أفاد المجلس الوطني للصحافة بأن خسائر القطاع الصحافي قاربت ال243 مليون درهم خلال الثلاثة أشهر التي تفشى فيها فيروس "كورونا" المستجد بالمملكة، مورداً أن الأزمة الظرفية ستعمق بدورها الأزمة الهيكلية التي تعانيها الصحافة المغربية. وسلّط تقرير جديد للمجلس الضوء على واقع قطاع الصحافة خلال جائحة "كورونا"، مشخّصا أعطابه في فترة الحجر الصحي، ومستعرضا وضعية القطاع ما بعد الجائحة، ومقترحاً منافذ الخروج من الأزمة الهيكلية. تراجع حصص الإعلانات أوضح التقرير، المعنون ب "آثار جائحة كورونا على قطاع الصحافة وإجراءات الخروج من الأزمة"، أن الخسارة الناجمة عن توقف المبيعات وأعمال الطباعة وتراجع الإشهار تقدر بأكثر من 81 مليون درهم في الشهر. وأبرز التقرير أن مبلغ 81 مليون درهم في الشهر الواحد يتضمن الخسارة الناجمة عن البيع بأكثر من 44 مليون درهم، بالإضافة إلى الخسارة الناجمة عن تراجع الإعلانات التي تقدر ب 37 مليون درهم. وأشار المجلس إلى أن "جل المنشآت الصحافية سجلت انخفاضا مهما لعائداتها المالية بسبب توقف البيع واعتماد المجانية، وصاحب ذلك تراجع مهم للاستثمارات الإعلامية للمعلنين بلغ (110-) في المائة، خلال الفترة ما بين 18 مارس و18 ماي لسنة 2020، بالمقارنة مع الفترة نفسها من سنة 2019. وأكد البحث، الذي قام به المجلس الوطني للصحافة، عبر الاستبيان أو الاستجوابات عن بعد، أن جل المستجوبين أشّروا على التراجع المهول لحصص الإعلان في حدود 79 في المائة وسطيا بالنسبة للصحف الوطنية، و100 في المائة بالنسبة للجهويات الورقية، بينما نسبة التراجع في الصحافة الرقمية هي أقل نسبيا، حيث تصل وسطيا إلى 57.5 في المائة بالنسبة للنشرات الرقمية الوطنية، و85 في المائة بالنسبة للنشرات الرقمية الجهوية. تضاعف أعداد القرّاء لذلك، فإن هذه المعطيات تبرز أن الخسارة الناجمة عن تراجع الإعلان خلال أبريل تقدر بأكثر من 17.5 مليون درهم بالقيمة الخام، ونحو 9 ملايين درهم بالقيمة الصافية، وفقاً للتقرير الذي أورد أنه "إذا عممناها على باقي أشهر الجائحة، فإن إجمالي الخسارة يصل إلى غاية آخر ماي حوالي 53 مليون درهم بالقيمة الخام، و27 مليون بالقيمة الصافية". وأرجع التقرير هذا التراجع أساسا إلى "إلغاء جل المعلنين لعملياتهم التواصلية، وفسخ أو تجميد العقود التي تربطهم بالمقاولات الصحافية لأسباب احترازية أو تقشفية، مرتبطة بتوقف إنتاج المواد والخدمات وبتوازنات مالية، وعدم توفرهم على رؤية واضحة بشأن استئناف أعمالهم". وأشار البحث إلى دراسة حديثة لجمعية المعلنين المغاربة، تمت بتعاون معWay Opinion ، لفتت إلى أن 75 في المائة من المعلنين جمدوا حملاتهم الإعلامية، من بينهم 8 في المائة صرحوا بإلغائها نهائيا؛ لكن مقابل التراجع في الإيرادات، سجلت العناوين الوطنية تضاعفا في عدد قرائها، حيث عرفت الصحافة الرقمية المهيكلة تزايدا في عدد متصفحيها (أكثر من 225 مليون متتبع شهريا). توقيف مفاجئ للصحف وبخصوص تقييم الإجراءات المتخذة من قبل الحكومة، يعتبر "مسؤولو الصحف الورقية، المنتمون إلى عينة الدراسة، أن إجراءات توقيف طبع وتوزيع الصحف، رغم ضرورتها الوقائية، كانت مفاجئة ولم يستشر فيها المعنيون، وخلفت آثارا بليغة على القطاع"، وفقاً للتقرير. أما بالنسبة إلى الإجراءات الداعمة للمقاولات، والتي اتخذتها الدولة أو لجنة اليقظة الاقتصادية، فقد "لقيت استحسانا نسبيا من طرف بعض المستجوبين، في حين ترى الغالبية أنها غير كافية، وتخص بالأساس المقاولات الصناعية والتجارية، ولا تتناسب مع الآثار التي خلفها الوباء والحجر الصحي على قطاع الصحافة"، تبعاً للبحث المُجرى. تبعا لذلك، يقترحون إجراءات بديلة أو مكملة، حسَب المصدر عينه، الذي يرى أن "التدابير العملية التي أعلنت عنها الحكومة لإنقاذ قطاع الصحافة، عبر وزير الثقافة والشباب والرياضة، اعتبرت خطوة ايجابية، على اعتبار أن قطاع الصحافة يكاد يكون الوحيد الذي استفاد من الدعم العمومي، ويكاد يكون مميزا في المحيط الإفريقي والعربي". استثمارات إعلانية مجمّدة وبشأن المقروئية ما بعد الجائحة، قال التقرير إن "مسؤولي الصحف الورقية يرون أن العودة إلى الوضع السابق لما قبل كورونا، على علاته، سوف يكون عسيرا بعد توقف أكثر من ثلاثة أشهر تضررت فيه القدرة الشرائية