تعد الرواية، والأدب عموما، بما في ذلك الأدب الشفهي، وثيقة تاريخيّة تلعب دور التأريخ لأحداث وشخوص وأمكنة وأزمنة متعددة. فكثيرة هي الأعمال الأدبية التي أرخت لأحداث كبرى، ولسيرورة تطور المجتمعات. فعلى سيبل المثال، لا يسعنا هنا إلاّ أن نُذَكِّر بتجربة الكاتب العالمي محمد شكري الذي استطاع التأريخ في مستويات عدة من أعماله الأدبيّة، خاصة في الجزء الأول من سيرته الذاتية "الخبز الحافي"، لما عاشه الريف مثلا من أحداث ولظواهر ووقائع اجتماعية، كما هو الحال بالنسبة لما يسميه ب "هجرة المجاعة الريفيّة" نحو الشرق (الجزائر)، وبعض المدن الداخلية المغربية، خلال فترة الأربعينيات من القرن الماضي، كطنجة وتطاون، على غرار عائلته وأسرته، وأُسرٍ ريفية أخرى هاجرت من الريف في هذه الفترة إلى المناطق المذكورة، لا سيما بعد انتهاء الحرب الأهلية الإسبانيّة وما تلاها من توالي سنوات القحط والجفاف والمجاعة. فضلا عن أحداث وشخوص أخرى أرخ لها محمد شكري، خاصة خلال سنوات الخمسينات والستينات في المدن الشمالية، كأصيلة، والعرائش، وأساسا طنجة وتطاون. "أبواب الفجر".. ما وراء السطور رواية "أبواب الفجر"، وهي من تأليف مصطفى الورياغلي، تتضمن 254 صفحة، يمكن اعتبارها إلى حد كبير رواية تاريخية بامتياز بحكم أنها تتحدث-تؤرخ في قالب أدبي وإبداعي متميّز لجملة من الأحداث عبر سيرورة تاريخية يحكمها نسق زمني وسردي، وتخص تاريخ منطقة الريف خلال فترة نهاية القرن التاسع عشر من القرن الفائت وبداية القرن العشرين. من جملة القضايا أو الظواهر التي تطرقت لها الرواية المذكورة، فضلا عن الأحداث التاريخية، نذكر على سبيل المثال ظاهرة "الثأر" التي برزت في المجتمع الريفي، وكذا الصراع القبلي الذي شكل سمة ميزت بعض اللحظات التاريخية. يقول مصطفى الورياغلي في هذا الصدد: "الحذر واجب لأني تعلمتُ أن الدم المهراق لا يجف، وبعض الجروح لا تندمل"، ويضيف: "كل قبيلة تعادي جارتها وبينهما أحقاد وثارات قديمة وحديثة. وكل قبيلة تمزق فرقها العدوات". علاوة على ذلك، ف"أبواب الفجر" تتناول طبيعة الأعراف والعلاقات الاجتماعية السائدة وسط بعض قبائل الريف، خاصة وأن القرن التاسع عشر شهد تقلبات ومخاضات وأحداث داخليّة وخارجية كان لها أثرها على المجتمع. إضافة إلى إشارتها إلى مكانة الزاوية الخمليشيّة ببلاد الريف، وكذا مظاهر الحياة الاجتماعية والعلاقات داخل الوسط الأسري متعدد المكونات، حيث إن الريف كان يتميز بوجود نموذج "الأسرة الممتدّة" كما يسميها علماء الاجتماع الأسري، وأيضا احتفالات المواسم، والزواج أو المصاهرة كوسيلة لخلق تحالفات بين القبائل (نموذج شخصيّة الطاهر، اللاجئ، الذي تزوج من قبيلة إبقوين وأيت ورياغل سعيا لتعزيز وتقوية موقعه ومكانته وخلق تحالفات قوية بالنظر إلى ما كانت تتطلب الظرفية آنذاك). يوميات صحافي مغامر على غرار الحوليّات والمذكرات، التي تعتبر من الوثائق المهمة على مستوى التأريخ والتوثيق، نجد أن اليوميات أيضا تعد من بين هذه الوسائل التي تحمل بين ثناياها عناصر وثيقة تاريخيّة