كم هو مؤلم جدا أن نتجرع مرارة هذا الإقصاء المذل من التصفيات النهائية لكأس الأمم الأفريقية لهذا العام الذي كنا نأمل أن يكون فاتحة خير علينا وعلى بلدنا ورياضتنا في ظل دستور جديد وحكومة حكامة جيدة جديدة . وكم هو صعب علينا أن نستوعب الموقف ونصدق هذا الخروج المبكر من هذه النهائيات على الرغم من كل ما صرفناه من أموال طائلة على مدرب مبتدئ تنقصه التجربة على مستوى المنتخبات الوطنية ، جاء ليتعلم فينا أصول التدريب والتنافس على الألقاب القارية ، بعدما حقق إنجازات عادية على مستوى الأندية والفرق المحلية ، سحر بها عيون المغفلين العرب والمغاربة وبطريقة كلامه وجديته المصطنعة وحركاته البهلوانية التي يقوم بها في دكة البدلاء كلما ضاعت على فريقه فرصة حقيقية للتهديف . هذا في الوقت الذي رأينا وتابعنا كيف أن أشقاءنا التونسيين - على سبيل المقارنة والمثال - عبروا بسفينة منتخبهم بكل عزيمة وثبات إلى شاطئ الأمان من الإقصاء المبكر بربان شاب من مواليد ثمانية وستين اسمه سامي الطرابلسي ، ابن تونس الخضراء ، كان إلى عهد قريب قائدا وعميدا لمنتخب بلاده يفيض تواضعا واتزانا ، وضع الاتحاد التونسي ثقته فيه وأحاطه بنخبة من المدربين السابقين للمنتخب والتقنيين والخبراء في مجال كرة القدم كمستشارين مرافقين له في هذه الرحلة الإفريقية ، وبراتب شهري أصغر أضعاف المرات (13 مليون سنتيم مغربية فقط ) وأقل بكثير مما يتقاضاه مروض أسودنا المريضة السيد غيريتس الذي أحاطه أولئك الذين كذبوا على عاهل البلاد - لما اقترحوا اسمه عليه وقدموه له على أنه وحده القادر على وضع قطار منتخبنا الوطني على سكة الانتصارات والألقاب القارية - بجيش من الفرنسيين والهولنديين وشملوه بعطفهم وعنايتهم الفائقة وبالرضا التام تماما كما أحاطوا مسألة راتبه الشهري بالكتمان الشديد والسرية التامة . الآن وقد وقعت الفأس في الرأس وحدث ما كنا نخاف منه ونبهنا إليه غير ما مرة ، ما على السيد علي الفاسي الفهري ( الذي لا يجمعه بالرياضة وكرة القدم إلا الخير والإحسان ) وأعضاء مكتبه الجامعي سوى تقديم استقالاتهم فورا ، بلا نقاش ولا تأخير ، مع عدم إفلاتهم من المحاسبة طبعا ، لأنهم لم يحسنوا تدبير المرحلة وفشلوا فشلا ذريعا في إدخال الفرح والسرور على المغاربة وإخراجهم إلى الشوارع بالملايين كما فعل الإطار الوطني بادو الزاكي وبإمكانيات محدودة وصلاحيات منقوصة قبل ثماني سنوات مضت . وعلى مسيو إيريك غيرتس الذي يتحمل كامل المسؤولية في هذا الإخفاق وقد اعترف بذلك بنفسه - والاعتراف سيد الأدلة - أن يرحل عنا بدوره لأننا لا نريد أن نراه ثانية على رأس فريقنا الوطني الذي أساء إلى سمعته وتاريخه باختياراته الفاشلة وغير الموفقة والتي يمكن توضيحها في الجوانب التالية : أولا : أخفق على مستوى اختيار العناصر التي وجه لها الدعوة لحمل القميص الوطني ، ودافع عن بعضها بعناد كبير رغم أنه لا مكان لها ضمن صفوف المنتخب الوطني المغربي ، بوجود عناصر أخرى أكثر منها جاهزية واستعدادا وطراوة بدنية وأكثر منها حماسا ورغبة في الاستماتة دفاعا عن شرف البلد وسمعة كرة القدم المغربية . ثانيا : أخفق على مستوى اختياره للتربص بمنتجع ماربيا الإسباني حيث الماء والخضرة والجو الجميل والطقس المعتدل ، واختياره مواجهة فريق أوروبي مغمور من الدرجة الثانية وديا ، وكفى الله المحترفين المغاربة المدللين المخنثين ومدربهم الأبيض الفاتح شر التنافس الشرس وملاقاة المنتخبات الإفريقية القوية . ثالثا : أخفق على مستوى اختياراته التكتيكية غير المجدية في مواجهة منتخبي تونس والغابون ، وإلا فما معنى إصراره على إشراك لاعبين أبانوا عن ضعف لياقتهم البدنية وافتقدوا للتركيز المطلوب في المقابلة الأولى ضد تونس وأثبتوا عدم أحقيتهم بحمل القميص الوطني ، ومع ذلك تمسك السيد غيريتس بهمٍ في المقابلة الثانية ، فقط ليقول لنا بأنه واثق من نفسه ومن اختياراته ، ولا يحق لأي شخص آخر صحفيا كان أو محللا تقنيا أن يشككه في نفسه وفي قدراته وذكائه كما صرح بذلك في ندوة صحفية سبقت مباراة الغابون . على السيد غيريتس أن يفهم الآن بأنه لم يعد له مكانا بيننا فليرحل وليعد إلى زوجته الأولى إذا شاء ، بعدما أثبتت التحاليل المخبرية ونتائج الاختبارات الميدانية بأنه إنسان عقيم . والعقم والفشل في إرضاء وإقناع الطرف الآخر المتعاقد معه كما تنص على ذلك كل الشرائع السماوية والقوانين الوضعية التي تنظم العلاقات الزوجية يعتبران من موجبات الطلاق وفك الارتباط بالطرق الودية أو بقوة القانون . على السيد غيريتس وفي جملة واحدة أن يجمع حقائبه في أسرع وقت ممكن ويحجز لنفسه مقعدا في أول طائرة تقلع من مطار الرباطسلا صوب بلجيكا أو في اتجاه أي مكان آخر يريده . المهم أن يرحل عنا غير مطرود ولا مأسوف عليه ، ويعطينا كيلومترات من التيساع الله يرحم ليه الوالدين ، مباشرة بعد عودته من الغابون . وذلك حتى توفر خزينة الدولة كل تلك الملايين التي كانت تصرف له شهريا بالعملة الصعبة ، وكل ما كانت توفره له الجامعة المغربية من امتيازات وظروف عمل واشتغال لم يكن يحلم بها أحد قبله ولا بعده من المدربين الأجانب أو الأطر المغربية الذين تعاقبوا على الإدارة التقنية لمنتخبنا الوطني . قبل أيام ودعنا بقلوب خاشعة وعيون دامعة شابا من خيرة شباب هذا الوطن احترق ومات دفاعا عن حقه في الشغل وراتب شهري مناسب لما تحصل عليه من شواهد دراسية عليا كانت تكفيه ، رحمة الله عليه ، وتؤهله للحصول على وظيفة يعيل بها نفسه وزوجته المناضلة العاطلة عن العمل وعائلته التي عانت كثيرا وضحت كثيرا من أجل الوصول إلى ما وصل إليه في مساره الدراسي . فعسى أن يكون في هذه الانتكاسة الجديدة لكرة القدم المغربية خيرا للبلاد وللعباد ، وعسى أن يكون ما وقع عبرة لمن يعتبر من المسؤولون ببلادنا الذين يجب عليهم أن يدركوا - ولو بعد فوات الأوان - بأنه كان من الممكن أن ننقذ بكل تلك الأموال الطائلة التي صرفناها بلا طائل على السيد غيريتس وباقي الأطر التقنية المستوردة من الخارج حياة الشهيد عبد الوهاب زيدون من الموت احتراقا بالنار . هذه النار التي لا زالت مشتعلة تهدد حياة آخرين على الطريق ، وتحتاج لمن يخمد شرارتها التي ازدادت اشتعالا واتسعت رقعتها بخراطيم مياه القرارات الحكيمة ، الجريئة والعاجلة .