قطعا، ومنذ بداية الخلق، أو الانفجار الكبير (Big Bang) تقريبا، ويليهم، من حيث الحجم، سقوط النيزك المدمر الكبير، المفترض، الذي أدى الى هلاك كائنات ضخمة مثل الديناصورات وأمم أخرى من الخليقة، لم يشهد العالم ظاهرة تحققت فيها شروط الشمولية مثل كورونا أبدا من قبل. فجميع الكوارث الطبيعية، والأزمات، والتغيرات، والاضطرابات، والبراكين، والزلازل، والأمراض، والمشاكل، التي حدثت، تاريخيا، لم تشمل العالم بأسره، بل كانت كلها تخص مناطق معينة ومحددة من البسيطة فقط ولم يتحقق فيها شرط الاجماع بالشكل الذي جاءت عليه مصيبتنا الفيروسية الحاضرة. وعليه، فإن المستجد الذي ينبغي الانتباه له، فيما يتعلق بالانتشار الغير المسبوق الذي فرضته جائحة (مع التحفظ التام على هذا الاسم نظرا لنسبيته) كورونا، يتمثل في كون "الحدث/الظاهرة/الواقعة" شمولي، عام، وشبيه بأحداث وآفات، ومصائب، الأزمنة الغابرة الأولى التي يُزعم أنه قد شهدها الكون، أو على الأقل، النظام الشمسي، أو، بشكل جد خاص، كوكب الأرض حيث يدب بني البشر على الأرض ويصنعون عالما إنسيا، حسب زعمهم، موات لهم ولطبيعتهم التي لا يبدو أنهم يفهمون منها شيئا رغم التطور، المزعوم، الحاصل على مستوى علوم الانسان وغيرها. وهذا يعني، بالطبع والحتم، أن "العارض" الذي نحن أمامه، فريد من نوعه من حيث الشكل، النوع، حجم التأثير، ردة الفعل، الأثر الناجم، والآفاق المستقبلية له. بل أكثر من ذلك، إنه حدث، يجب التدقيق فيه بشكل يُسعفنا، نحن القوم المتأثرون به أولا، ولو نسبيا، في محاولة فهمه بعمق يفي بضرورة ودافع إيجاد الحلين "النسبي والمطلق،" وهذا ما تسعى هذه المقالة من أجل إيضاحه ورفع اللبس عنه. لكن، وقبل الخوض في طبيعة العاصفة الفيروسية التي لم تستثني مكانا من العالم إلا ومسته، يبدو أنه من الأهمية بمكان التذكير ببعض المعطيات التاريخية التي، ربما، بإمكانها ان تساعد على فهم وتأطير الجدل القائم حاليا، والممكن مستقبلا، حول حرية (حدود) الجائحة، تأثيراتها المرحلية والما-بعدية، ومعانيها وعبرها الثقافية، الاجتماعية، الاقتصادية، والسياسية. لكن، وقبل اي تأويل يتبنى تصور خطي تاريخي، لابد من الوقوف للحظة من اجل تامل مجموعة من المعطيات التي تساعد في تعريف، وبذلك فهم، طبيعة الظاهرة التي نحن بصدد اختبار مدى قابلية فهمنا وادراكنا لابعادها ودلالاتها الممكنة. شكل الظاهرة، نوعها، حجم تأثيرها، ردة الفعل تجاهها، الاثر الناتج عنها، والآفاق المستقبلية: الشكل: نتحدث هنا عن شكل الظاهرة، ولا نعني شكل الفيروس. وقذ تبين ان الشكل العام للآفة هو عبارة عن موجة عامة من العدوى، والهلع المصاحب لها، انطلقت، حسب أولى بؤر التأثير، من مدينة ووهان الصينية. ولفترة قصيرة جدا، نظرا لتقارب جغرافية العالم عبر وسائل التنقل الجوية وغيرها، عرفت الظاهرة نفسها انتشارا سريعا جدا وصل الى أوربا، وانتقل بعدها الى امريكا وروسيا، وافريقيا، محققا أسرع وتيرة انتشار عبر التاريخ لهذا الصنف من الظواهر (الفيروسات ذات التأثير السلبي على الصحة الانسانية). وعليه، فقد تميزت الظاهرة