تبين إثر دخول العالم في جائحة كورونا وتأثر الكثير من الدول بتداعياتها، أنه يستحيل محاصرة الجائحة إذا لم تنخرط كل القوى الحية، والتقائية كافة الفاعلين. فقد تبين بأن الطرق القليدية التي يتم اعتمادها في الأزمات العابرة لن تستطيع الصمود أمام الجائحات. لقد تبين أيضا كيف أن قطاعات ومهن تم تجاهلها لأن الفكر الرأسمالي والفردانية تكون عنوانا للموقف. وكيف أن الأفراد تنظر الى واقع حالها، ولا يهمها واقع الآخرين. واليوم، ونحن نعيش على إيقاع جائحة كورونا، أدرك الجميع بأننا في سفينة واحدة ستغرق إن خرقناها، وأن أي خطأ سيصيب البشرية في مقتل، بل إبادة جماعية تلوح في الأفق لا قدر الله. إن ما نعيشه اليوم جراء وباء كورونا كوفيد 19، يعبر بالملموس على ضرورة إعادة النظر في تمثلنا للواقع الذي نعيشه، أو على الأقل الواقع المأمول الذي نطمح إليه. ورأينا كيف طفا على السطح الدور الحيوي لكثير من المهمات المؤسساتية والمجتمعية من قبيل المشتغلين في الميدان الصحي بمختلف فئاتهم، رجال ونساء النظافة، الأمن بمختلف فئاتهم، القطاعات الحكومية والمؤسسات العمومية، هيئات المجتمع المدني، المثقفين، هيئات التعليم... وغيرها من المهام والقطاعات ذات الوقع المباشر أو غير المباشر. لكن، تبين بالملموس أيضا بأن قطاعات في غاية الأهمية غيبت عن غير قصد، نعم عن غير قصد، لأن دورها قبل الجائحة كان باهتا، ولأن الهيئات الرسمية لم تدرك بعد دورها الحيوي، وأيضا لكون المشتغلين في مجال مغمور لم يكلفو أنفسهم عناء التعريف به، وأيضا لأن السياق وسرعة الأحداث التي نعيشها مع كورونا لم تسعف الجميع للتفكير بشكل مشترك. من أمثلة تلك المهام، نجد مهنة العمل الاجتماعي التي من المفروض أن تجد موطئ قدم لها في المشهد المؤسساتي، إن على مستوى المؤسسات العمومية (وزارة الاسرة والتضامن، وزارة العدل، الأمن الوطني...) أو على مستوى الهيئات الموازية (الجمعيات، مؤسسات الرعاية الاجتماعية...). إذ بمهن العمل الاجتماعي التي تعد بالعشرات، بإمكاننا أن نتجاوز الكثير من المطبات والتحديات التي نعيشها اليوم في زمن كورونا. في رأي للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي حول موضوع "المبادرة الوطنية للتنمية البشرية: تحليل وتوصيات" الصادر بتاريخ 16 ماي 2013 بالجريدة الرسمية، أشار الى ضرورة تفعيل مرجعية وطنية لمهن العمل الاجتماعي. كما صدر عن البنك الدولي تقرير حول السياسة الاجتماعية بالمغرب (2012)، والذي يعتبر خارطة طريق قد يساعد على تحقيق نتائج أفضل من حيث التنمية البشرية ومحاربة الفقر وتحقيق النمو. وحين تم الإعلان عن استراتيجية القطب الاجتماعي التي اتخذت كشعار لها "قطب اجتماعي قوي لعمل اجتماعي فعال"، والتي من أحد محاورها الأساسية الأربعة نجد تأطير العمل الاجتماعية ومواكبته وهيكلته وإجراء داعم يتعلق بالإنتاج التشريعي والتنظيمي، تبين لنا بأنه قد يكون إجراء كفيل بالنهوض بالعمل الاجتماعي وتبويئه المكانة التي يستحقها في المشهد المؤسساتي، والمساعدة على تجاوز الإشكالات التي يعيشها المجتمع المغربي، إن على مستوى نجاعة التدخلات والمبادرات العمومية أو كل ما يتعلق بتقوية الرابط الاجتماعي عموما. لقد عملت وزارة التنمية الاجتماعية والأسرة والتضامن قد عملت على إطلاق مبادرة تكوين 10000 عامل إجتماعي، وهو إجراء قد يساعد على تحسين التدخل، وتجويد الخدمات بما يتلاءم والقيم السامية، وتسهيل تمتع الأفراد بجودة حقوقهم. لكن ما حصل هو تخريج أفواج عديدة في مختلف التخصصات من مؤسسات جامعية ومؤسسات التكوين المهني، وجمعيات المجتمع المدني، بدون مواكبة وتتبع الأفواج التي تتخرج سنة بعد أخرى، وإصطدام الخريجين مع غياب لمناخ يستوعبهم ويستجيب للتوجهات اللأساسية للعمل الاجتماعي، فالعمل الإحساني ما يزال سيد الموقف، وتدخلات مؤسسساتية بدون لمسة حرفية، مع تنامي للظواهر الاجتماعية التي نجد أجوبة لها في مهن العمل الاجتماعي، وأيضا بدون -والى اليوم- قانون يؤطر تدخل العمال الإجتماعيين. الآن، ونحن نعيش على وقع الغياب شبه التام لحرفة العمل الاجتماعي في زمن كورونا، يتبين بالملموس كيف أننا لم نستطع إدراك مدى خطورة الأوضاع الحقيقية التي تعيشها الأسر، وكيف أننا نرى أنظمة مختلفة للحماية الاجتماعية التي من المفروض أن تدار من طرف عمال إجتماعيين ضمانا للنجاعة وسرعة الأداء. ونعيش أيضا على وقع فوران أسري واضطرابات اجتماعية تتطلب تدخلا مهنيا. ورأينا أيضا كيف أن الفئات في وضعية هشاشة أو صعبة تعيش في وضعية أكثر تعقيدا من قبل، مما يستوجب تدخلا مهنيا سيساعد على تجاوز الآثار الجانبية للجائحة، والتقليص من تأثير المشاكل الهامشية، مما قد يساعد السلطات العمومية وهيئات الصحة القيام بالدور المنوط بها بكل أريحية. لقد آن الأوان لتدخل العمال الاجتماعيين بمختلف تخصصاتهم، ومساعدة الحكومة للنهوض بمؤشرات التنمية البشرية في التصنيف العالمي على غرار ما يعرفه المغرب من تطورات في مجال التنمية الاقتصادية والبنيات التحتية. فالعمل الاجتماعي ليس هو توزيع إعانات أو العمل الاحساني أو ما شابه. إنه العمل عن قرب وباستمرار، ومساعدة الأفراد على العيش المشترك، قوامه التمتع بجودة الحقوق والحريات الأساسية. *باحث في علم الاجتماع