تساعدنا على المعرفة والفهم والقدرة على قراءة الأحداث. في هذا الإطار تندرج يوميات صحافي إسباني يعمل بصحيفة "لابنغوارديا" ببرشلونة، كما ورد في رواية "أبواب الفجر"، وهي اليوميات التي تؤرخ وتحمل تفاصيل رحلة الصحافي الإسباني المتخصص في "مواضيع السياسة الخارجية لاسبانيا"، الذي قدِم إلى الريف قصد متابعة ومواكبة الأحداث المتسارعة عقِبَ الحملة العسكرية الإسبانيّة ضد قبائل الريف سنة 1893، التي تعرف عادة ب "حرب سيدي ورياش". الرحلة انطلقت من مالقا ومنها إلى السواحل الريفية، وتحديدا ميناء مدينة مليلية التي وقعت بمحاذاتها هذه الحرب التي حشدت لها إسبانيا قوتها العسكرية والحربية. يقول الكاتب مصطفى الورياغلي: "كان المرفأ يعج بكل أنواع الجنود، والجميع منشغل بنقل السلاح، والعتاد الحربي، والمؤن التي أفرغتها السفن المتتالية. اتخذنا، نحن الصحافيين المرافقين سبيلنا بصعوبة في زحمة الميناء، وأخذنا نصعد درجات السلالم المفضية إلى المدينة المتربعة فوق أعلى صخرة". ومن جملة ما تحمله هذه اليوميات التي تخص هذا الصحافي الذي جاء من الضفة الأخرى لتغطية فصول الحملة الإسبانيّة ضد قبائل الريف، نقله وتدوينه ووصفه للحرب التي انطلقت في أكتوبر 1893، وخلفت خسائر كبيرة وسط الجنود الاسبان، حيث قُتِل الجنرال "مارغايو"، في مقابل صمود "المُورُوسْ" وحصارهم مدينة مليلية لوقت طويل. يذكر الصحافي الإسباني في يومياته ما يلي: "انتهى جحيمنا في اليوم السادس والعشرين من نوفمبر عام 1893، شهرا بعد بداية حصارنا في حصن "كابريراس"، لكن القتال بين جنودنا ومقاتلي الموروس لم يتوقف إلاّ بعد انصرام شهر آخر، وبعد أن اضطرت الحكومة الاسبانية إلى إرسال تعزيزات عسكرية كبيرة (...) ولم نكن نعلم يومئذ أن تلك الأحداث لم تكن إلا مقدمة لأحداثٍ جسام سيهتزُّ لها العالم أجمع، وسأكون، مرة أخرى شاهدا على كثير من فصولها". ص 72. هكذا كانت هذه اليوميات شاهدة على فصول حرب ستمهِّد لما بعدها من أحداث وتطورات متسارعة. حملة بوشتى البغدادي لا يمكن أن نتطرق لفصول التاريخ الحديث لمنطقة الريف دون التطرق لما يسمى في المصادر والكتب التاريخية ب "حملة بوشتى البغدادي"، بحكم أنها تعتبر من المحطات التاريخية التي وشمت تاريخ الريف خلال نهاية القرن التاسع عشر؛ إذ مازالت الذاكرة الجماعية تتذكر جراح فصول تراجيديا "الحملة التأديبيّة" التي قام بها قائد "المحلة المخزنية" أو "محلة السلطان"، بوشتى البغدادي، حيث دبر مكيدة للفتك والغدر بقبيلة إبقوين- بقيوة. في هذا الإطار، وتبعا للسياق الزمني والنسق التاريخي الذي يشكل الخط الناظم للأحداث التاريخية التي تؤرخ لها رواية "أبواب الفجر"، نجد المؤلِّف يقول بخصوص هذه القضية: "قُتلوا جميعا. نُحِروا كما تنحر الخِراف، بلا رحمة ولا شفقة (...) كنت أرى الجنود يهجمون على الخيمتين الكبيرتين اللتين تتوسطان خيام عسكر محلة قائد السلطان، شاهرين خناجرهم في صمت متآمرٍ كالشياطين. ورأيت آخرين يحيطون بالخيمتين مصوبين فوهات بنادقهم، فإذا انفلت منها هارب بجلده، أطلقوا عليه