افتتحت قبل يومين المؤسسة الدستورية الثالثة ببلادنا "مجلس النواب "أشغال دورتها الثانية من السنة التشريعية الرابعة من الولاية التشريعية العاشرة، في ظروف خاصة جدا وتحت وطأة تدابير وإجراءات استثنائية لمواجهة جائحة فيروس كورونا التي تجبرت على أعتى الأنظمة السياسية بالعالم. هكذا عاد البرلمان المغربي للعب أدواره التقليدية والطبيعية من تشريع القوانين الوطنية وإعمال الرقابة على مقررات العمل الحكومي. فإذا كان مجمل من أرّخ للتاريخ الإنساني قد اتفق على اعتبار الحكومات (كمؤسسات حكم حصرية) أدق توصيف للوضعية الاقتصادية، الثقافية، الاجتماعية ولاسيما السياسية لشعوبها، فإن تطبيق ذلك على بلد اسمه المغرب لاشك سيحذو بنا إلى معاكسة هذا التيار. فكيف لنا اليوم بعدما استشعر المغاربة بشكل مقعد على أرض الواقع المعنى الملموس لأهم العبارات الذهبية المنصوص عليها في ميثاق الأمة والمحددة للأطر المعيارية لنظام الحكم بالمغرب، أليس الملك هو رئيس الدولة، وممثلها الأسمى، ورمز وحدة الأمة، وضامن دوام الدولة واستمرارها... (الفصل 42 من الدستور)، ألا يرتكز نظام الحكم بالمغرب على ملكية دستورية ديمقراطية برلمانية - ولاسيما - اجتماعية (الفصل الأول من الدستور). لقد اعترف عالم الاجتماع والفيلسوف إدغار موران قبل حوالي الشهر، '' إن العالم اليوم يتغير بشكل جدري، وأن عالم ما بعد كورونا لن يكون أبدا كسابقه ''، فعلى الصعيد السياسي الوطني أبانت الطبقة السياسية الحاكمة ببلادنا، عن استمرار غير مقبول لنزيف القرارات الحكومية الارتجالية إذ صرح رئيس الحكومة بشكل مذاع على مختلف قنوات التواصل الإعلامية المرئية والمسموعة في أول رد فعل رسمي إزاء هذه الأزمة بتوجيه المواطنين إلى الاقتناع بعدم استساغة ارتداء الكمامات الطبية الوقائية من هذا الداء الذي سجل منذ أيام 1 مليون وفاة عبر ربوع العالم، في غياب تام لمؤسسة التواصل الحكومي والتي أجبرت رئيس الدولة على إشهار الفصل 47 من الدستور الحامل لصلاحية الإعفاء من التكليف الملكي لوزير الثقافة والشباب والرياضة الناطق الرسمي باسم الحكومة، كقرار يصنف حكومة مشكلة من أحزاب تتناقض مرجعياتها وتختلف جذريا برامجها الانتخابية التي صوت على أساسها المواطنون بحكومة انعدام الكفاءة باستثناء سلطات حكومية تعد على رؤوس الأصابع. لقد اختار رئيس الدولة في ظل أزمة كورونا (كوفيد 19) الدولية والتي أرخت بضلالها على مختلف مناحي الحياة ببلادنا في مواجهة حكومة عرف عجزها البنيوي على صناعة حلم وحدوي للمغاربة - اختار- تعطيل العمل بالفصل التاسع والخمسين من الدستور المغربي وهو مكنة دستورية لإعلان حالة الاستثناء الوطنية بما يخول لملك البلاد تدارك قرارات حكومية خارج السياق باتخاذ جميع الإجراءات التي تمكنه من رفع هذا الوباء عن بلادنا، وإذ داك حافظت مؤسسات الدولة على السير العادي لأجهزتها وهو الأمر الذي يستشف من إصدار مرسومين بقانون يهم كل منهما تدبير هذه الوضعية الاستثنائية التي نعيشها، سواء في ما يتعلق بإعلان حالة الطوارئ الصحية أو سقف الاقتراض الخارجي. لقد أكد ملك البلاد في ظل هذه الأزمة أن لا تراجع على الاختيار الديمقراطي وأن دولة المؤسسات ليست شعارا بقدر ما هي تفعيل يومي لكل الأدوار الطلائعية التي يجب أن يتحمل فيها كل فاعل مسؤولياته ومن ذلك جاءت القرارات الملكية الاستباقية على شكل تعليمات للحكومة ولاسيما في باب احتواء الأزمة اقتصاديا والحد من تداعياتها اجتماعيا بما لا يمس بالأمن الصحي والغذائي ببلادنا، وهكذا سجل إلى حدود اليوم استفادة أزيد من 1 مليون و500 ألف مواطن ومواطنة بكل ربوع المملكة من صندوق مواجهة جائحة فيروس كورونا الذي أحدث بمبادرة ملكية أتبتت أن العطاء المغربي لا ينضب، وأن خصوصيتنا في تضامننا اللامشروط وفي تآزرنا المشهود وقت الشدة والصعاب هكذا سجل الصندوق كورونا مساهمات بما قيمته 26 مليار درهم في ظرف 24 ساعة الأولى من إحداثه، لقد أبانت هذه الأزمة العابرة من دون شك عن المعدن الأصيل لمواطن جيل ما بعد المصالحات الوطنية، مواطن العهد الجديد، مواطن المغرب الموحد تحت قيادة رشيدة لملك قائد وقدوة ألم يكن ملكنا سباقا لوضع كمامة طبية وقائية في صورة ذي دلالات عميقة على نفوس المواطنين، لنجد أنفسنا جميعا في موقع استلهام الدروس والتقاط العبر الدالة : إن جبهات المعارك التي تنتظرنا بعد انجلاء هذه الأزمة كثيرة اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا لكن مداخل ربحها بيدنا، فقد عرت عنها أزمة كورونا ووضعتها بين يدينا على طبق من ذهب. إننا أمام معركة التحديث، سواء على مستوى مسايرة التحولات العميقة في باب استدماج الآليات الرقمية في الحياة العامة، وفي تعليمنا الوطني بشكل خاص وآني بما يحد من انعدام تكافئ الفرص الذي وجدت وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي ومعها أسرة التعليم نفسها أمامه إبان هذه الأزمة ثم إننا أمام معركة وضع القطاعات الاجتماعية وفي مقدمتها قطاع الصحة على رأس أجندة الدولة، أما عن الحماية الاجتماعية فقد غدت رهانا تلزمنا كرامتنا بضرورة ربحه وفي أفق ذلك التعجيل بإصدار مشروع قانون رقم 72.18 الذي يهم إحداث منظومة استهداف المستفيدين من برامج الدعم الاجتماعي وبإحداث الوكالة الوطنية للسجلات. حفظ الله وطننا العزيز آمنا تحت الرعاية السامية لملكنا الهمام. *عضو البرلمان المغربي نائب رئيس مجلس النواب