استمرار واشنطن في دعم وحدة المغرب الترابية يعزز عزلة البوليساريو والجزائر    الترويج لوجهة المغرب: لONMT يطلق جولة ترويجية كبرى بتورنتو وبوسطن وشيكاغو    الراية المغربية ترفرف في باماكو وسط احتجاجات ضد دعم تبون للإرهابيين    الولايات المتحدة تجدد تأكيد اعترافها بسيادة المغرب على الصحراء    الجيش يهزم بيراميدز ويودع دوري أبطال إفريقيا    دوري أبطال أوروبا.. أرسنال يصعّب مهمة الريال وإنتر يهزم بايرن في ميونيخ    قرعة بطولة العالم لكرة اليد للناشئين أقل من 19 سنة (مصر 2025) .. المنتخب المغربي في المجموعة الثانية    "قضية سلمى".. الأمن يوقف فتاة بمراكش بتهمة التحريض والتشهير عبر الإنترنت    توقيع اتفاقية شراكة بين مؤسسة محمد السادس للأعمال الاجتماعية لموظفي الأمن الوطني ووكالة إنعاش وتنمية الشمال    لشكر يُشهر ملتمس الرقابة.. وأوزين يُحرج نواب الاستقلال أمام "الفراقشية"    الجزائر والعداء مع الدول المجاورة.. إلى أين؟    33 قتيلا و3059 جريحا حصيلة حوادث السير بالمناطق الحضرية خلال الأسبوع المنصرم    المغرب وكوريا الجنوبية يسرعان مفاوضات الشراكة الاقتصادية    تتويج وكالة "الاستثمارات والصادرات"    وزارة التشغيل تخرج عن صمتها وتوضح بشأن عملية الاختراق    الرباط.. وزير الداخلية يستقبل نظيره الغامبي    الدولي المغربي رومان سايس يستكمل بروتوكول علاجه بالمغرب    الوزير قيوح: المغرب يعزز أمنه الجوي ويقود جهود التعاون الدولي لمواجهة التحديات في مناطق النزاع    بعد هاشتاع كلنا سلمى .. النيابة العامة تأمر بفتح تحقيق عاجل    رسوم ترامب ضد الصين ترتفع إلى 104%    لليوم الثاني.. مظاهرات طلابية بالمغرب دعما لغزة ورفضا للإبادة    منخفض "أوليفيي" يعيد الأمطار والثلوج إلى مختلف مناطق المملكة    المصادقة بجماعة دردارة على نقاط دورة أبريل والسبيطري يؤكد منح الأولوية للمشاريع التنموية    دروس ما وراء جبهة الحرب التجارية    أخبار الساحة    خطوة واحدة تفصل نهضة بركان عن نصف نهائي كأس الكاف    «طيف» لبصيرو «مائدة» العوادي يتألقان في جائزة الشيخ زايد للكتاب    في افتتاح الدورة 25 لفعاليات عيد الكتاب بتطوان: الدورة تحتفي بالأديب مالك بنونة أحد رواد القصيدة الزجلية والشعرية بتطوان    وزارة مغربية تتعرض لهجوم سيبراني من جهة جزائرية.. وتساؤلات حول الأمن الرقمي    شبكةCNBC : مايكروسوفت تفصل المهندسة المغربية ابتهال لرفضها التعاون مع إسرائيل    الذهب يرتفع وسط الحرب التجارية العالمية وهبوط الدولار    بغلاف مالي قدره مليار درهم.. إطلاق البرنامج الوطني لدعم البحث التنموي والابتكار    حادث يقتل 4 أشخاص قرب كلميمة    محاولة تهريب الحشيش تقود مغربيًا إلى السجن في سبتة    الشعب المغربي يخلد ذكرى الرحلتان التاريخيتان للمغفور له محمد الخامس لطنجة وتطوان يوم 9 أبريل    المغرب يتصدر التحول الرقمي الإفريقي بإنشاء مركز إقليمي للذكاء الاصطناعي    لطيفة رأفت تعلن عن إصابتها بفيروس في العين    موازين يبدأ الكشف عن قائمة النجوم    آيت الطالب يقارب "السيادة الصحية"    دراسة: السكري أثناء الحمل يزيد خطر إصابة الأطفال بالتوحد واضطرابات عصبية    المغرب عضوا بمكتب لجنة الديمقراطية وحقوق الإنسان للاتحاد البرلماني الدولي    الدولار يتراجع وسط تزايد مخاوف الركود    عرض ماسة زرقاء