النار وأردوه قتيلا. يحزون رؤوسهم ويلقون بها في أكياس من خيش تتسايل منها الدماء". وبجانب بوشتى البغدادي الذي قاد هذه "الحملة التأديبية"، لا بد أن نذكر شخصية أخرى سبقت البغدادي في مهمته القذرة هاته، وهي شخصية عبد السلام الأمراني، المعروف ب "بُوثمَّنْتْ"، اللذين قادا حملة "المخزن" بإيعاز من الدول الأوروبيّة ضد سكان قبائل ساحل الريف ممن كان يتعاطى ل "القرصنة البحرية"، وكان ذلك من بين شروط المعاهدات الموقعة بين السلطة المركزية وهذه الدول الأوروبية عقب "حرب تطاون" عام 1859-1860، و"حرب سيدي ورياش" عام 1893- 1894، وهي الأحداث التي زادت من الهزة بين القبائل الريفية والسلطة المركزية وخلفت جراحا أليمة مازالت آثارها تؤثث الذاكرة الجماعية. يقول المؤلف في هذا الصدد: "لا تظن أن تلك الحملة ستكون الأخيرة، فالسلطان لا بدّ أن يعيد الكرّة مرة أخرى. وعندما سألته عن السبب الذي يجعله متأكداً من تخمينه، قال: ماذا تسمون السلطة في بلاد المغرب؟ قلت: المخزن. قال: لقد اختصرتم السلطة بإدارتها وجيشها في كلمة تعني المكان الذي يخزن فيه المال أو البضائع أو الطعام". ص 81-82. غواية البارجة "كُونشَا" يتعلق الأمر هنا بسفينة إسبانيّة، من بين السفن التجارية والحربية التي كانت تلازم السواحل الريفية قادمة (إلى) أو ذاهبة (من) مليلية، أو حتى جزيرة "النكور" أو "بادس"، في اتجاه موانئ الجنوب الإسباني، وهي السفينة التي تاهت بسبب الضباب قرب الساحل، فأطلقت صفارتها طلبا للنجدة من البحرية الإسبانية الموجودة بجزيرة "النكور"، وهو أمر اعتاد عليه سكان ساحل الريف حيث كانت البوارج والفرقاطات الحربية تأتي إلى محاذاة الشواطئ والساحل لتطلق وابلا من الرصاص المدفعي لقصف المداشر والقرى القريبة، إلا أن حالة هذه السفينة تختلف بعد أن تاه بها المسار وسط الضباب وانتهى المطاف بمن عليها إلى الاستسلام بعد أن أوقع بها "سلام ولد الطاهر"، كما هو وارد في رواية "أبواب الفجر". يذكر المؤلف في سياق حديثه عن هذه البارجة ما يلي: "كانت فرقاطة حربية صغيرة من تلك التي اعتادت أن تجوب سواحل الرّيف بخفة، فتعترض مراكب المهربين من أبناء الريف الذين، تمتد تجارتهم إلى سواحل إسبانيا وجنوب فرنسا وجبل طارق، فتخضعها للتفتيش، وتصادر منها ما تحبّ، وقد تقود بحارتها إلى سجن الجزيرة إن ضبطت معهم تجارة أسلحة أو ذخيرة (...) تقترب من الساحل في صمت فيحصد رصاصها المفاجئ أرواح الناس والبهائم، ويتسبب في حريق المنازل والحقول. ثم تختفي سريعة وهي تزعق بصفارتها مثل عفريت يقهقه شامتا بالضحايا المولولين في البعيد". ومن أوجه "الحقيقة التاريخية" أو المعرفة التاريخيّة التي يقدمها هذا الفصل من "أبواب الفجر"، الجانب المتعلق بحقيقة المبررات التي كانت تقدمها إسبانيا، ودول أوروبية أخرى، بخصوص تعرض سفنها ل"اعتداءات القراصنة" بساحل الريف وما تعرض له الأخير من هجمات عسكرية و"حملات تأديبية"، كما هو حال "حملة بوشتى البغدادي"، في حين إن اعتداءات هذه الدول وهجوماتها على قبائل الريف لم تكن يوما موضوع محادثات