للمواطنين، وتغيرت فيه بعض عادات القراءة، وتناسلت فيه شائعات انتقال الفيروس عبر الورق". وأضاف: "كما أنه رغم الفتح الجزئي للمقاهي التي تشكل 20 في المائة من المبيعات، فإن النتيجة ستكون هي الحد من تداول الجرائد، إذ تعتبر مجالا للقراءة المجانية للصحف؛ حيث يبلغ معدل تداول النسخة الواحدة فيها ما بين 4 و10 قراء حسب المدن والموقع المجالي لهذه الفضاءات، في حين يعتقد 80 في المائة من أصحاب الصحف الإلكترونية أن عدد المتتبعين سيتقلص بنسبة 15 إلى 20 في المائة بعد عودة الصحف الورقية، ورفع الحجر الذي ساهم في زيادة عدد المتتبعين". وأورد التقرير أن "الصحف الوطنية تتوقع استمرار تدهور حصصها من الإعلانات بسبب الانكماش الاقتصادي الناجم عن الجائحة؛ لكن إذا استندنا على الدراسة التي قامت بها جمعية المعلنين المغاربة، فإن هناك تفاؤلا في الأفق على المدى المتوسط، بما أن 89 في المائة من المعلنين الذين جمدوا استثماراتهم الإعلانية ينوون تفعيلها خلال سنة 2020، وسيقوم 50 في المائة منهم بذلك خلال 30 أو 60 يوما بعد رفع الحجر، إلا أنه ليست هناك أية إشارة للاستثمار في مجال الصحافة؛ سواء الورقية أو الإلكترونية". دعم مقروئية الصحف وبالنسبة إلى الوقت اللازم لعودة الوضع إلى ما قبل الجائحة، تنقسم المنشآت الإعلامية إلى فئتين؛ إحداهما متفائلة (40 في المائة) تعتبر أن المدة الكافية هي ستة أشهر، وأخرى متشائمة (60 في المائة) تعتقد أنه يجب انتظار سنة ونصف السنة إلى سنتين على الأقل للعودة إلى ما يمكن تسميته بوضع الأزمة الطبيعي، وليس وضع تجاوز هذه الأزمة، يضيف التقرير. ودعا المجلس إلى "دعم الخطة الوطنية للمقروئية التي أطلقها، من خلال تطوير التربية على الإعلام وقراءة الصحف في المدارس، والتي تروم تنمية الوعي الإعلامي لدى المتعلمات والمتعلمين لتمكينهم من اكتساب معارف ومفاتيح تساعدهم على الفهم والتحليل والنقد لما يقرؤونه، أو يستمعون إليه، أو يشاهدونه، من أخبار تتداولها وسائل الإعلام المهنية وغير المهنية". وأشار إلى ضرورة "تفعيل مشروع الصندوق الوطني لتنمية قراءة الصحف بشراكة بين مختلف الفاعلين العموميين والخواص والمؤسسات المنتخبة، ومساهمة المنظمات المتخصصة أو المهتمة بالموضوع، وذلك مقابل توزيع جزء من الصحف على جمعيات المجتمع المدني المهتمة والمنتشرة عبر التراب الوطني، وكذا مؤسسات عمومية ثقافية وتربوية وتأهيلية". تنظيم سوق الإشهار كما نادى المجلس، أيضا، ب"العمل على إقرار المزيد من الشفافية في سوق الإعلانات، من خلال خلق هيئة وطنية بين-مهنية مستقلة، تتولى أساسا السهر على ضمان حيادية قطاع الإشهار في علاقته بمختلف الفاعلين"، مطالبا، كذلك، ب"إحداث مكتب مغربي للتحقق من الرواج والإشهار في الصحافة الورقية والإلكترونية، يهتم بمراقبة شفافية الأرقام". واقترح المجلس الوطني للصحافة "الرفع من سقف الدعم العمومي الذي لم يتغير منذ 12 سنة، بالرغم من تزايد عدد الصحف، وبالأخص الإلكترونية؛ علاوة على مراجعة منظومة الدعم العمومي لفائدة الصحف الورقية والإلكترونية، من أجل تطويره ومواكبة التحول الرقمي، وتشجيع الاستثمار في قطاع الصحافة". ومن بين المقترحات الأخرى، نجد توصيات بدعم خلق أكشاك رقمية أو منصات تشاركية تقدم فيها مجموعة من الجرائد المختارة مقابل اشتراك، ويمكن أن يتم ذلك عبر منصة تشاركية بين-مهنية أو عن طريق بيع هذه الخدمة لمقدمي الخدمات التواصلية. تحصين قطاع الصحافة ينضاف إلى ذلك، تحفيز الجرائد الجهوية الورقية والإلكترونية على الاندماج داخل منشآت موجودة أو خلق منشآت جديدة، تنصهر فيها من أجل بناء كيانات تشاركية قوية قادرة على استقطاب القراء والمعلنين، إلى جانب تعديل قانون حقوق المؤلف بما يؤكد صراحة على حقوق الصحافي باعتباره من أصحاب المصنفات المحمية، وبشكل خاص في المجال الرقمي. ويطالب التقرير ب"بلورة ميثاق أخلاقي يوقع بين المنشآت الصحافية الورقية والإلكترونية الحاصلة على الملاءمة لعدم سرقة مواد بعضها البعض، والتصريح بالمصادر عند استخدام مادة إعلامية للأغيار، مما يدفع بالمنشآت إلى الاجتهاد والتميز بينها، ثم تعزيز التكوين الإعلامي ببرامج ملائمة تتعلق بالجوانب المهنية والقانونية والأخلاقية، وصناعة المضامين الرقمية، مع التركيز على تكوين يؤهل صحافيين متعددي الخبرات".