منذ بدايتها بالصفات الآتية: كونها "غير مسبوقة،" وذلك من حيث الطبيعة الجينية للفيروس، والسرعة التي ينتقل بها "عالمية،" وذلك بناء على كون الظاهرة تحمل طابع الانتشار السريع وبالتالي التأثير اللامحدود "غير قابلة للرصد" او "التصنيف السريع،" وذلك بناء على كون العالم قد عجز، رغم تقدم تكنولوجيته، أبحاثه، علومه، وارتفاع الميزانية التي رصدت لهذا الغرض، عن فهم الفيروس وتحقيق اي تقدم فيما يخص امكانية التصدي له. النوع: ويتعلق الامر هنا بنوع الظاهرة. أي، أنها ظاهرة وبائية-فيروسية تأثيرها المباشر يستهدف صحة وسلامة الانسان. أما بطلها فهو كائن فيروسي يستهدف خلايا الجسم، ويتركز على مستوى الجهاز التنفسي بشكل خاص. وانطلاقا من دراسات وأبحاث، تبين أن الفيروس يفضل الأغشية المخاطية الخاصة بالجهاز التنفسي (الرئة) على باقي اعضاء الجسم. حجم التأثير: وهو يتعلق هنا بنسبة الانتشار بشكل عام، وبنسب الضرر التي تُلحقها الظاهرة الفيروسية بالمرضى المحتملين الذين تمسهم العدوى. وعليه، فان الخارطة الدولية و الجدول الاحصائي الخاص بمنظمة الصحة العالمية يوضحان بشكل جد دقيق نسبة انتشار الظاهرة حسب البلدان حول العالم، وذلك تبعا لنسبة الاحصائيات الواردة عليها. البيانات اسفله، بتاريخ 17/13/2020 توضح العديد من الزوايا الخاصة بالمعطيات المتعلقة بنسبة انتشار وتأثير الظاهرة، وربما حتى قراءة ممكنة في الافاق المستقبلية له: ردة الفعل: تميزت ردة الفعل المتعلقة بالانتشار الواسع والسريع للظاهرة، بالعديد من الاجراءات الاحترازية التي اتخذت من طرف جميع الدول والحكومات حول العالم، بعد صدور التقارير الاولية المتعلقة بالحالة الوبائية في المدينة الصينية ووهان، ومراقبتها من حول العالم من طرف الناس ومنظمة الصحة العالمية وغيرها من المؤسسات. وأولى هذه الاجراءات كانت هي فرض حِجْر شمل، تقريبا، كل بلدان العالم، مع مرافقته بعدد من الالتزامات والاجراءات التي كان الدافع وراءها الحد بشكل عام ومطلق من حركية سكان الارض، وبالتالي الحد من انتشار الوباء بين الناس. الاثر الناتج: إن الأثر الذي نتج عن ظهور الفيروس، والذي نتجت عنه عملية فرض إجراءات تراعي الصحة العامة بشكل اساسي، كان لها، لحد الآن فقط، أثر بالغ من حيث التغيرات الطارئة التي شملت العديد من القطاعات لم يتم ابدا توقعها. ومن بين أبرز ما تم ملاحظته وتسجيله هو ظهور ردود فعل "نفسية،" بالدرجة الاولى، ولدت إحساسا ب "الخوف" نتج عنه بروز ردود فعل: شخصية، عائلية، قبلية، مجتمعية، وطنية، اقليمية، ودولية. وبالتالي، تم المس بمنحى تطور وتدفق صبيب قطاعات سائرة نحو نمو ذي وتيرة محددة، مدروسة، وشبه متحكم فيها، مثل: القطاع الاقتصادي، والثقافي/المعرفي، والسياسي. وقد تعددت طرق وأساليب التعاطي مع مشكل الخوف/الرهاب الناتج عن إمكانية فقدان الحياة، كما تعددت سبل التعامل معه، بالنسبة للبلدان والحكومات على اختلافها، وذلك خوفا من فقدان حياة الأفراد والمصالح العامة، لكن تم في نفس الوقت المساس بقواعد واسس البنى السوسيو-اقتصادية بالدرجة الاولى، والتي