أو احتجاجات أو فرض لعقوبات باعتبارها انتهاكات كانت تمارس في صمت في حق أهالي الريف. كما يتجلى أن المبررات والحوادث التي ظلت الدول الأوروبية تتخذها كذرائع لفرض شروطها من خلال معاهدات، لم تكن سوى مبررات بخلفيّة استعمارية ظلت هذه الدول تؤكد عليها قبل أن يُتَوَّج ذلك لاحتلال هذه المناطق بقوة الحديد والنار، وهي الفصول التاريخية ذاتها التي خلدت ملاحمها رواية "أبواب الفجر" حين سلطت الضوء عن "الحرب المجيدة" ما بين 1920-1926. الحب في زمن الموت في خضم الحرب والموت، وبين تناسل الأحداث والتقلبات وتسارع تطورها وسط المجتمع الذي لا تستقيم الحياة داخله بدون العشق والغرام باعتباره جزءً من الحياة الاجتماعية، يبقى السؤال: أي حب تبقى في زمن الموت؟ لقد انقلبت الأمور بين أسرة زوجة المقتول فداءً للحب، وأسرة العم بعد أن رفض الأخير تزويج ابنته لابن أخيه "قاسم". يذكر الراوي هنا: "الريح والموج، سرّ الحياة المتجددة، وبلسم الروح التي هدّها اليأس... أبي كان قد مات من أجل امرأة أخرى. فهمتُ ذلك دون أن يخبرني أحد. لستُ مثله. أنا لم أحب، ولن أحبّ سوى واحدة. شمس الضحى. بنت عمي الطاهر". أمام هذا الوضع، لم يكن أمام "العاشق" الكامل ولد قاسم، وبعد أن تسلل إلى العلاقات الأسرية ما تسلل إليها، سوى تعويض هذا الحب المفتقد، أو كما سماه "قصة عشق موؤود"، بعشق البحر، حيث كان الملاذ الذي آوى هذا الشاب، بعد أن بدأ يتردد على "جزيرة بادس" أو "الصخرة المحتلة"، قبل أن ينغمس في الحياة التجارية عبر القارب. "هكذا سكنتني فكرة التجارة. وجدت فيها نأياً بنفسي عن مشاكل العدْوتين، وتحقيقا لحلمي الأزلي بالسفر والمغامرة... صرنا نتنقّل بقاربنا بين أسواق الريف القريبة والبعيدة، وبين مرافئ جزيرتي بادس والنكور، ونادرا ما كان يمتد بنا السفر إلى مدينتي مليلية وسبتة". ص 16. هي أوراق إذن من سيرة أو قصة عشق لم تكتمل، لكنها تحمل بين ثناياها أوراقا تاريخيّة تؤرخ للوضع الاقتصادي أو التجاري كنشاط رئيسي كان يمارس في السواحل الريفية على البحر المتوسط عبر مرافئ أو موانئ يتم عبرها تبادل السلع من أثواب وشمع وزيت وحبوب وسكر وأسلحة... إلخ، و"كان التجار يربطون علاقات واسعة، تمتد إلى إسبانيا وفرنسا وألمانيا". التأريخ لوباء عظيم لا يقتصر السفر عبر هذه الرواية إلى عوالم تاريخ الريف من حيث هو أحداث ووقائع، أو علاقات اجتماعية وأعراف وطقوس، بل يمتد إلى التوثيق أو الحديث عن ما طبع حياة المجتمع. ومن جملة ما نجده في هذا الصدد بين ثنايا "أبواب الفجر"، التطرق لما ميز تلك الفترة من انتشار للأوبئة. يقول المؤلف في الصفحة 125: "سنة بعد هجرة العائلة إلى هذه البلاد، ابتليَ الناس بوباء عظيم. في لحظة ترتفع درجة حرارة الإنسان، وبعد يوم أو يومين، يلقى ربه وهو زائغ العينين، ذاهل عما حوله، يعاني من آلام لا يعلمها إلا خالقه. وتنتقل عدوى المرض القاتل بين أفراد الأسرة، وبين أبناء العشيرة، فيتهاوى الناس صرعى كالذباب". لقد كانت الأمراض الفتاكة والأوبئة التي احتاجت البلاد على مر السنين، مثل