تابعت النزاع القائم بين الأسر والمدارس الخصوصية حول واجبات أشهر الحجر الصحي، وما خلق من نقاش حول التعليم الخصوصي، وكأن هذا التعليم وتجاوزاته وليد اللحظة فقط. وبعيدا عن المزايدات النضالية أود توضيح بعض الأمور من وجهة نظري قد تكون خاطئة: النزاع بين الأسر والمدارس الخصوصية مرتبط بالجانب المالي فقط، حيث وجد الآباء فرصة الجائحة مبررا لرفض أداء واجبات دراسة أبنائهم، علما أن الجائحة قوة قاهرة على الجميع، ولا مسؤولية للمدارس الخصوصية فيها؛ فعلى الموظفين وذوي الدخول المرتفعة أداء ما في ذمتهم ما دامت رواتبهم لم تتوقف، وحتى لا تجد هذه المدارس مبررا للتنصل من أداء الأجور الهزيلة أصلا لمستخدميها الذين لا يدافع عنهم أحد. أما باقي الزبائن الذين تأثروا بالجائحة فأخلاقيا ومن الواجب على المدارس الخصوصية التعامل بمرونة مع وضعهم، بما في ذلك إعفاء المتضررين كثيرا. المدارس الخصوصية أنواع: فمن المصنفة خمس نجوم أصحابها من علية القوم، لهم الحماية المطلقة من أي مساءلة تربوية أو إدارية أو مالية، إلى مؤسسات تشبه البناء العشوائي وقد تتعرض للمراقبة والمساءلة الإدارية والتربوية فقط لذر الرماد في العيون. ومن أرباب المدارس من راكم ثروة طائلة وسارع إلى تأسيس سلسلة من المدارس الأخرى في مدن مختلفة، وبعضهم بالكاد يصارع من أجل البقاء. لذلك لا يجب التعامل مع كل المدارس بالطريقة نفسها في هذا الموضوع بالتحديد. زبائن المدارس الخصوصية استفادوا ويستفيدون من التجاوزات الخطيرة لهذا القطاع للقانون وللمناهج، في ظل غياب المراقبة الصارمة للدولة، مادام هناك توجه واضح لدعم هذه المدارس من أجل ضرب القطاع العمومي (تصريح السيد رئيس الحكومة السابق: حان الوقت لترفع الدولة يدها عن الصحة والتعليم). هذه التجاوزات ساهمت في المس بمبدأ تكافؤ الفرص بين تلاميذ القطاع الخصوصي وزملائهم في القطاع العمومي، فمثلا يتم - في القطاع الخصوصي- إلغاء المواد الأدبية في الثانية باكالوريا في الشعب العلمية، والاستفادة من غلافها الزمني لصالح الرياضيات والعلوم من أجل منح فرصة أكبر للتلاميذ للتمرن على الاختبارات الوطنية. ولو قامت مدرسة عمومية بإلغاء مادة التربية الإسلامية مثلا في الثانية باكالوريا لقامت الدنيا ولن تقعد، في حين يصمت الجميع أمام القطاع الخصوصي، بمن فيهم دعاة "الإسلام في خطر". هذا بالإضافة إلى تدريس المواد العلمية باللغة الفرنسية قبل أكذوبة ما يسمى التناوب اللغوي، وذلك من أجل تأهيل تلامذتهم لمسايرة الدراسة في التعليم العالي. إذن المدارس الخصوصية وفرت للأسر امتيازات لأبنائهم الذين يحصدون المقاعد في كليات الطب والصيدلة وطب الأسنان والهندسة المعمارية وغيرها. كما استفاد زبائن هذا القطاع من النفخ في نقط المراقبة المستمرة لسنوات طويلة، ما ساعد أبناءهم على ولوج المعاهد العليا على حساب تلاميذ القطاع العمومي، وذلك قبل إلغائها في احتساب معدلات الولوج. هذه أمثلة فقط على صمت الدولة عن خروقات القطاع الخصوصي للمناهج المغربية. وفي المقابل إذا تجرأت مؤسسة عمومية على القيام بأقل من ذلك لشاهدنا لجانا تلوى أخرى لمساءلة المدرسة. هناك صراع قائم بين القطاع العمومي والخصوصي خفي وظاهر أحيانا، ويعمل القطاع الخصوصي على تغذيته من خلال الحط من قيمة المدرسة العمومية رغم أنه يبني مجده على أكتاف أطر القطاع العمومي، خصوصا في التعليم الخصوصي الثانوي والجامعي. ومثالا على ذلك فالتلاميذ الذي يتراجعون في مستواهم الدراسي في القطاع الخصوصي يطلب من أسرهم نقلهم إلى المدرسة العمومية، حيث مستواهم المناسب - حسب زعمهم- ويتم ذلك عادة في السنوات الإشهادية تفاديا للتأثير على