تتحكم مباشرة في في بنى اخرى مثل التحصيل العلمي والبحث، التسيير المجمتعي وكل ما له علاقة بالسياسة وممارستها. وعليه، فإن التأثير النفسي كانت له تبعات، وهي؛ اي تلك الآثار، ذات طابع عالمي وليس محلي، جهوي، او اقليمي. الافاق المستقبلية: إن مسار التاريخ سوف يتغير حتما. فالعالم لم يعد، منذ الان واللحظة (اي يناير 2020)، ذلك المكان الذي قطع مع الأحداث الكبرى التي تقلب الموازين الأنطولوجية رأسا على عقب، والتي، نظرا لتباعد ازمنة حدوثها تاريخيا، كان قد تم اعتبارها شبيهة بخرافة تاريخية لم يعد لها مكان في زمن التكنولوجيات المتطورة والحواسيب والآلات العجيبة. فمنذ الانفجار الكبير مثلا وافتراضا، سقوط النيزك المدمر الذي انقرضت بسببه مجموعة من أنواع الكائنات (حسب بعض الدراسات)، وحدوث وقائع تاريخية حقيقية مثل انقراض واختفاء أقوام وقرى مثل قوم نوح عاد، ثمود، وغيرهم، ونزول الأنبياء (سيدنا عيسى ومحمد صلى الله عليه سلم)، عادت، تاريخيا، إلى الأذهان، وبشكل عملي الآن وليس فقط سردي تاريخي قابل للشك فيه، فكرة إمكانية انتهاء الحياة على وجه الأرض بناء على حدث عظيم. وهذه الظاهرة، أي الحدث المتعلق بالفيروس، أيا كانت تسميته، وذلك نظرا لكون الذي يهم الان، وحسب هذه الدراسة، هو حجم تأثيره وليس النوع، الشكل، أو حتى المصدر، فهو يتصنف، وجوبا، ضمن خانة الظواهر الخارقة الكبرى التي غيرت تاريخيا، مجرى الزمن، والتاريخ، والحساب، وكل ما يتعلق بالإنسان ككائن عاقل تؤطره، زمنيا، مجموعة من الأحداث التي لا يمكن، كيفما كان الحال، تغاضي النظر عنها، كأسس ومعطيات انطولوجية/سيكولوجية تدخلت بشكل واضح وفعال في صناعته، قلب مفاهيمه، وعكس منحى تطوره؛ أي تشكل ذاته الفردية والجمعية، ولازالت. محاولة إعادة تعريف الظاهرة وتصنيفها ضمن الأحداث التاريخية المشابهة: إن ظاهرة اجتياح فيروس مَرَضي/مُعدي للعالم فرض، قسرا، صدا لجميع الأبواب، بما في ذلك مداخل ومخارج أعظم المراكز الحضرية العالمية التي كانت، حتى البارحة، تعتبر من "التجمعات الإنسانية" التي يستحيل إيقاف عجلة دورانها وتطورها، لهو حدث أعظم مما يمكن أن يتصور؛ وهذا يستدعي منا، بشكل عاجل، محاولات لفهم الظاهرة بشكل عام. فحتى آخر لحظة، لم يكن العالم بإمكانه أن يتصور (يتخيل) أنه بالإمكان الحد من التدفق البشري، والسلعي، والمعلوماتي، بالشكل الذي حدث ونحن لازلنا نعيشه يوميا، ولحد الساعة. بلغة أخرى، لقد توقفت ساعة العالم، وتعطلت جميع الانظمة والمخططات، وانقلبت المعادلة الإنسانية المتعلقة "بالتطور،" كتوجه، رأسا على عقب. وهذا يعني، إن كان يعني شيئا واقعيا وملموسا بالطبع، أن التاريخ الإنساني قد توقف للحظة، وهو، حتى ساعة كتابة هذه الأسطر، مازال واقفا مشلولا غير قادر على إعادة ركوب الموجة التي كلفته قرون وألفيات لبنائها وتحقيقها. إنها ساعة حاسمة حقا، وأي تأويل غير هذا، لن يكون واقعيا بما يكفي لكي ينقل 'الصورة الحقيقية' التي صار يعبر عنها عالم مشلول دخل غرفة المستعجلات بأكمله وما فيه وهو الآن بصدد حقنه داخل غرفة طوارئ لعله تمتد حياته