يستقل يونس العدلي وزوجته (الصورة) عَبَارة من ميناء طنجة في طريق عودتهما إلى اسبانيا لكن القلق يساورهما من أنهما قد لا يكون بمقدورهما بعد الان كسب ما يكفي من المال في أوروبا لإعالة عائلتهما الممتدة. اضطر الزوجان العاطلان عن العمل في اسبانيا منذ العام الماضي إلى ترك ابنهما أمير ذي الثمانية عشر شهرا في رعاية جدته في المغرب. ويقول العدلي البالغ من العمر 32 عاما "كنت أنا وزوجتي نعول 26 من أقاربنا قبل الأزمة. الآن لا نستطيع إعالة أنفسنا وولدنا." وفي الوقت الذي تبذل فيه الدول الأوروبية جهودا حثيثة لمعالجة كارثة الديون التي قد تتسبب بركود اقتصادي على مستوى المنطقة بأسرها أصبح مستقبل العدلي على المحك شأنه شأن كثيرين من 2.5 مليون مهاجر مغربي يعيشون ويعملون في أوروبا. والمغرب من أكثر الدول العربية اعتمادا على تحويلات المغتربين. لذا فان تفاقم محنة المغاربة المقيمين في أوروبا قد يتسبب في تدهور ميزان المدفوعات ويؤثر على مئات الالاف في المغرب الذين يعتمدون على المبالغ التي يحولها لهم أقرباء في الخارج. ويتركز المهاجرون المغاربة في منطقة اليورو في فرنساواسبانيا وايطاليا ومعظمهم من طبقة العمال مما يعرضهم لمخاطر الغاء الوظائف عندما تتباطأ الاقتصادات. ويقر العدلي بأنه قد يستغرق بعض الوقت للعثور على عمل جديد في اسبانيا لكنه مستعد للقيام بأي شيء للبقاء هناك. وقال "اذا مرضت في اسبانيا سأحصل على الرعاية الملائمة في المستشفى بالمجان. لكن هنا فان المرض بدون عمل قد يعني الموت." وأبلى اقتصاد المغرب بلاء حسنا حتى الان في خضم أزمة الديون السيادية الاوروبية لاسباب منها زيادة كبيرة في الانفاق الاجتماعي من جانب الحكومة في مسعى لحماية الاستقرار السياسي وسط الاضطرابات التي شهدها العالم العربي العام الماضي. وقال وزير الاقتصاد نزار بركة الاسبوع الماضي ان الاقتصاد قد يكون نما خمسة بالمئة العام الماضي ارتفاعا من أربعة بالمئة في 2010. لكن زيادة الانفاق الحكومي لا يمكن أن تستمر الى ما لا نهاية مما يعني أن تحويلات العمال المهاجرين ستظل حيوية للاقتصاد. والتحويلات التي بلغت سبعة مليارات دولار في 2011 تعد مصدرا أكبر للعملة الصعبة من مبيعات الفوسفات صناعة التصدير الرئيسية في البلاد وتقف على قدم المساواة تقريبا مع السياحة ثاني أكبر مشغل للايدي العاملة في المغرب. وتساعد التحويلات في تخفيف حدة الفقر في البلد الذي يقطنه 5ر 32 مليون نسمة. وقال الحسن عاشي الباحث بمركز كارنيجي الشرق الاوسط "قلص المغرب الفقر بنسبة 40 بالمئة بين 1991 و2008 ... وذلك أساسا بفضل جهود فردية مثل زيادة كبيرة في التحويلات." ويعمل العدلي في اسبانيا منذ 1999 وفقد وظيفته العام الماضي بعد أن سرح مصنع المطاط الصغير الذي كان يعمل به في أليكانتي ربع موظفيه بسبب انخفاض المبيعات. وفقدت زوجته عملها بعدها بأسابيع قليلة عندما أغلق المقهى الذي كانت تعمل به. وقال العدلي عن اعانة البطالة التي يحصل عليها منذ فقد وظيفته "حاول أن تعيش بخمسمئة يورو (650 دولارا) في الشهر في اسبانيا .. وقريبا قد نخسر هذا الدخل أيضا. هكذا تقول الصحف." لكن الغيوم التي تلقي بظلالها على مستقبل المهاجرين ليست سوى جانب واحد من التهديد الذي يواجهه المغرب بسبب مشاكل أوروبا. وقالت سلوى القرقري الخبيرة الاقتصادية والنائبة