أحسن جملة يمكن أن تلخص وضع الصحافة في بلادنا هي "أحسن صحفي مغربي تتم مجازاته بالسجن"، ففي بلادنا كل شيء يسير عكس التيار، من يكتب عن هموم الشعب يكون مصيره السجن، ومن ينهب أموال الشعب يترقى في المناصب سنة بعد سنة.. عندما اعتقل رشيد نيني في شهر من السنة الماضية، ارتفعت الأصوات المطالبة بإطلاق حريته قبل أن تنطفئ بشكل فاضح، وحدها جريدة المساء لم تنسى مديرها المؤسس، وبقيت تضع صورته على صدر صفحتها الأولى، بينما انصرفت باقي الصحف إلى تغطية أخبار بنكيران ومزوار وباقي وجوه حكومة ليس لها من تسيير شأن المغاربة إلا الجزء اليسير، ليأتي التقدير من منظمات من خارج المغرب كتلك المنظمة الهولندية التي قدمت جائزتها السنوية "القلم الحر" لرشيد نيني في وقت تشتت فيه الجسم الصحفي بالمغرب وصار كل واحد "يلغي بلغاه".. من كان ينتظر من الحكومة الملتحية أن تقوم بشيء كبير في قضية رشيد نيني، فهو واهم، لأن هذه الحكومة حتى ولو كانت صادقة ولها نية الإصلاح، فهناك ملفات بعينها لا اعتقد أنها تستطيع تحريكها، ومنها ملف اعتقال الصحفيين الذين يشكلون حجرة عثرة أمام الكثير من الفاسدين في المغرب ممن يرون في الصحافة كابوسا يعريهم أمام أنظار الناس، لذلك لا يمكن تصديق وعد الرميد مؤخرا بأن عهد "بهدلة الصحفيين قد ولى"، فخير البر عاجله، ولو صدق الرميد في ما يقول، لكان رشيد نيني أول الخارجين من هذه البهدلة، وذلك بإعادة المحاكمة وخروج بالبراءة وليس بعفو ملكي.. لماذا ليس بعفو ملكي؟ لأن رشيد نيني ليس بمجرم، كي ينتظر هذا العفو، وليس بقاتل لينتظر مناسبة دينية أو وطنية للخروج معتذرا عن ما قام به، رشيد نيني هو صحفي أحبته فئات كبيرة من الشعب المغربي بفضل كتاباته الواضحة و عمود رأيه الذي تحول إلى عادة يومية لا يغفلها الكثير من القراء، وما اعتقل بسببه كان يمكن أن يشكل حافزا لإجراء تحقيق نزيه في البلدان الديمقراطية، غير أنه في المغرب، قد يحاكم الإنسان إذا أشار لمكان الداء عوض أن يتحقق القائمون هل هذا الداء موجود أم لا.. رشيد نيني لا يحتاج للعفو، لأن كلمة العفو فيها الكثير من الشفقة، ويمكن أن تشفق على أشخاص يظهرون أنهم استفادوا من الدرس وقد لا يعودون إليه مستقبلا، فما هو الدرس الذي على نيني أن يتعلمه؟ هل يتوقف عن كتابة أشهر عمود صحفي في تاريخ المغرب؟ هل يتوقف عن الإشارة للمفسدين وفضحهم؟ هل يتوقف عن إزعاج عباس الفاسي وبنكيران ممن وعدوا بشيء قبل الانتخابات وصرحوا بعكسه بعدها؟ لذلك لا اعتقد أن نيني سيتعلم هذا الدرس، لأن الرجل بقي وفيا لخط كتاباته منذ سنوات، ومن يعرف رشيد نيني، يعرف أنه وفي لقناعاته ولمبادئه ومن الصعب جدا أن يغيرها.. وحتى من يتكلم عن العفو بحق رجل حكم عليه بسنة نافذة قضى فيها ما يقارب 282 يوم، يسيء للصحافة أكثر مما يدافع عنها، كم بقي أصلا من هذه المدة لكي يتم إصدار هذا العفو؟ الرجل اقترب من إنهاء مدة سجنه المحكوم عليه بها، ولم يتبقى له سوى 3 أشهر تقريبا، لذلك فكل من يتحدث عن العفو بحق نيني، عليه أن يعلم أن حديثه هذا يضعه في واحدة من المرتبتين:إما أنه يتحدث بحسن نية، لكنه اختار الطريقة الخطأ للدفاع عن الرجل، وإما أنه يتهكم على الصحفيين الصادقين ويحاول أن يظهر أنه مهما علا نجم الصحفي، فالسجن هو مآله والعفو هو محرره... وضع الصحافة ببلادنا في خطر حقيقي، المغرب يتراجع سنة بعد سنة ليستقر مؤخرا في المرتبة 138 عالميا بشأن حرية الصحافة والتعبير، الكثير من المؤسسات الإعلامية تقفل ويشرد من يعمل فيها، محاكمات بالجملة، طرد تعسفي لعدد من الزملاء، غرامات مالية ثقيلة تنتظر الكثير من مدراء الصحف، سوق قراء ينحسر يوما بعد يوم، كل هذا يظهر أن الصحافة للأسف تحولت في بلادنا من مهنة متاعب إلى مهنة قد تلقي بممتهنها إلى التهلكة.. [email protected] https://www.facebook.com/ismailoazzam