نادرة قيمتها 20 مليون دولار في أبوظبي    القناة الأولى تكشف عن موعد انطلاق الموسم الجديد من برنامج "لالة العروسة"    تقليل الألم وزيادة الفعالية.. تقنية البلورات الدوائية تبشر بعصر جديد للعلاجات طويلة الأمد    إشادة واسعة بخالد آيت الطالب خلال الأيام الإفريقية وتكريمه تقديراً لإسهاماته في القطاع الصحي (صور)    الوداد بلا هوية .. و"الوينرز" تدق ناقوس الخطر    الأخضر يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    دراسة: أدوية الاكتئاب تزيد مخاطر الوفاة بالنوبات القلبية    بونو: أتمنى عدم مواجهة الوداد في كأس العالم للأندية    "قمرة" يساند تطوير سينما قطر    ارتفاع ملحوظ في عدد الرحلات السياحية الداخلية بالصين خلال عطلة مهرجان تشينغمينغ    بين نور المعرفة وظلال الجهل    العيد: بين الألم والأمل دعوة للسلام والتسامح    أجواء روحانية في صلاة العيد بالعيون    طواسينُ الخير    تعرف على كيفية أداء صلاة العيد ووقتها الشرعي حسب الهدي النبوي    الكسوف الجزئي يحجب أشعة الشمس بنسبة تقل عن 18% في المغرب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سيناريوهات ما بعد "أزمة كورونا" تطرح أهمية التفكير في المستقبل
نشر في هسبريس يوم 09 - 08 - 2020

سجلت ورقة بحثية أن أزمة كورونا أبرزت أهمية التفكير في المستقبل، في ظل بيئة عالمية تتسم بالتغيير السريع، والتعقيد المتزايد، وعدم اليقين، خاصة بعد نقاط الضعف التي كشفت عنها الأزمة في اقتصادات الدول المتقدمة وأنظمتها الصحية. وفي هذا الإطار يأتي التقرير الصادر عن القوات الجوية الأمريكية، بهدف مراجعة تصورات مستقبل الأمن القومي في عالم ما بعد كورونا، وتسليط الضوء على السيناريوهات المتوقّعة، والمرتبطة بالصراعات المستقبلية، والتي وضعها مجموعة من الخبراء الاستشرافيين.
وتلقي ورقة لمركز المستقبل للدراسات والأبحاث المتقدمة، تتناول تقريرا يحمل عنوان " تقرير المستقبل العالمي: مستقبل بديل للمنافسة الجيوسياسية في عالم ما بعد كوفيد –19"، الضوء على العديد من مجالات الاهتمام الرئيسية لوزارة الدفاع والقوات الجوية، من أبرزها: سيناريوهات عالم ما بعد كورونا، والتنافس المستقبلي في الفضاء، وعلاقة سلاسل الإمداد بالأمن القومي، وتأثير الحملات الإعلامية المضللة، ومستقبل مبادرة "الحزام والطريق" الصينية، والتحولات الجيوسياسية في الشرق الأوسط، ومستقبل العلاقات عبر الأطلنطي.
سيناريوهات عالم ما بعد كورونا
قدمت الورقة أربعة سيناريوهات عالمية، تنسج في مجملها المستقبل المحتمل لعالم ما بعد كورونا:
أولًا- التحول من الهيمنة الحيوية Bio-hegemony إلى الريادة الحيوية Bio Supremacy: يُشير التقرير إلى أن "القوى العظمى" الجديدة عام 2035 ستكون الدول التي حققت مستويات فائقة من المرونة الحيوية bio-resiliency مقارنة بمنافسيها، وهي الدول التي تمتلك مخزونًا وافيًا من البيانات البيولوجية، إلى جانب امتلاكها مزيجًا من القدرات المتطورة في مجال الذكاء الاصطناعي، والصور المستندة إلى الأقمار الصناعية؛ مع القدرة على توفير وإتاحة المعلومات بشكل سريع لكافة أجهزتها الأمنية، ما يرفع من درجة تفوقها العسكري.. وتتنافس القوى العظمى الجديدة مع بعضها بعضًا من أجل تحقيق الهيمنة الحيوية bio-hegemony، وصولًا إلى مرحلة الريادة الحيوية bio-supremacy.