بالبرلمان عن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية المعارض "لم نر بعد المدى الكامل لتداعيات أزمة منطقة اليورو على اقتصادنا. "تحويلات المهاجرين وعائدات السياحة والاستثمار الاجنبي المباشر ستتأثر بالازمة. السياق السياسي في المنطقة العربية ككل يدفع المستثمرين الاجانب الى الانتظار والترقب فيما يتعلق بالدول العربية عموما." وتسهم التجارة مع الاتحاد الاوروبي بنحو 60 بالمئة من ايرادات صادرات المغرب كما أن 80 بالمئة من السياح الاجانب الذي يزورون المغرب يأتون من بلدان الاتحاد وتعتمد عليهم 400 ألف وظيفة مباشرة وعشرة بالمئة من الناتج المحلي الاجمالي للبلاد. وتوقع وزير السياحة لحسن حداد أن 2012 لن يكون عاما سهلا للقطاع مع قيام الاوروبيين بالغاء أو تأجيل عطلاتهم أو اختصارها. وبعد عدة سنوات من النمو المستمر في أعداد السياح أصبح المغرب يأمل ألا تنزل الزيارات على الاقل عن مستوى 2011. وتظهر أرقام التجارة بالفعل تأثير التباطؤ الاقتصادي في الاتحاد الاوروبي. ونمت واردات الاتحاد من البضائع المغربية 7.8 بالمئة في 2011 مقارنة مع نمو بلغ 19.8 بالمئة في 2010. وقال الوزير بركة "ثمة علاقة طردية قوية بين النمو الاقتصادي في الاتحاد الاوروبي وحجم الطلب على صادراتنا." والمنسوجات هي ثاني أكبر مصدر لايرادات التصدير بعد الفوسفات لكن سوقها الرئيسية هي منطقة اليورو. ويعمل بوظائف مباشرة في صناعة المنسوجات أكثر من 200 ألف شخص. وقال كريم تازي رئيس الجمعية المغربية للنسيج والالبسة "توقعات 2012 ليست شديدة التفاؤل ... الظروف ستكون أكثر صعوبة في 2012 .. مجال الرؤية الحالي للمصدرين لا يتجاوز المدى القصير. فرنساواسبانيا هما السوقان الرئيسيتان بالنسبة لنا." وساهمت تدفقات العملة الصعبة البالغة نحو 17 مليار دولار من السياحة وتحويلات المهاجرين والاستثمار الاجنبي المباشر في تخفيف أثر العجز التجاري المتفاقم على ميزان المدفوعات. وارتفع عحز ميزان المعاملات الجارية في 2011 الى 6.5 بالمئة من الناتج المحلي الاجمالي من 4.3 بالمئة في 2010 مسجلا أعلى مستوياته منذ الثمانينيات. وقال عاشي الباحث في كارنيجي "يبدو ميزان المدفوعات المغربي بصدد وضع استثنائي في 2012. عجز ميزان المعاملات الجارية سيتفاقم على الارجح بعد خفضه بدرجة كبيرة في الاعوام الاخيرة." ومن شأن أي تدهور في تدفقات العملة الصعبة أن يتسبب في تاكل قدرة المغرب على تمويل الواردات في وقت يواجه فيه الكثير من صادراته الرئيسية منافسة محتدمة من منتجين أقل تكلفة مثل الصين. ويعتمد المغرب بكثافة على استيراد الوقود والقمح اللذين ارتفعت أسعارهما في الاسواق العالمية. وبلغت احتياطيات النقد الاجنبي في نهاية 2011 نحو 20 مليار دولار أي ما يغطي واردات خمسة أشهر تقريبا وهو أقل مستوى منذ عام 2001. وقال وزراء بالحكومة الاسبوع الماضي ان المغرب قد يطرق سوق السندات العالمية في 2012 وسيختبر أي اصدار تقييم المستثمرين الاجانب للضغوط التي يتعرض لها ميزان المدفوعات للمغرب في ظل مشاكل أوروبا. وقال عاشي "قدرة المغرب على توليد احتياطيات النقد الاجنبي محدودة جدا .. أسعار النفط الخام والحبوب ترتفع في حين أن أداء الصادرات الاخرى باستثناء الفوسفات ليس جيدا جدا ... من المرجح أن يزيد عجز ميزان المعاملات الجارية في 2012."