ففيما كان بعض المدرسين يقومون بالتواصل المباشر مع الطلبة، فإن فئة أخرى فضلت إرسال الدروس على شكل ملفات أو مرفقات؛ وهذا ما اعتبره بعض الطلبة غير مُجْدٍ لعدم استطاعتهم فهم الدروس واستيعابها بالاعتماد الكلي على قدراتهم الشخصية. كما وجد الطلبة صعوبة في التعامل مع الكم الهائل من الواجبات التي أصبح الأساتذة يلحون عليها للتأكد من اطلاع الطلبة على الدروس، ما تطلب منهم جهدا مضاعفا لإدارة وقتهم لاستكمال الواجبات وبحوث الإجازة في الموعد المحدد. وأخيرا اشتكى بعض الطلبة من المحيط الأسري الذي يشكل عائقا أمام عملية التعلم، وذلك بتواجد جميع أفراد الأسرة في المنزل، أو عند محاولة الجميع استعمال وسائل التكنولوجيا المتاحة بشكل متزامن، ما يؤدي إلى فقدان التركيز وهدر الوقت. التوصيات على ضوء هذه النتائج تقترح الدراسة توصيات تروم تطوير نظام التعليم عن بعد أو التعليم الإلكتروني بصفة أدق في المغرب على المدى القصير والمتوسط والبعيد. على المدى القصير توصي الدراسة بما يلي: - توحيد مناهج التدريس عن بعد؛ وذلك بتوفير جميع المواد المدرسة على منصة افتراضية. - من الثابت عدم تمكن الطالب المغربي حاليا من الاعتماد على نفسه في فهم محتوى الدروس، بل هو دائما في حاجة إلى شرح الأستاذ وإيضاحاته. -استعمال المنصة الافتراضية يتيح للطلبة فرصة التواصل المتزامن وغير المتزامن مع المدرس، سواء عبر المؤتمرات السمعية والمرئية، أو عبر إرسال الاستفسارات عن طريق البريد الإلكتروني، على أن توضع ضوابط محددة لكيفية العمل بها لضمان الأمن المعلوماتي وحفظ سرية المحاضرات. -التركيز على الكيف بدل الكم لأن الطلبة دأبوا على الاستماع إلى المحاضرات واجتياز الاختبار عند نهاية الفصل الدراسي، لذلك فكثرة الملفات والواجبات خاصة خلال فترة الحجر يمكن أن تؤثر سلبا على نفسية الطلبة وتقوض من إرادتهم في التعلم. -تنظيم دورات تكوينية للأساتذة في تكنولوجيا التدريس عن بعد، وتعيين تقنيين وأساتذة من ذوي المهارات المعلوماتية وذوي الاختصاص في تكنولوجيا التعليم وإدارة التعليم الإلكتروني للاضطلاع بهذه المسؤولية. على المدى المتوسط تقترح الدراسة يلي: -إنشاء مراكز للإشراف على نظام التدريس عن بعد تعنى بالسهر على التوظيف الجيد للوسائط التعليمية الإلكترونية وتقديم المساعدة للأساتذة والطلبة بصفة مستمرة. -التكوين المستمر للأساتذة والطلبة في تقنيات ومناهج التدريس والتعلم عن بعد لمواكبة المستجدات في هذين الميدانين، والارتقاء بمهاراتهم التدريسية والتعَلُّمية. -تدريس جزء من المحتويات التعليمية عن طريق نظام التدريس عن بعد كخطوة أولى، ليتدرب الأساتذة والطلبة على استعمال هذه الآلية والتكيف معها بصفة تدريجية وسلسة. على المدى البعيد توصي الدراسة بما يلي: -الاستثمار في تكنولوجيا التعليم بصفة عامة؛ وذلك عن طريق خلق وتعزيز برامج تعليم وتدريب بشأن التعليم عن بعد ابتداء من المستوى التعليمي الابتدائي، لكي يتعود عليها الطلبة منذ الصغر، ثم العمل على تعميم هذه البرامج على كل المستويات الدراسية. -توفير المعدات والآليات الضرورية لإتمام عملية التعلم عن بعد بنجاح كالإنترنت واللوحات الإلكترونية والحواسيب، خاصة في المناطق النائية لتقليص التفاوت الطبقي في التعليم. -إجراء تقييم سنوي تشارك فيه جميع الأطراف المعنية من طلبة وأساتذة ومدراء لتقدير الأداء التعليمي والوظيفي ومدى نجاعة آليات التعليم المتوفرة، ثم تحديد المجالات التي تستدعي التطوير والتحديث لتجويد عملية التعلم عن بعد. -تدريب التلاميذ منذ سن مبكرة على مهارة التعلم الذاتي عن طريق الابتعاد عن التلقين والحفظ والاستظهار. وعوضا عن ذلك التركيز على القراءة والتنقيب عن المعلومة في مصادر متنوعة وتحليلها وتمحيصها لاستيقان حقيقتها. ويكْمُن دور الأستاذ في هذه العملية في تصميم عملية التعليم وتوجيه وتحفيز التلاميذ والطلبة على التعلم والاعتماد على أنفسهم في استكشاف العالم الذي يعيشون فيه والمشاركة في إثراء ثقافته وحضارته وتغييره نحو الأفضل.