أطول، وينهض ويسترجع بعض قواه، التي يبدو أنه قد فقدها للأبد (هذا الأمر يجب التركيز عليه)، وذلك على أساس أنه لن يكون أبدا ذلك العالم الذي كان من قبل: فحالة الخوف، والهلع، والترصد قد حققت مستويات عالية جدا ولامست منحنياتها السقف، أما حالات المرض، والفقدان، والتدهور، والتراجع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، قد كانت وهي لا تزال متدنية بشكل ينبئ بأن الوضع كارثي بكل المقاييس. ومن أجل فهم أعمق، وفي نفس اللحظة والحين، مبسط وميسر للظاهرة، نقترح عودة تاريخية الى المحطات الكبرى المشابهة للظاهرة قيد الدرس والتحليل، والتي شهدتها الإنسانية على مر العصور: إن من بين أولى القصص والحكايات التاريخية، التي سبقت ما يتذكره الانسان الحاضر وتتعلق بأزمات حادة مرت عبرها الانسانية، نجد: 1- بداية الخلق (وهي موصوفة في كتاب الوحي القرآن الكريم)، 2- الانفجار الكبير (حسب رؤى وزعم العلم الحديث؛ وهي مقابلة لقصة بداية الخلق حسب التصور الأساسي القرآني)، 3- سقوط جرم نيزكي وتغييره الجذري لمعالم وجود مظاهر الحياة الأولى على وجه الارض (حسب توقعات الابحاث والدراسات العلمية التي تبحث في تاريخ واصول الحياة الاولى على سطح الارض). اما النوع الثاني من الأحداث العظيمة التي طبعت تاريخ الوجود الإنساني بشكل عام، وهي تؤطر أي تأويل وجودي انطولوجي، فإننا نجد ثلاثة أنواع أخرى تتعلق بالتأثير الشمولي للعارض، أو الظاهرة، على المجتمع الانساني، وهي كالاتي: أقوام أصابتهم مصائب كبرى فبادوا ولم يعد لهم أثر أقوام أصابتهم مصائب وازمات حادة، لكنهم لم يَبيدوا أقوام تأثروا فقط، من بعيد، واستخلصوا، او لم يستخلصوا، العبر وفيما يخص الحالات الثلاث الأخيرة، فإننا نجدها مذكورة ومعدودة في القران الكريم على شكل قصص تحكي أحداث ووقائع شهدها أقوام (اطلق عليهم إسم القرى) وقد تركت فيم، كما في غيرهم، أثرا بالغا بقي التاريخ يضرب بهم المثل عند كل محطة تاريخية حاسمة في حياة الخلق أو الخليقة (كيفما اريد فهم ذلك). ومنهم نذكر: قوم نوح، قوم لوط، قوم هود، قوم عاد، قوم ثمود، قوم شعيب، قوم صالح، قوم فرعون، أصحاب الفيل، وغيرهم من الأقوام (القرى) الذين بادوا. وإلى جانبهم نجد أقواما آخرون لم يبيدوا لكنهم شهِدوا أزمات تاريخية حقيقية مثل قوم موسى، وقوم عيسى، وقوم النبي محمد صلى الله عليه وسلم. فما حدث مع سيدنا موسى عليه السلام، وسيدنا عيسى وحدث نزوله ورفعه إلى السماء، وقصته مع حوارييه وأعدائه، وقصة مجيء النبي محمد بالرسالة وصراعه مع باقي الناس والممالك من أجل تبليغ الرسالة، قد كان لها تأثير عام على البشرية جمعاء من حيث قلب موازين القوى الوجودية بشكل كامل وعام. ومن ثمة، يتبين أن الأحداث المذكورة، الخاصة بالأقوام، أو تلك الخاصة ببدايات الخلق وقلب موازين الحياة فوق الأرض، هي، من حيث الأثر الناتج عنها، تاريخيا، وقائع تهز أركان الحياة الإنسانية رأسا على عقب. وفي إطار الزمن القديم، لقد خلخلت كلها موازين القوى والحياة التي كانت تعتبر، هي كذلك، تحصيل حاصل طبيعي آنذاك، والتي يتبين أنها تنحصر