ومثلت أزمة كورونا تحديًا حقيقيًّا لدول العالم، وكشفت عن نقاط ضعف غير متوقعة، من أبرزها:
1- أصبحت البيانات التي تغذي هذه الأنظمة البيولوجية المتطورة سلعة مالية ومصدرًا للاستغلال.
2- أصبحت عمليات التمثيل الغذائي والمناعي قابلة للاختراق، ما يشكل تحديًا للبحث العلمي الدولي.
3- تواتر الشائعات حول تنافس الدول لابتكار مزيد من أشكال التخريب المميتة. فعلى الرغم من أن علم الجينوم يتم توظيفه لعلاج الأمراض والوقاية منها؛ إلا أنه يمكن أيضًا أن يتم توجيهه بشكل عكسي، بحيث يستخدم في نشر الأمراض وقتل البشر.
4- رفض بعض المجتمعات أن تكون جزءًا من عملية تطوير الأمن البيولوجي البشري لأسباب دينية أو إيديولوجية.
ثانيًا- الدول المتحاربة الجديدة: يصف العلماء مرحلة 2030 بأنها فترة "الدول المتحاربة" الجديدة. وتعد أزمة الشرعية التي أحدثتها أزمة كورونا العامل الأكثر إسهامًا في عدم الاستقرار العالمي، إذ لم تعد الحكومات قادرة على أداء وظيفتها الأساسية كضامن للأمن. وبالإضافة إلى ذلك، ظهرت أزمة تتعلق بمصداقية الحكومات في ما يتعلق بالبيانات والحقائق الخاصة بالأزمة، ما ساهم في تفاقم أزمة الشرعية، وأصبح يُنظر إلى مجال العلوم والدواء، على نطاق واسع الآن، على أنهما أداتان للتلاعب المجتمعي.
تشير الورقة إلى أن الصين كانت أول قوة عالمية فشلت في تلبية التوقعات المحلية للصحة العامة وإدارة الموارد وتحسين نوعية حياة مواطنيها؛ إذ عجزت عن سد الانقسامات المجتمعية الحادة. كما تحول "الحلم الصيني" 2020 إلى كابوس عالمي، فمحور الصين الإستراتيجي الذي يتمثل في مبادرة "الحزام والطريق" (BRI) موجود الآن بالاسم فقط، وذلك بدلًا من امتداد الطريق إلى أوروبا كما كان متصورًا في الأصل، إذ لا يستطيع حتى ربط بكين بشنغهاي. وتوقفت مشاريع البنية التحتية الكبرى التي تدعمها الشركات الصينية المملوكة للدولة في أكثر من 90 دولة، ما ساهم في تفاقم حالة الركود الاقتصادي.
ومن ناحية أخرى، بدأت الجهات الفاعلة من غير الدول وأشباه الدول في تطوير التكنولوجيا العسكرية، من خلال الاستخدام الواسع ل"إنترنت الأشياء"، جنبًا إلى جنب مع ثورة الطائرات بدون طيار، ما مكّن هذه الجهات من امتلاك الأسلحة الذكية، وأدوات الإرهاب السيبراني.
ثالثًا- تنامي الاتجاهات غير ‏الديمقراطية: دفعت الضغوط الناجمة عن أزمة كورونا كلًّا من الأنظمة الليبرالية والسلطوية -على حدٍّ سواء- نحو تطبيق إجراءات شديدة المركزية والتقييد من خلال فرض أنظمة المراقبة. ولكن مع انتقال الفيروس بشكل كامل إلى الهواء، لم تتمكن جهود تتبُّع الاتصال من مواكبة المعدل الكبير لتفشي الوباء. وأدى عدم تعاون بعض الأفراد إلى اعتماد تدابير استبدادية متزايدة. وغالبًا ما تحل الجيوش الوطنية في أوقات الأزمات محل سلاسل الإمداد التجارية، وحتى الإشراف على الإنتاج والتوزيع المحلي للسلع، لمنع أعمال الشغب والاحتجاج.
رابعًا- ارتباك المشهد العالمي: أكّد التقرير أن الدول التي لديها القدرة على امتلاك البيانات الشخصية لمواطنيها ومواطني الدول المنافسة لها بإمكانها أن تتوقع درجة حدة أي مرض جديد، والتسلسل الزمني لانتشاره؛ وقد أدت هذه القدرة إلى ما يمكن أن يطلق عليها الهيمنة العشوائية stochastic hegemony، ما تسبب في خلق حالة من عدم الاستقرار العالمي.
