إن حالة الطوارئ هي نظام قانوني أعد لمواجهة الظروف الاستثنائية يقوم مقام السلطة الكاملة، حسب تعريف الدكتور مصطفى أبو زيد فهمي، أي انتقال البلد من الوضع العادي الذي ألفه الناس إلى وضع استثنائي لمواجهة مستلزمات ضرورات معينة، وبذلك يتم اللجوء إلى حالة الطوارئ عند توافر خطر كبير وجدي وجسيم كحالة استثنائية، وتعتبر الإجراءات المتخذة حينها مشروعة على الرغم من تعرض الحقوق والحريات المقررة في الدستور إلى التعطيل أثناء إعلان حالة الطوارئ. والمغرب كباقي دول العالم عرف انتشارا وتفشيا لجائحة وباء كورونا المستجد في كل أرجائه، ولحصر تفشي العدوى وإيقاف امتدادها بين المواطنين خطى المغرب خطوات استباقية بقيادة الملك محمد السادس حفظه الله، حيث تم الإعلان عن حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني بتاريخ 20 مارس 2020 استنادا إلى الفصل 81 من الدستور واتخاذ مجموعة من الإجراءات والتدابير الاحترازية والوقائية، منها الحجر الصحي، إذ عملت الدولة المغربية على إسراع تنزيل هذه الآلية على أرض الواقع بمرسوم 2. 20. 293 الصادر في 29 من رجب 1441 الموافق 24 مارس 2020، التي تتمثل في التباعد الاجتماعي ومنع التجول وإغلاق الحدود الجوية والبحرية والبرية. ولإنجاح قرار هذا الحجر الصحي، تدخلت الحكومة تنفيذا للتعليمات والتوجيهات السامية لصاحب جلالة الملك محمد السادس نصره الله للإحداث الفوري لصندوق خاص يحمل اسم الصندوق الخاص بتدبير جائحة كورونا، وإصدار مجموعة من القرارات المصاحبة له، منها المالية والإدارية وشبه المالية، وذلك لتوفير الأمن الاقتصادي والأمن الاجتماعي والأمن القضائي والأمن القانوني. وفي إطار تعزيز التدابير والإجراءات الوقائية التي تم اتخاذها للحد من العدوى وانتشار وباء كورونا، تم إصدار مجموعة من القرارات، مثل قرار توقيف الدراسة بجميع الأقسام والفصول، وتعويض الدروس الحضورية بالدروس عن بعد كإجراء وقائي يسعى إلى حماية صحة الطلبة والأطر الإدارية والتربوية العاملة بجميع المؤسسات التعليمية، كما اتخذت تدابير استثنائية لفائدة المشغلين المنخرطين في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي المصرح بهم والمتضررين من تداعيات تفشي جائحة فيروس كورونا وفق مشروع قانون رقم 25. 20. وتم كذلك تقديم الدعم المالي للأسر غير المسجلة في خدمة "الرميد" التي تعمل في القطاع غير المهيكل والمتضررة من التدابير المتخذة في إطار حالة الطوارئ هذه، وذلك تفعيلا للتدابير المتخذة من طرف لجنة اليقظة الاقتصادية لمكافحة الآثار الناجمة عن جائحة كورونا، المتعلقة بصرف التعويض الجزافي الممول من الصندوق الخاص. كما تم العمل على تتبع ومواكبة كبار السن والأشخاص في وضعية إعاقة في مواجهة "كوفيد 19" باعتبارهم أكثر عرضة للخطر بسبب هذا الوباء، حيث عملت وزارة التضامن والتنمية الاجتماعية والمساواة والأسر، بشراكة مع صندوق الأممالمتحدة للسكان، على توفير "عملية السلامة" للنظافة والوقاية من فيروس كورونا المستجد في مؤسسات الرعاية. وفي خضم كل هذه التدابير والإجراءات الاحترازية والوقائية المتخذة من أجل حصر تفشي هذا الوباء بين المواطنين، ما هو نصيب السجناء منها للحيلولة دون تفاقم الحالة الوبائية للمرض في صفوفهم، خاصة وأن مؤسساتنا السجنية تشهد اكتظاظا مهولا علما بأن ساكنتها تجاوزت 38486 سجينا وسجينة في نهاية دجنبر 2019؟ وما وضعية حقوق السجناء في حالة الطوارئ الصحية هذه مقارنة بالحقوق المتضمنة في الشرعة الدولية لحقوق الإنسان، لا سيما الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948م والاتفاقية المدنية والسياسية 1966م وقواعد الحد الأدنى؟ وما مدى تعبئة الوسائل المتاحة لحماية هؤلاء المعتقلين وضمان سلامتهم وفق مقتضيات المادة الثالثة من المرسوم بقانون رقم 2. 20. 292 المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية؟ تطبيقا لمضامين مواد الشرعة الدولية لحقوق الإنسان، حرصت المملكة المغربية على إقرار مجموعة من الحقوق والحريات والمبادئ من خلال الفصل 23 من الدستور 2011 المغربي، الذي نص على مجموعة من المقتضيات ذات الصلة بالمؤسسات السجنية ومعاملة السجناء، فعملت على تشريع مجموعة من القوانين الوطنية كالقانون 23.98 المتعلق بتنظيم وتسيير المؤسسات السجنية والمرسوم التطبيقي له ومشروع القانون الجنائي والمسطرة الجنائية؛ إذ صادقت على مجموعة من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية ونصت على العديد من التدابير القانونية والإدارية والقضائية لضمان احترام حقوق الإنسان داخل المؤسسات السجنية. وبناء على الاعتبارات الإنسانية وحماية وسلامة المعتقلين في هذه الظروف الصعبة، أصدر جلالته أوامره باتخاذ جميع التدابير اللازمة لتعزيز حماية نزلاء المؤسسات العقابية، خاصة في هذه الظروف الصعبة، وما تتطلبه من شروط لوقاية المؤسسات السجنية والإصلاحية من انتشار هذا الوباء، لهذا قامت المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج بمجموعة من الإجراءات التي كانت محل مذكرة تم تعميمها على جميع المديريات الجهوية والمؤسسات السجنية من أجل محاربة انتشار فيروس كورونا والحفاظ على سلامة نزلائها وحماية أمن المؤسسات السجنية. وهكذا، عملت على منع الزيارات وتزويد المحكوم عليهم بوسائل الاتصال وفرص للتواصل بالعالم الخارجي عملا بما أكدته المواثيق الدولية من خلال المبدأ رقم 19 والقاعدة 37 من قواعد الحد الأدنى في معاملة السجناء. وبسبب تعليق هاته الزيارات، قامت الإدارة العقابية بتمكين النزلاء من الاتصال بذويهم من أجل إبلاغهم بهذه الإجراءات الاحترازية، وذلك بتجهيز كل غرفة بجهاز هاتفي. كما منعت الزيارة على الزوار الأجانب الذين تقل مدة إقامتهم بالمغرب عن 15 يوما، وعملت على الرفع من مستوى اليقظة والتعبئة لدى جميع الموظفين، والأطر الطبية وشبه الطبية، وتعزيز نظام المداومة الطبية اليومية وتنظيم حملات تحسيسية وتوعوية لفائدة الموظفين والسجناء حول الوقاية من خطر الإصابة بفيروس كورونا. كما عملت على إخضاع السجناء العائدين من المحاكم للفحوصات الطبية قبل إيداعهم بغرف الإيواء حرصا على سلامتهم الصحية، وعملا على حصر الوباء وعدم تفشيه بينهم، حيث خصصت الإدارة السجنية لهذا الغرض مكانا خاصا بالسجناء الجدد لعزلهم بعد عرضهم على