في قوم أو أقوام معينين، لكننا يجب أن نفهم ونستدرك على أنهم كانوا العالم آنذاك، وذلك بناء على كون العالم الحالي لم يصر قرية إلا من خلال الإمكانيات التقنية التواصلية التي قزمت حجم العالم وجمعته في نفس الوقت، بينما العالم في الماضي تشكل من قوم ومن يدور في دائرتهم الجغرافية. والخلاصة التي يمكن أن تستفاد من مثل هذا التذكير، هي كالآتي: لقد سلط الله سبحانه وتعالى، بتأكيد منه في القرآن الكريم، أن مجموعة من القرى (المجتمعات) قد تسلطت عليها ظواهر طبيعية مختلفة ومتنوعة كنوع من الحدث المنبه لهم أو لغيرهم بعدهم، الذي قلب الوضع الإنساني عامة، إن على مستوى الأزمنة الغابرة أو التاريخ عامة. ومنها نجد ما يلي: "الغرق والطوفان،" "الريح،" "الصيحة،" "الحاصب (الحجارة)،" "الخسف،" "الجوع والعطش وضيق الارزاق،" "الخوف وتسليط الأعداء والذل وكثرة القتل والحروب،" "المسخ،" "الأمراض والبلايا والطواعين مثل: الفيضانات، الأعاصير، الزلازل، البراكين، الحشرات، آفات الزرع، الدم، القمل، الضفادع، والرجفة." وهي، وغيرها كثير، كلها مذكورة بالدليل، أما الآثار المتعلقة بما ذُكر فقد تم اكتشاف معظمها عبر الدراسة، والبحث، والتنقيب، وإعادة بناء وتصور الحدث باعتماد تقنيات عالية جدا. وهذا يعني، من ناحية معينة، أن الإنسانية قد شهدت أحداثا مشابهة لحدث انتشار فيروس كوفيد 19 (COVID 19)، الذي نحن لازلنا مهددين يوميا بانتقال عدواه إلينا، ومحصنين في بيوتنا، مجتمعاتنا، دولنا، قاراتنا، وعالمنا، منه منذ أكثر من شهرين، ولا نعلم إن كان سوف ينجلي أثره مع بزوغ شمس هذا الصيف الحارة والاجرائية الاحترازية التي تم اتخاذها، أم أنه صار ملازما لنا وسيعود مع أول دورة خريفية قادمة (رغم ان الاحصائيات الدولية كانت لحد الآن مبشرة لحد ما فيما يخص تأثيراته، وإمكانية إيجاد لقاح ضده). مصير ومآلات عالم ما-بعد كورونا في إطار التصور التاريخي الذي تم استحضاره أعلاه، نعيد التركيز على نقطة واحدة، وهي: أن الحدث، من حيث الطبيعة، والشكل، والتأثير العام: مشابه تماما لأعظم الأحداث الطبيعية التاريخية التي غيرت مجرى التاريخ. وعودة إلى أصول حكاية الخلق الأول، ومنذ خلق (الأرض)، والانفجار العظيم، حسب الدراسات والأبحاث العلمية، ونزول آدم من الجنة، وسقوط النيزك المدمر للحياة على الأرض (دائما هنا حسب رواية البحث العلمي)، وتعرض مجموعة من القرى، أي المجتمعات الكبرى التي سادت، خلال أزمنة غابرة، فوق الأرض وكان لها أثر عظيم، مثل: عاد ذي الأوتاد، وثمود الذين جابوا الصخر بالواد، والفراعنة ذوو الحضارة الأهرامية العظيمة، وغيرهم كثير، إلى الهلاك، نجد أن ما أحدثته ظاهرة انتشار الفيروس الحالي مشابه تماما لمثل تلك الأحداث ويتصنف من بين أحد أعظمها كذلك؛ نظرا لما كان له من تأثير عام على الحياة الانسانية فوق الارض وربما ما سيكون له. إن بدايات القرن الواحد والعشرون، قد دخلت بوابة التاريخ من أوسعها عير هذه المحطة الوبائية. بمعنى آخر، إن "الانسان المعاصر،" أي الكائنات الما-بعدية للقرن العشرون، قد أدخلتها الظاهرة موسوعة