أشعلت وفاة المواطن الأمريكي من أصول إفريقية جورج فلويد شرارة الاحتجاجات المنددة بالعنصرية والمطالبة بإصلاح أجهزة الشرطة في مختلف الولاياتالأمريكية. كان ذلك مطلع ماي الماضي، لكن هذه الاحتجاجات سرعان ما خفت في عدد من الولايات، وتراجع عدد المحتجين بها بشكل كبير، مقابل بروز احتجاجات أخرى اتخذت طابعا عنيفا في ولايات أخرى، إذ شهدت تدخلات عنيفة لعناصر الأمن التي قامت باستعمال الرصاص المطاطي والغازات المسيلة للدموع لتفريق المتظاهرين. وتطالب هذه الاحتجاجات بتفكيك أجهزة الشرطة، ومغادرة القوات الفيدرالية للمدينة، وتوجيه ميزانيات أكبر للمجتمعات الهشة، بالإضافة إلى وضع حد لما يعتبره المتظاهرون "عنصرية نظامية" في الولاياتالمتحدة تجاه الأقليات العرقية. ومازالت عدة مدن أمريكية تعرف احتجاجات كبيرة، خصوصا مدينة بورتلاند في ولاية أوريغون شمال غربي الولاياتالمتحدة، وشيكاغو في ولاية إلينوي، بالإضافة إلى مدينة أوستن بولاية تكساس، التي عرفت مقتل أحد المتظاهرين بسبب طلق ناري مجهول. هدوء بالعاصمة وتصعيد في الغرب منذ ماي الماضي، شهدت مدينة بورتلاند مظاهرات سلمية كانت عبارة عن مسيرات تجوب شوارعها، لكن هذه الاحتجاجات سرعان ما اتخذت طابعا عنيفا بعد التدخلات المتكررة للشرطة (المحلية)، قبل دخول قوات الأمن الفيدرالية على الخط. وفي مطلع يونيو، طلب وزير العدل في ولاية أوريغون، بيلي ويليامز، إنزال قوات الحرس الوطني لشوارع بورتلاند، ل"وضع حد للعنف الذي تشهده المدينة"، على حد قوله، لكن هذه الاحتجاجات حافظت على سلميتها عموما، مع وجود بعض الانفلات الأمني، خصوصا على مستوى مركز المدينة. نقطة التحول الكبيرة في مسار هذه الاحتجاجات كانت دخول عناصر الشرطة الفدرالية إلى المدينة في الفاتح من يوليوز، ما أدى إلى تطور وتيرة المظاهرات، وتضاعف المشاركين فيها. وفي وقت كان المتظاهرون يرفعون شعارات ضد السلطات المحلية للمدينة، خصوصا العمدة، تيد ويلر، أضحى مطلب مغادرة الشرطة الفدرالية أحد أبرز المطالب المرفوعة في هذه الاحتجاجات، كما أضحت مواجهات القنابل المسيلة للدموع والرصاص المطاطي "روتينا" يوميا في المدينة. وتوصلت إدارة الرئيس الأمريكي ترامب إلى اتفاق مع السلطات المحلية هذا الأسبوع، يقضي بمغادرة الشرطة الفدرالية من بورتلاند، ما خفف من وتيرة الاحتقان الذي كانت تعيشه المدينة. في مقابل بورتلاند أو سياتل، كان الوضع مختلفا إلى حد كبير في العاصمة الأمريكيةواشنطن، التي شهدت احتجاجات واسعة بعد وفاة جورج فلويد على يد الشرطة؛ لكن وتيرة هذه الاحتجاجات سرعان ما خفت. وعرفت واشنطن هي الأخرى احتجاجات عنيفة بعد تدخل الحرس الوطني لإبعاد المتظاهرين عن البيت الأبيض، لكن سمح لهم بعد أيام من ذلك بالتظاهر بالقرب منه؛ فيما مازالت الاحتجاجات مستمرة في "بلاك لايفز ماتر بلازا"، وهي تسمية أطلقت على أحد مفترقات الطرق بالقرب من البيت الأبيض. التدخل الفيدرالي يعتقد مراقبون أن تدخل القوات الفدرالية لتخفيف حدة الاحتجاجات في عدة مناطق كانت له نتائج عكسية، وساهم بشكل كبير في زيادة التوتر في مدن أمريكية، خصوصا في الساحل الغربي الذي يضم ولايات كاليفورنيا وأوريغون وواشنطن، كما أنها من أكثر الولايات الليبرالية في البلاد. هذا التدخل أثار غضب المسؤولين المحليين في عدة مدن أمريكية، خصوصا تلك التي يسيرها الديمقراطيون. وذهب بعض هؤلاء المسؤولين إلى وصف تواجد هذه القوات ب"الاحتلال"، كما قال عمدة بورتلاند، تيد ويلر، الذي اتهم الرئيس ترامب باستخدام الشرطة الفدرالية لخدمة أجندته السياسية. في المقابل، تبرر إدارة الرئيس ترامب قرار إرسال قوات فيدرالية إلى عدد من المناطق ب"الفوضى" التي يتسبب فيها المتظاهرون، وأعمال السلب والنهب التي عرفتها مدن أمريكية، وكذا حماية بعض المؤسسات الفيدرالية.