الطاقم الطبي المتواجد بالمؤسسة للتأكد من عدم إصابتهم بوباء كورونا، وذلك لمدة 14 يوما، حيث يقوم الطاقم الطبي بالفحص السريري يوميا للتأكد إن كانت هناك أعراض وباء "كورونا" لاتخاذ الإجراءات اللازمة والتدابير الضرورية لعلاجهم تطبيقا لمقتضيات القاعدة 24 من مجموعة قواعد الحد الأدنى وكذا المواد 123—130 المنصوص عليها في قانون رقم 23.98 المتعلق بتنظيم وتسيير المؤسسات السجنية. كما تقوم الإدارة بتعقيم كل أماكن المؤسسة بالمواد المعقمة بصفة دورية ومنتظمة. ومن أجل الحد من انتشار الوباء وتطبيقا لمقتضيات القاعدة 15 من قواعد الحد الأدنى، تم تجنيد جميع الموظفين في إطار التعبئة الشاملة من خلال التوعية والتحسيس للسجناء بأهمية نظافة أجسامهم ومكان إيوائهم. وفي إطار ارتفاع وتيرة النظافة بسبب الوباء، تم منح كل سجين فرصة تنظيف جسمه من 3 إلى 4 مرات في الأسبوع، مع احترام المسافة الفاصلة بين السجناء، كما تم تحسيسهم بخطورة الوباء وكيفية اتخاذ التدابير الوقائية اللازمة كعدم المصافحة والاقتراب من بعضهم البعض وعدم اشتراك الأواني كالكؤوس والصحون بينهم وغسل اليدين مرات عديدة في اليوم. كما تم ضبط حركية السجناء والحد من تنقلاتهم بين أحياء ومرافق المؤسسة، والعمل على توقيف الأنشطة الثقافية والدينية والرياضية خوفا من انتشار العدوى بينهم، ومساعدة السجناء الطلبة على تحصيل دروسهم عن بعد وتزويدهم بالبرامج اليومية للقناة الرابعة لمتابعة الدروس المبرمجة وفق التوقيت الزمني لكل مستوى. وفي إطار إلزامية التعبئة واليقظة، تم في هذه الظرفية الاستثنائية توفير كذلك مجموعة من الفضاءات المخصصة للإقامة لفائدة موظفي المؤسسات السجنية، مع توفير جميع الضروريات والمستلزمات الأساسية من اللوجستيك والأدوات للقيام بالدور المنوط بهم. ولوضع حد للخطر المتزايد الناجم عن الوباء ومن الفشل الذريع في حماية السجناء وموظفي السجون من "كوفيد-19" نظرا لتعاملهم مع عموم المواطنين وما ينتج عنه من انتشار الوباء على نطاق أوسع من الشريحة السكانية، وللتخفيف من وطأة اكتظاظ السجون وما ينتج عنه كذلك من آثار سلبية مؤدية إلى تفاقم الوضعية، وطبقا لمقتضيات الفصل 58 من الدستور، تفضل جلالته بإصدار عفوه المولوي الكريم على 5 آلاف و654 معتقلا تم انتقاؤهم حسب البيان الرسمي الصادر عن وزارة العدل بناء على معايير إنسانية وموضوعية محضة، حيث استفاد كل سجين قضى ثلث مدة العقوبة وأبان عن حسن السيرة والسلوك والانضباط خلال مرحلة تنفيذ عقوبته حسب الفقرة الأولى من المادة 33 من المرسوم 3 نونبر 2000 المحدد لكيفية تطبيق القانون رقم 23.98 المتعلق بتنظيم وتسيير المؤسسات السجنية، كما أخذ بعين الاعتبار أيضا السن والوضعية الهشة للمعتقلين. إلا أن السؤال الذي يبقى مطروحا والذي يفرض نفسه بإلحاح هو ما مدى تطبيق العقوبات البديلة في هذه الظرفية الاستثنائية الحرجة، خصوصا بالنسبة للفئات الهشة من السجناء، خاصة الأحداث وكبار السن المرضى منهم وكذا المحبوسين احتياطيا أو على ذمة قضايا ولم تصدر ضدهم أحكام؟ *باحثة بسلك الدكتوراه كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية وجدة