للتاريخ ستظل ذكرى 20 غشت لسنة 2020 (عام الكوفيد 19)، التي نخلد بها كل سنة بكل اعتزاز ثورة الملك والشعب المجيدة بما تحمله من قيم الوفاء والتضامن والتضحية من أجل الوطن، ذكرى استثنائية هذه السنة بكل المقاييس، إذ بقدر احتفائنا بالقيم الكبرى والنبيلة التي أسست لحرية المغرب، والتي كانت نتاجا لتضافر إرادة ملكين عظيمين جلالة الملك محمد الخامس وجلالة الملك الحسن الثاني طيب الله ثراهما، إلى جانب إرادة شعبهما الوفي لإعلان حرية المغرب واستقلاله من كل مظاهر الاستعمار، بقدر حاجتنا إلى استنهاض نفس القيم والمبادئ للخروج من هذا الوضع الصحي الاستثنائي والصعب الذي تعيشه اليوم بلادنا في المرحلة الثانية لمجابهة فيروس كورونا. لقد أعلن جلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، بلغة غير مسبوقة وبعبارات واضحة الدلالة وبسيطة المعنى وعميقة الأثر، في خطاب الذكرى السابعة الستين لثورة الملك والشعب، أن الدولة أعطت أكثر مما لديها من وسائل وإمكانات من أجل تقديم الدعم لفئات واسعة من المواطنين، وحرصت بشكل استباقي على توفير وسائل الوقاية في الأسواق، وتدعيم ثمن الكمامات، وشجعت على تصنيعها بالمغرب، لتكون في متناول الجميع، غير أن نسبة كبيرة من الناس لا يحترمون التدابير الصحية الوقائية، وهو الفعل الذي يسير ضد جهود الدولة مما فاقم عدد المصابين ولا سيما العاملين في القطاع الطبي ورفع من معدل الوفيات. هكذا أعلن رئيس الدولة، عن الحاجة إلى التزام صارم ومسؤول بالتدابير الصحية، ومدى حاجة بلادنا اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى مواطن يلتزم بعدم نشر العدوى بين الناس، وهو السبيل الأوحد لطرد هذا المستعمر الجديد للحياة العامة بالبلد والمعطل لعديد أجهزتها والمبطئ للسير العادي لمؤسساتها والجاثم على صدور الناس والمتسبب في قتل المئات وطنيا وعشرات الآلاف دوليا، إنه بالفعل البراديغم الجديد للاستعمار في القرن الواحد والعشرين الذي نحن مدعوون جميعا لمجابهته بما أوتينا من قوة. السبيل اليوم لمجابهة هذا المرض الذي أصاب المواطن والدولة (أجهزة ومؤسسات ) ثم القطاع الخاص، هو الانتباه إلى للإعلان الملكي الرسمي عن الحاجة الماسة إلى سلوك وطني مثالي ومسؤول، فحصيلة كوفيد 19 وخيمة اليوم بعدما انطلقنا قبل أسبوعين في تسجيل أزيد من 1000 حالة مستجدة يوميا وحينما سجلنا أزيد من 41 وفاة في ليلة واحد حسب الأرقام الرسمية لمصالح وزارة الصحة بتاريخ 22 غشت 2020، وهي النسب التي قد تعيدنا لا قدر الله، إلى تدابير الحجر الصحي الشامل، بتداعياته الاقتصادية والاجتماعية (فالدولة لا يمكنها مواكبة دعم الأسر التي فقدت مصدر رزقها إلى ما لا نهاية)، والنفسية (مدى إمكانية تفعيل هذا القرار تجاه الفئات الهشة والمعوزة)، وفي استحضار لقيمة الخسائر المادية التي تتكبدها الدولة، ما يعادل خسارة مليار درهم عن كل يوم من الحجر. إن المسؤولية في مجابهة هذه الجائحة مشتركة بين كل أبناء هذا الوطن الواحد، وفي مقدمتهم، رجالات السلطة الرابعة، الإعلام بكل تجلياته السمعية والبصرية، المقروءة والمكتوبة، إذ أن ضرورة إعادة جدولة وصلات تحسيسية متقاربة زمنيا وبرامج يومية لتعميق النقاش حول كوفيد 19 بإعلامنا العمومي الذي يدخل جميع البيوت المغربية بدون استثناء، توضح مدى خطورة الأمر وفداحة الخسائر وصعوبة العودة إلى الحجر الصحي اقتصاديا واجتماعيا ونفسيا، وكذا إعلامنا المسموع الذي يستهدف الملايين من المغاربة ولا سيما المتنقلين عبر السيارات، وهنا يجدر بالمؤسسات العمومية أن تنتقل إلى المرحلة الثانية من التضامن كما عرفه جلالة الملك غير مقتصر على الدعم المادي فقط بل متمحور حول أهمية التحسيس بعدم نشر العدوى بين الناس من خلال إعطاء موظفيها صغارا وكبارا المثل في احترام التدابير الاحترازية. إن كل القوى الوطنية الحية ملزمة أخلاقيا ثم قانونيا بتعبئة كبرى واستثنائية ضد هذا الوباء المستعمر وبنفس سرعة انتشاره وقسوة أضراره، إن مؤسسات الوساطة الاجتماعية أحزابا ونقابات مدعوة أكثر من أي وقت مضى لمجابهة هذا الوباء الفتاك، وخاصة فعاليات المجتمع المدني التي أبانت في هذه الجائحة عن قدرات متميزة في تأطير وتوعية وتحسيس المواطنين. لقد أعلن جلالة الملك حفظه الله عن الحاجة إلى سلوك وطني مثالي ومسؤول، هذا الإعلان الذي تفاعل معه شعبه الوفي مباشرة بعد الخطاب باحترام التدابير الصحية المعمول بها وخاصة ارتداء الكمامة التي لم نعد نجد ممتنعا عن ارتدائها بالشارع العام إلا كسلوك شاذ عن القاعدة العامة، سلوك لا يقاس عليه، وهنا بالذات يجب أن نثبت بان المواطنة الصادقة سلوك وأفعال وليست مجرد شعارات عابرة، هكذا يجب أن نعتز بمواطنتنا المستلهمة لقيم ''التمغربيت''. *نائب رئيس مجلس النواب