تعتبر القدوة أو الأسوة الحسنة من أبلغ وسائل الدعوة والتربية، فلا أبلغ في تمثل القيم والالتزام بها من وجود نماذج تطبقها في الواقع وتعمل بها. والداعية الفعّال هو الذي يدعو بلسان حاله قبل مقاله. ومن أجل ذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم قدوة الأمة جمعاء، وكانت السنَّة النَّبوية التطبيق العملي لأحكام الإسلام.. ورد مفهوم القدوة الحسنة، أو الأسوة الحسنة في قواميس اللغة، فأصل كلمة قدوة هو فعل " قدا " والقَدْوُ أَصل البناء الذي يَتَشَعَّبُ منه و يقال قِدْوةٌ وقُدْوةٌ لما يُقْتَدى به. قال ابن منظور: لي في فلان أُسْوة وإسْوة أَي قُدْوَة. ربط الشاطبي رحمه الله بين الإمامة في الدين والقدوة فقال : "الإمام أصله: المثال والقالب الذي يصنع على شكله مصنوعٌ من مثلِه، وأُطلق الإمام على القدوة تشبيهاً بالمثال والقالَب، وغلب ذلك فصار الإمام بمعنى القدوة. فالشاطبي يرى أن الإمام هو الذي يُقتدى به في الدين. ومن ثم فالداعية إلى الله يعتبر إماما وقالبا ونموذجا يحتذى به في المجتمع، فلابد له من الحرص على حسن تمثل القيم الإسلامية وإظهارها للناس. فالإمامة مقام عظيم يسعى له المسلم ويتوجه إلى الله بالدعاء ليكون من أهله. قال الله تعالى: "والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما" سورة الفرقان : 74. وقد فرّق ابن القيم بين سؤال الإمامة في الدين المشروع وبين حب الرياسة والظهور المذموم فقال : " فإن الناصح لله المعظم له المحب له يحب أن يطاع ربه فلا يعصى وأن تكون كلمته هي العليا وأن يكون الدين كله لله وأن يكون العباد ممتثلين أوامره مجتنبين نواهيه فقد ناصح الله في عبوديته وناصح خلقه في الدعوة إلى الله، فهو يحب الإمامة في الدين بل يسأل ربه أن يجعله للمتقين إماما يقتدي به المتقون كما اقتدى هو بالمتقين، فإذا أحب هذا العبد الداعي إلى الله أن يكون في أعينهم جليلا وفي قلوبهم مهيبا وإليهم حبيبا، وأن يكون فيهم مطاعا لكي يأتموا به ويقتفوا أثر الرسول على يده، لم يضره ذلك بل يحمد عليه لأنه داع إلى الله يحب أن يطاع ويعبد ويوحد. فالقدوة أن يكون الفرد قد جمع من المحامد والخصال، ما فاق به أقرانه ممن يدعوهم إلى الخير والهدى، أو بتعبير أهل اللغة من برز في خصال الخير وأصبح مبَرَّزا فيها. قال ابن منظور في لسان العرب: القَدْوةُ التقَدُّمُ يقال فلان لا يُقاديه أَحد ولا يُماديه أَحد ولا يُباريه أَحد ولا يُجاريه أَحد وذلك إِذا بَرَّز في الخِلال كلها. قال تعالى: "قد كانت لكم اسوة حسنة في ابراهيم والذين معه اذ قالوا لقومهم انا برءاؤ منكم ومما تعبدون من دون الله" سورة الممتحنة : 4. تتجلى في سورة الممتحنة أهمية الاقتداء بالأنبياء والصالحين. ففي قصة إبراهيم عليه السلام يأمر الله تعالى المسلمين بأن يثبتوا على عقيدتهم، ويقتدوا في ذلك بما كان عليه إبراهيم وقومه من الصبر والثبات.