الأقوام الذين شهدوا أعظم الأحداث التاريخية، وعلينا منذ اللحظة ايجاد اسم فعال يضمن لنا مكانة بين الاقوام، وحتى وان لم نفعل، فان التاريخ لن يرحمنا وسيكتب عنا، ان كان هناك تاريخ طبعا، ويعطينا إسما يتماشى ونوع اللحظة التي شهدناها وعشناها. لقد تحول الانسان، بظهور فيروس قاتل، فتاك، سريع الانتشار، وغريب الطبيعة وميكانيزم ونظام اختراق جسم الانسان، الى كائن سجين حبيس جدران البيوت. ومن بعد ما كان كائنا اجتماعيا، طليقا، حرا، ولا يمكن تصور إلى أي حد وصلت علاقاته، ارتباطاته، تنقلاته، اتصالاته، معارفه، وتعاملاته، صار، في رمشة عين، كائن خائف، حزين، ووحيد يطالب بمبدأ "النفور من الغير،" "التباعد الفيزيقي،" الذي أدى حتما إلى "تباعد اجتماعي" نتج عنه مجتمع إنساني جديد، متفكك، تسوده علاقات الفزع، الرهاب، الحذر، التوثر، وعدم ضمان الحياة لمدة تزيد عن خمسة عشرة يوما على أبعد تقدير. لقد تحطمت، وتهدمت، وتراجعت، وأغلقت أبواب أعتى الأنظمة الإنسانية اجتماعا مثل المدن، والمؤسسات، والشركات، والانظمة، والعلاقات. لقد صدت أبواب كل من لوس أنجيليس، نيو يورك، واشنطن، لندن، باريس، فيينا، ميلانو وروما، برشلونة، موسكو، بومباي، جاكارتا، ميكسيكو، بريتوريا، برازيليا، كاراكاس، نيوديلهي، أثينا، بيكين، كوالا لومبور، برلين، طوكيو، جاكارتا، وبانكوك، والكثير من العواصم الاخرى، أبوابها. لقد تم احتجاز ساكنة الأرض، من خلال حضر عام للتجوال حول العالم، داخل البيوت والمنازل. فتم تعطيل وتجميد حركة جميع أنواع وسائل النقل بين المداشر، القرى، المدن، الدول، والقارات، فتوقفت بذلك حركات النقل الجوية، والبحرية، والبرية معا في شكل غير مسبوق. كما تم ايقاف العمل في العديد من المصانع، والمعامل، والشركات، والمحلات التجارية، والمقاهي، والمطاعم، وبالتالي، البورصات العالمية مثل "وول ستريت وغيرها." لقد توقفت معها حركة انتاج الذهب الاسود، النفط، وغيره، فتراجعت ارصدة ومداخيل اغنى الانظمة الرأسمالية بما فيها الدول، والحكومات، والأبناك، والمؤسسات، والافراد. انها، بشكل اخر، موجة جزرية (من الجزر) امتدت الى أعمق مستويات الحياة الاجتماعية الإنسانية، وضربت بقوة أسس النظام العالمي الانساني المزعوم، والمبني على مبدأ: أبدية الحياة الطبيعية فوق الأرض. فالظاهرة قد اعادت، بشكل ما، الثقة للإنسانية في مبدأ "الشك المطلق" في جميع ما يمكن ان نسميه ب "الثوابت الانسانية" التي لا ترى الانسان والحياة على البسيطة الى من خلال ميكروسكوب حدوده الضباب الماطر فوق رأسه، أو قشرة وغلاف الأوزن الذي لا تصله، على أبعد تقدير، حتى الطائرات المحلقة يوميا في فضاء الارض. بشكل آخر، لقد عادت ساعة العالم إلى الدرجة الصفر. فبخضوع ساكنة المعمور للحضر، ومنعها من التجوال، وصد أبواب جميع أنواع الإدارات، والمؤسسات، والشركات الصغرى والكبرى (الا تلك المتعلقة بإنتاج وتوزيع المواد الاستهلاكية الأولية)، وتقليص عدد المستخدمين بتلك التي بقيت تعمل منها الى أقصى حد ممكن، وإرسال تلاميذ المدارس، وطلاب الجامعات والمعاهد، الى البيوت، بقيت