شاهد الجميع المغنية الأمريكية "جينيفر جراوت" وهي ترتل آية الكرسي، بذلك الصوت الشجي والجميل، الذي يبعث سماعه على الخشوع، ليس لأنه صادر عن مغنية أمريكية، ولا لأنه بصوت أنثى، لا أبدا، بل لأنه كلام الله عز وجل، بغض النظر عن رؤية حتى وجه من يتلوه ويرتله ترتيلا. فبمجرد الإنصات والاستماع إليه فقط، دون مشاهدة حتى صاحب أو صاحبة الصوت، تطرب له الأذن استحسانا. وفي إطار التسويق للإسلام والدين الإسلامي، تم التفاعل مع هذا المقطع بشكل كبير عبر وسائل التواصل الاجتماعي: واتساب، تويتر، فيسبوك، إنستغرام، المسنجر، اليوتيوب، ومختلف المواقع الإلكترونية وغيرها من المنابر، بل أكثر من ذلك، تجد من يصفق ويهلل ويطبل ويسبح مرددا: "اللهم انصر الإسلام والمسلمين". وآخر مندهشا ومستغربا يقول: سبحان الله! لكن يحق لنا نحن أيضا أن نتساءل: حينما تتضرع إلى الله لتطلب هذا النصر، ينصرك على من؟ وبماذا سينصرك؟ كيف ومتى سينصرك؟ أبهذا المقطع من مشهد فيديو تتم نصرة الإسلام والمسلمين؟ هل الإسلام في حاجة إلى هذا النوع من التسويق في السيناريو والإخراج الرديء والسخيف والتافه في الأداء؟ الأدهى من ذلك، سمعت أحدهم وهو يصف مذهولا ومشدوها ولسان حاله يقول: "والله لقد ازداد إيماني لما شاهدت هذه المغنية الأمريكية جينيفر جراوت ترتل القرآن، بل ازداد رصيد إيماني أكثر لما سمعت أنها قد أسلمت ودخلت الإسلام!.. يا سلام". وفي مشهد آخر، شاهدنا جميعا عبر مقاطع فيديو كيف كان آخر يصيح بأعلى صوته مرددا: الله أكبر! لمجرد رفع الآذان بمساجد هولندا وبلجيكا وإيطاليا، أثناء ظروف الحجر الصحي بسبب تفشي جائحة وباء "فيروس كورونا" المستجد، بل أحيانا توظف بعض القيم الإسلامية بشكل فيه نوع من السادية والعدوانية ضد الآخر، حينما توظف مقولة: "كنتم خير أمة أخرجت للناس"، بشكل فيه نوع من العداء للآخر، نعم خير أمة، ولكن يجب أن تكون خير قدوة للناس أيضا. لكن لماذا يسكننا نوع من الاستعلاء والاستقواء البشري على الآخرين؟ لماذا نتخذ بعض قيمنا الإسلامية من أجل التشفي والتفاخر والأبهة على شعوب وأمم أخرى؟ لماذا فهمنا الآخر في حين نحن مازلنا نبحث عنه؟ ونضرب لهم مثلا على ذلك، لما دخل الرئيس الصيني أحد مساجد المسلمين، هناك من فسر تفشي وباء "كورونا" بهذا البلد كرد فعل وانتقام من الله جزاء لهم عما تعرضت له أقليات مسلمة من إبادة جماعية في وقت ما على يد متطرفين. نتساءل كذلك حول الضمانات في صمود المغنية جينيفر وغيرها في البقاء على مبادئ وقيم الدين الإسلامي وأشكال التدين فيه؟ لربما بين عشية وضحاها يرتد هؤلاء نظرا إلى العجز وهشاشة القيم لديهم، فيصير كل ما بنينا عليه قوة ومتانة إيماننا مجرد وهم وشعار في التسويق للدين، الذي يرقى فوق كل هذه الأشكال والنماذج والصور. حينما نستحضر المرافعات العلمية والفكرية لعلماء وفقهاء الفكر الإسلامي، لنخجل من أنفسنا حقا. مرافعات تقوم على الإقناع في شرح وتبليغ مبادئ الإسلام والدين السمحة، وتبسيط ذلك المشترك في القيم بين الإنسانية جمعاء. من خلال نشر مبادئ التسامح والتعايش والتضامن والتكامل واليسر عوض العسر. المرافعة السوية التي تقوم على استراتيجية التواصل العقلاني والمنطقي مع الآخر، الذي يؤمن بقيم ومبادئ أخرى. وهنا نميز بين القدوة التي تبيع الوهم! والقدوة المزيفة! والقدوة المؤقتة أو المصلحية!. أما القدوة التي تستحق التقليد، فهي قدوة الحب والجمال، لأن الجمال هو أن نفعل الخير مع الناس، والحب هو أن نعيش في قلوب هؤلاء الناس. علماء كثر تناسيناهم وتجاهلناهم وقمنا بدفنهم ودفن إنتاجاتهم الفكرية والأدبية والفلسفية والعلمية، بقناطير مقنطرة من التهميش والإبعاد والإهانة والإهمال، وفتحنا الأبواب والطريق أمام أصحاب الفكر التافه والسخيف والخواء وكيان الهزيل والمنحط والرديء، وهذه القمة وغاية الإنكار من هذه الدنيا التي ليست بالمنصفة. لقد أصبحنا حقيقة فضيحة بين الشعوب والأمم وحكموا علينا بالغباء الفردي والجماعي، فلما يشاهد العالم الذي أصبح قرية صغيرة جدا، طرق تفاعلنا مع التفاهة والسخافة في الأفراد والجماعات والمؤسسات أيضا، فهو يدرك كيف من السهل أن تنطوي وتنطلي علينا الحيل. بل هناك من يكن الكراهية والعداء للإسلام والمسلمين، ويتربص فقط الفرصة من أجل ركوب الدناءة للإساءة إلى الإسلام، والذي يتفنن ويبدع في مثل هكذا أساليب، لزيادة وتكريس جرعة الغباء والبلادة فينا، من خلال صرف أموال طائلة وباهظة جدا على هذه الأساليب والآليات، وتسخير من يؤلفها وينتجها ويجعل لها السيناريو والإخراج والتوزيع والنشر والتسويق ودراسة مناطق ومساحات وطبيعة ونوع المستهدفين بها. ويدرس متى وكيف يتفادى من يحاربها ومن يعي بخطورتها. ولنا أمثلة كثيرة في محاولات تشويه الأحاديث النبوية الشريفة، بالزيادة والتعديل والنقصان فيها، وفق أجندة تخدم مصالح هؤلاء في الزمان والمكان عبر التاريخ. مع الأسف، لسنا مسلحين بما يلزم وبما فيه الكفاية، من المناعة الفكرية والعلمية والقوى الروحية ودرجات كبيرة من الوعي، لتحصين الذات من الاستخفاف بذكائنا.. فهل سيبقى قدرنا فرض هذا الاعتباط واستغلال سذاجة البعض منا وفينا؟ ولكن إلى متى وبأي ثمن؟