الطاعون والكوليرا والسل والتفوييد، سببا في الفتك بالمئات من الساكنة، لا سيما في ظل الأوضاع التي كانت سائدة آنذاك، من غياب للتطبيب وتوالي سنوات القحط والمجاعة. كما أن انتشار هذه الأوبئة والظروف ساهم في هجرة عدة مجموعات سكنية وقبلية إلى مناطق أخرى، كما هو الحال بالنسبة لأهل الريف الذين هاجروا إلى طنجة وتطاون وأحوازهما، وإلى اتجاهات أخرى. خوان خوسيه بيريث هو أحد موظفي إدارة الشؤون الأهليّة، عمل جاسوسا لصالح الإسبان، وكلف بتيسير التغلغل الإسباني وسط قبائل الريف بالاعتماد على الأعيان، كاستراتيجية اعتمدتها الإدارة الإسبانية لتسهيل مأمورية التمهيد للاحتلال. كان "خوان خوسيه بيريث" يقيم بجزيرة "بليث" المحاذية لساحل قبيلة إبقوين. قادته ظروف عمله إبان تلك الفترة إلى ملاقاة شخصيات ذات وزن في المشهد الإسباني والريفي، كما هو شأن الجنرال "سيلفستري". يذكر الراوي-خوان، في هذا السياق، ما يلي: "لم أكن غُفلا بين الناس في الأمر، كنت أملك أذن بطل المأساة ذاته. الجنرال مانويل فرنانديس سلفستري! رافقته عاما كاملا، لكن عوض أن أريه ما رأيت، بهرتني رؤْياه فألجمت لساني. كان إنسانا عظيما، يملك حلما لإسبانيا، إسبانيا العظيمة، ويسعى إلى تحقيقه". تخوض رواية "أبواب الفجر" للكاتب مصطفى الورياغلي من خلال شخصية "خوان" في تفاصيل خطة وعمل الإدارة العسكرية الإسبانية في إطار السياسة الاستعمارية لاحتلال الريف عن طريق ما يسمى ب"التقدم السلمي" عبر أعيان القبائل ودعمهم بالمال والسلاح من جهة، ومن جهة أخرى اعتمدت خيار الحرب بعد أن استنفد الخيار الأول مفعوله. لذلك، نجد الكاتب يقول على لسان الجنرال "سلفستري": "أيها السادة! قال الجنرال، وهو يفتل شاربه بحركة آلية، ويتفحصنا بعينيه المتّقِدتين: آن الأوان لتغيير كل شيء! ليس من سياستي التردد، والتوجس، ولا محاكاة السلحفاة عندما أقدِمُ على أمر". واضح هنا أن الأمر يتعلق بأوجه السياسة الاستعمارية الإسبانية تجاه منطقة الشمال عموما، والريف خصوصا، على مستوى التخطيط والعمل من أجل "شرف إسبانيا". كما أن الرواية المذكورة تحفل بسرد للتسلسل التاريخي لأحداث احتلال الثغور والمراكز أو المدن الريفية، كاحتلال جزيرة "بليث دي لاكوميرا"، والقصد بها جزيرة "بادس"، على يد "بيدرو نافارو" عام 1508، وجزيرة النكور على يد "أمير مونتساكرو" سنة 1673، و"جزر كبدانة" بعد الحملة التي قادها الجنرال "سيرانو" عام 1848، وصولا إلى حرب "سيدي ورياش" أو "الحرب الملعونة"، ثم بعد ذلك اندلاع حرب الريف بقيادة البطل ابن عبد الكريم الخطابي، مرورا بمعارك "إغريبن" و"أنوال" و"ادهار أوبران" وتوالي الهزائم العسكرية للقيادة العامة للجيش الإسباني، وبقية فصول القصة معروفة. هكذا استطاعت هذه الرواية أن تعكس شهادة-وثيقة تاريخية في قالب أدبي وإبداعي رفيع أرخت وكتبت فصولا من تاريخ منسي. هي إذن سفر في تاريخ الريف بانتصاراته وانكساراته وأحداثه وشخوصه. كما استطاعت "أبواب الفجر"، لصاحبها مصطفى الورياغلي، أن تعيد تركيب وقائع تاريخية بتفصيل وتدقيق مميّزين.