كما لفتت الورقة إلى أن من أسباب الارتباك العالمي تقليل جيش الولايات المتحدة بشكل كبير من وجوده في جميع أنحاء العالم، بسبب المخاوف من العدوى عقب تفشي جائحة كورونا. ومن ناحية أخرى، أشار التقرير إلى تراجع دور كل من حلف الناتو وكذلك المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة بشكلٍ متزايد، موضحًا أنه غالبًا ما أصبحت تُعقد الاجتماعات والقمم بشكل افتراضي.
سلاسل الإمداد والأمن القومي
تتسم سلاسل الإمداد في الولايات المتحدة بالضعف، فضلًا عن طول المسافة الجغرافية بين الشركاء التجاريين، التي تتسبب في تأخير طلب السلع واستلامها. وكان هذا الأمر بالغ الأهمية بالنسبة للأجهزة الطبية ومعدات الوقاية الشخصية خلال أزمة كورونا، وبالتالي أصبحت المخاطر التجارية قضية أمن قومي. بالإضافة إلى المخاطر التي يتعرض لها الأمن القومي الأمريكي من التهديدات الصينية للملكية الفكرية الأمريكية.
وفي ما يتعلق بمستقبل العلاقة بين سلاسل الإمداد والأمن القومي، طرحت الورقة أربعة سيناريوهات:
أولًا- تراجع المنافسة الدولية بين الولايات المتحدة والصين، بما يفسح المجال للسلام والتعاون الدوليين على مستويات متعددة، بما في ذلك البحث العلمي، وسلاسل الإمداد، وتطوير اللقاحات، وتلاشي المخاوف بشأن شفافية المعلومات الخاصة بجائحة كورونا، وتراجع التوجهات الصينية نحو فرض الهيمنة الاقتصادية والسياسية والعسكرية على آسيا.
ثانيًا- انفراج الحرب التجارية: في أعقاب جائحة كوفيد-19 تنامت الآمال في إنهاء الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، التي كانت قد زادت حدتها في نهاية عام 2019.. وإذا تم فرض قيود تجارية مستقبلية إضافية فقد تكون محدودة للغاية.
ثالثًا- تصاعد المنافسة بين الولايات المتحدة والصين: تدخل الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين مرحلة متسارعة، إذ تتم زيادة القيود التجارية التي تفرضها واشنطن من خلال تعريفات إضافية على الأجهزة والمواد الطبية. وقد تتجلى المنافسة أيضًا في مزيد من القيود على سلاسل الإمداد.
رابعًا- الاتجاه لحرب بالوكالة: وفقًا لهذا السيناريو فقد تؤدي تداعيات أزمة كورونا إلى صراع مباشر بين الولايات المتحدة والصين. وقد تدفع تحقيقات الكونغرس في ما يتعلق بمشاركة الصين للمعلومات حول الفيروس، وكذلك سلاسل الإمداد الخاصة بالأجهزة الطبية؛ إلى قيود تجارية كبيرة، ورد فعل جيوسياسي ضد ‏بكين، وقد تنجرّ المنظمات الدولية مثل حلف الناتو ومنظمة الأمم المتحدة إلى الصراع. وتشعر الحكومة الصينية بالتهديد، ما يدفعها إلى تعزيز نفوذها في البلدان التي تعاني من الأزمة لدعم أهدافها الإستراتيجية، مع تسارع حملات التضليل الإعلامي الصينية، والدبلوماسية الناعمة، وهنا تصبح الحرب بالوكالة بينهما شبه حتمية.
تداعيات متعددة
وأشارت الورقة إلى عدد من التأثيرات المحتملة لجائحة كوفيد-19 على مستقبل التنافس الدولي، يتمثل أبرزها في ما يلي:
أولًا- التنافس في الفضاء: يشير التقرير إلى أن الفضاء أصبح مجالًا لا غنى عنه بشكل متزايد؛ حيث يؤثر على التجارة والدفاع والحياة اليومية. وقبل أزمة كورونا كان مشروع الفضاء الأمريكي يتقدم بثبات، مع استمرار تدفق الاستثمارات، بما يعكس مساعي الجيش الأمريكي للتكيف مع البيئة الأمنية المتغيرة. وكان برنامج Artemis يتقدم أيضًا نحو تمكين الهبوط على سطح القمر عام 2024، لكن الآن تواجه جميع هذه الأنشطة تحديات كبيرة بسبب جائحة كورونا.