المستشفيات وحدها تعمل. فتحول العالم الى "مسرح استشفائي" كبير تتحرك فيه، وعبره، سيارات الإسعاف، ونسبة معينة من الامن، والمستشفيات، بما فيها من أطباء وممرضين واداريين. هكذا حولت الظاهرة الأرض الى مستشفى كبير لا يُرى فيه أثر للذبيب الانساني المعتاد، ولا تسمع فيه إلا صافرات سيارات الاسعاف، ونقل الموتى، والامن، ونواح المرضى، والخائفين من الموت، والغير قادرين على فهم واستيعاب ما يجري حولهم في العالم. بلغة أخرى، وربما أشد قسوة، لقد استفاق العالم، غداة انتشار الفيروس بشكل عظيم: "على عالم جديد وجد الانسان فيه نفسه مجرد طفل." إنه عالم لم يكن الانسان، حتى في أبهى وأعظم تخيلاته، قادر على أن يتصوره. إنه عالم فند أطروحة كون محرك وقاطرة هذا "العُويلم" الصغير لا يستطيع أحد ادارة مفاتيحه بشكل عكسي، أو ردع تقدمه المشبوه الذي كم تغنت به تهاليل الابداع الإنساني واناشيد التطور. بمفهوم خالص، وخال من جميع انواع الايديولوجيا، والتأويل: "لقد دقت ساعة الصفر كما لم يسبق ان تنباها أحد غير الانبياء والمرسلين." لقد تم دحض وتفنيد أطاريح عديدة بظهور هذا الشكل من الوجود الجديد، الغير متوقع، ومن ناحية أخرى، غير المسبوق. فالإنسانية، رغم كل ما حدث، لم يسبق لها أن شهدت حدثا مثل هذا من قبل. أي بمعنى أنه حدث فريد كان باستطاعته بعث حوالي 6 مليار نسمة إلى البيوت، وتعطيل الحركة بشكل تام حول العالم، وتحقيق ساعة صفر في عالم الانسانية المتحرك، المتجدد، والمتطور كما تم فهمه عبر التاريخ. إنه حدث عظيم لا محالة، وأي محاولة لمقاربته، سواء في القريب العاجل أو على المدى البعيد، يجب أن تأخذ بعين الاعتبار الطبيعة الغريبة، ويمكن القول الخطيرة، للحدث الغير منتظر، والذي ظن العديد أن نوع الوجود الحاضر قد قطع معه. فالتجمع الإنساني الحداثي الحاضر، الذي حظرته الظاهرة وشلته بما هو عليه من عظمة واتساع، يجب فهمه، قبل أي شيء كان أو نوع من التأويل، بشكل عام، وفي إطار تصور تاريخي/زمني عام، ومن أجل استخلاص العبر الاكثر اهمية ومعقولية، على أنه: "عويلم صغير جدا، ومهدد في أي لحظة بالزوال." وذلك ما يشرع الباب أمام نوع من الفهم والتأويل الذي يجب أن ينصب على بحث ومدارسة قضايا تتعلق جميعها ليس ب "اللحظة الوجودية الآنية ومشاكلها،" بل، كما جيء في الكتب المنظرة والمؤسسة لهذا التصور، ب "اللحظة الما-بعدية الماورائية للحظة الوجود الحالي التي تنطلق من ساعة الصفر المرتقبة، والتي أعادتها ظاهرة الفيروس الفتاك الى الأذهان والواجهة، فما فوق." وهو، كما أظن شخصيا، سؤال وجودي سوف يعيدنا الى المباحث الميتافيزيقية الأولى التي ظننا أننا قد قطعنا أشواطا بعيدين عنها، كانطلاقة حقيقية نحو فهم ماورائي لمآل الواقع المادي كظل، وليس كجوهر وأساس "للحقيقية المادية" المطلقة التي، وللأسف، لم يستطع اغلبية العظماء وغيرهم من استيعابها، وربما لن يستوعبوها حتى في يومنا هذا ويستخلصوا العبر رغم أن "النواقيس الدالة، هندسيا، عليها قد دقت." *أستاذ التعليم العالي بجامعة محمد الأول، الكلية المتعددة التخصصات بالناظور