نسبة النجاح الوهمية. هذا دون أن تسائل المدرسة الخصوصية نفسها عن سبب هذا التراجع في المستوى. وكذلك فأثناء التسجيل لا تقبل المدارس الخصوصية من لا يحصل على نقط مرتفعة في روائز التسجيل. كما ترفض جل المدارس الخصوصية تسجيل تلاميذ في وضعية إعاقة، وترى بتمييز فج أن التلاميذ المعاقين والضعاف مكانهم المدرسة العمومية. يستند القطاع الخصوصي في تبخيس المدرسة العمومية إلى كون العاملين في القطاع العمومي لا يستهلكون منتجهم (جل أبناء الموظفين في وزارة التربية الوطنية من مختلف مواقع المسؤولية يدرسون في القطاع الخصوصي، وهذه شهادة مجانية للجودة في هذا القطاع، لأن الذي لا يستهلك ما ينتج يقر برداءة منتجه). صحيح أن جل المدارس الخصوصية لا تتوانى في البحث عن فرص لنهب جيوب الزبائن بطريقة ذكية وبرضاهم (أنشطة الدعم التربوي، بيع الكتب الأجنبية، الأنشطة الموازية، الإطعام، الحراسة بالنسبة لتلاميذ التعليم الابتدائي...)، ولكن أين كانت الأسر عندما رفعت المدرسة الخصوصية من قيمة الواجب الشهري، أو واجب التأمين، أو تطالب بأداء مبالغ إضافية عن مهام من واجبات المدرسة (الدعم التربوي مثلا)؟. تبني المدرسة الخصوصية مجدها الزائف على ثلاثة أسس: خرق القانون (قانون الشغل – قانون 06 – المناهج) – مساهمة الدولة في ضرب المدرسة العمومية – خدمات أطر القطاع العمومي واجتهاد التلاميذ (تختار المدرسة الخصوصية التلاميذ حتى لا تبذل جهودا كثيرة في تعليمهم). أسر المدارس الخصوصية تعيش نشوة وتحس بارتقاء اجتماعي زائف هو الآخر عندما تقف سيارة النقل أمام منازلها لتقل أبناءها، في حين يتجه أبناء الجيران مشيا إلى المدرسة العمومية، وبعد ذلك يعود بعضهم بسبب الإضراب أو رخصة مرضية أو غياب أستاذ(ة) بدون مبرر ما دام المستقبل المهني مضمونا. وتحس الأسر بالنشوة أيضا عندما يتحدث أبناؤها باللغة الفرنسية في المحلات التجارية والمطاعم، بل تدفعهم إلى التحدث باللغة الأجنبية للتباهي؛ فلغة التحدث في الشارع تحدد نوع التعليم الذي يستفيد منه المتحدث. صحيح أن بعض الأسر مرغمة على تسجيل أبنائها في المدارس الخصوصية لتوقيتها المناسب، ولضمان حماية الأبناء من مخاطر الطريق ومحيط المؤسسات العمومية غير الآمن، رغم أن الحياة المدرسية في القطاع الخصوصي ليست جنة. هذا يدل على انتهازية مفرطة وبحث عن حلول فردية لمشكل جماعي، فعوض التكتل والنضال الجماعي من أجل فرض إصلاح حقيقي للمنظومة التربوية يتم اللجوء إلى مدارس تكرس الطبقية وتنمي شرخا بين الفئات الاجتماعية. خلاصة القول: مدارس خصوصية جشعة تبني مجدها الزائف بدعم الدولة التي ترفع يدها تدريجيا عن الصحة والتعليم، وزبائن انتهازيون يبحثون عن مستقبل أبنائهم متوهمين النجاة بأنفسهم، وغير مدركين أن ضرب المدرسة العمومية خطر على الجميع وليس على روادها فقط. ولعل جائحة كورنا أكدت لمن يحتاج إلى تذكير أن "كلفة التجهيل أعلى من كلفة التعليم". ملحوظتان لهما علاقة بما سبق: 1. في إحدى الاجتماعات الرسمية في الوزارة بداية الموسم الدراسي 2010 - 2011 وقع خلاف بين وجهتي نظر حول نقطة معينة، فاقترح أحد الزملاء للحسم في الموضوع مازحا أن تميل الكفة لمن يدرس أبناءه في القطاع العمومي، ففوجئت عندما رفعنا أيدينا نحن الثلاثة من مجموع الحاضرين 15. 2. في يوم من أيام الموسم الدراسي 2005- 2006 كان أحد النقابين يوزع نداء للمشاركة في إضراب محلي مشكوك في مشروعيته، أمدني النقابي بالنداء بمقهى بئرنزران فسألته: هل سيعود ابنك يوم الإضراب إلى المنزل كما سيعود ابني؟ فتلعثم لأنني أعرف أن ابنه يدرس في مؤسسة خصوصية، فقلت له: للأسف أنت غير مؤهل للدعاية للإضراب. *فاعل تربوي