ثانيًا- مستقبل أنظمة الحكم: في مواجهة أزمة كورونا، تستخدم الصين طائرات بدون طيار وتقنيات تكنولوجية متقدمة لمواصلة مكافحة تفشي الوباء ومراقبة انتشاره. ويبدو المجتمع الصيني مرتاحًا مع هذا المستوى من الرقابة والرصد باسم الصحة العامة، ويُظهر مستويات ثقة عالية في الأجهزة الحكومية. ولكن بالنسبة للولايات المتحدة فمن غير المحتمل أن يحذو المواطنون الأمريكيون حذو الشعب الصيني، ولكن قد تتسبب أزمة كورونا في تغيير ذلك الوضع، وبالتالي فإن القدرة على إعادة تشكيل المعايير المجتمعية وتحقيق النمو الاقتصادي بسرعة بعد هذه الأزمة قد تتسبب في قبول المزيد من المراقبة، وتعمل على تأكيد الثقة في النظام الحاكم.
ثالثًا- مستقبل حملات التأثير المضللة: أشار التقرير إلى أنه في السنوات العشرين الماضية توسّعت بعض الجهات الحكومية وغير الحكومية في استخدام مختلف وسائل التأثير؛ لزعزعة ثقة الشعوب في الحكومات الديمقراطية. وفي هذا الإطار، تشن روسيا حملة متعددة الأوجه للتضليل والتأثير على الشعوب في مناطق مستهدفة من العالم، كما تركز الصين على الدعاية الموجهة لحكومتها، سواء إلى مواطنيها أو للعالم الخارجي، بهدف توسيع نطاق نفوذها والترويج لنظامها في ظل بيئة التنافس الجغرافي الإستراتيجي. وذلك كله إضافة إلى العناصر الهامشية في المجتمع، مثل المتعصبين البيض، الذين يعملون على نشر نظريات المؤامرة من أجل التحريض على الكراهية والعنف.
مبادرة "الحزام والطريق"
افترضت الورقة أربعة سيناريوهات في ما يتعلق بمستقبل مبادرة "الحزام والطريق"، تتمثل في ما يلي:
أولًا- مواصلة الصين تنفيذ المبادرة: ما يزيد من الاعتماد على ديون الدول المشاركة فيها للصين، بهدف التأثير عليها لتحقيق المصالح الصينية. ومع ذلك فإن التدقيق في عالم ما بعد كورونا يوضح احتمالية فقدان الحزب الشيوعي الصيني السيطرة على سرعة وخطوات تنفيذ المبادرة.
ثانيًا- انتعاش الصين جراء أزمة كورونا، بما يُعزز من مكاسبها والإسراع في تنفيذ المبادرة، وانتشار قوات جيش التحرير الشعبي الصيني على طول شبكة "الحزام والطريق"، أخذًا في الاعتبار أن الدول المشاركة في المبادرة التي لديها احتياطيات مالية أقل وخيارات محدودة، هي الأكثر تضررًا وتعرضًا للهيمنة الصينية.
ثالثًا- انهيار منهجي: تزايد الضغوط الدولية على الصين لالتزام الشفافية في ما يتعلق بجائحة كوفيد-19، واحتمال فقدان الحزب الشيوعي السيطرة على المعلومات، وانخفاض التأثير المباشر على الدول الأعضاء في مبادرة "الحزام والطريق"، مع محاولة الصين تلبية توقعات جودة التصنيع المرتبطة بالمعايير الجديدة في التجارة العالمية. وهنا تبدأ الصين في النظر إلى الخارج من أجل تصدير مشاكلها المحلية.. وبعد أن قامت بالفعل بتحييد المقاومة في هونج كونج، فإن تايوان هي المعركة التالية، حيث ستحاول بكين السيطرة عليها.
رابعًا- تقنين التنافس: يعمل الحزب الشيوعي الصيني على تقليص الاستثمار العالمي، وزيادة النفوذ الذي تمارسه البنوك الصينية على الدول المشاركة في مبادرة "الحزام والطريق". وتستغل بكين التقنيات الناشئة المنتشرة في العالم النامي لتنمية فرصها التجارية.. ومن ناحيتها تنتعش الولايات المتحدة ببطء بعد أزمة كورونا، ما يشجع على بناء علاقة ثنائية طويلة الأمد بين البلدين، تقوم على الاحترام والمنفعة المتبادلة، بحيث يفوز كلا الجانبين على أساس التعاون في إطار متفق عليه.
مستقبل الاتحاد الأوروبي والعلاقات عبر الأطلسي
أشارت الورقة إلى أربعة سيناريوهات لمستقبل الاتحاد الأوروبي والعلاقات عبر الأطلنطي، وهي على النحو التالي:
أولًا- استمرار الوضع الراهن: تؤدي إعادة الافتتاح الجزئي للاقتصاديات الأوروبية لاستيعاب الموسم السياحي الصيفي إلى عودة انتشار فيروس كورونا المستجد عبر القارة. ويستمر الفيروس في العودة الموسمية، ما يفرض استمرار إجراءات التباعد الاجتماعي، ويساهم في تراجع اقتصادي كبير للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. وتواجه دول جنوب أوروبا -على وجه الخصوص- ارتفاع معدلات البطالة بشكل هائل. وتحاول بروكسل تقديم الحوافز الاقتصادية، ولكن في نطاق أضيق. ومن المرجّح أن تصبح إسبانيا والبرتغال عضوين في مبادرة "الحزام والطريق"، في مقابل توسُّع شركة هواوي في العديد من الدول الأوروبية الكبرى. ويزداد النفوذ الروسي في البلقان، ما يعقد المزيد من جهود التكامل الإقليمي.
ثانيًا- التقشف: يستمر الارتفاع في البطالة عبر القارة، ويتسبب الفشل في تبني أفضل الممارسات لمكافحة جائحة كورونا في انتشار العدوى بأعداد متفاوتة في الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وتقوم مفوضية الاتحاد بتشجيع من ألمانيا والنمسا وهولندا والدنمارك، بتطبيق إجراءات تقشف شديدة تهدف إلى تقليل عجز الميزانية المتضخم.
ثالثًا- انهيار الاتحاد: تتسبب الموجات المتكررة لانتشار فيروس كورونا المستجد والمصحوبة بكساد اقتصادي عالمي في شل قدرة الاتحاد الأوروبي على إدارة الأزمات. كما أنه خلال الولاية الثانية لإدارة الرئيس "دونالد ترامب" -بافتراض فوزه في الانتخابات- قد تخرج واشنطن من حلف الناتو. وفي غياب الوجود العسكري الأمريكي في أوروبا يتوقف حلف الناتو عن عملياته الخارجية، وفي المقابل تتزايد عمليات التوغل العسكرية الروسية.
وتلفت الورقة إلى أن الافتقار إلى ردود منسقة للأزمة من قِبل فرنسا وألمانيا يؤجج أزمة الشرعية في هيكل الاتحاد الأوروبي نفسه، وهو ما قد يدفع إلى انسحاب عدة دول منه، وما قد يتبقى من الاتحاد هو مجموعة من بلدان شمال أوروبا الصغيرة غير القادرة على ممارسة السيطرة أو التأثير على المسرح الدولي.
رابعًا- تحول إيجابي: قد تخلق الموجة الثالثة من انتشار جائحة كورونا عام 2029 فرصة للتعاون غير المسبوق عبر الأطلسي، وتشرع الإدارة الأمريكية الجديدة في إعادة بناء العلاقات الأمريكية الأوروبية. ويتسبب اكتشاف برامج التجسس والمراقبة الصينية في العديد من شبكات اتصالات الجيل الخامس في سحق أي ثقة متبقية لدى الجهات الأوروبية للتعاون مع الصين. وفي هذه الحالة تضع الولايات المتحدة بروتوكولًا لمشاركة البيانات الحيوية مع الاتحاد الأوروبي، ما يؤدي إلى إنشاء مكتب صحي مشترك تابع للولايات المتحدة الأمريكية، يدير ويخزن البيانات الحيوية للمواطنين.
ويتسبب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في التقليل بشدة من دور لندن كوسيط دولي، وفي المقابل تبني واشنطن على الدور القيادي لألمانيا في الاتحاد الأوروبي. وبالإضافة إلى ذلك، فإن هزيمة حزب العدالة والتنمية الذي يقوده الرئيس التركي "أردوغان" خلال السنوات القادمة تُرافق "تجديدًا علمانيًّا" في أنقرة يشهد وصول حكومات ذات توجه غربي إلى السلطة، وقد يؤدي حل النزاعات في بحر إيجه وشرق المتوسط، إلى جانب الاستثمارات الغربية في الاقتصاد التركي، إلى انضمام تركيا كعضو في الاتحاد الأوروبي في أوائل عام 2030.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.