منذ إعلان دخول حالة الطوارئ الصحية في المغرب حيز التنفيذ مساء يوم الجمعة الماضي، كان أعوان السلطة من "المقدمين" و"الشيوخ" حديث الساعة، بعد أن أصبح خروج المواطنين من بيوتهم لقضاء أغراضهم الضرورية رهينا بتوقيعٍ وخاتَمٍ يمهر به "المقدم" أو "الشيخ" شهادة التنقل الاستثنائية. هذه الشهادة، التي أصبحت مغادرة البيت بدونها تعني احتمال التعرض لعقوبات تأديبية قد تصل إلى السجن، جعلت مواطنين يصبّون جام غضبهم على أعوان السلطة بسبب عدم تسليمهم إياها بعدما طمْأنت مصالح وزارة الداخلية بأنها ستصلهم إلى بيوتهم. ووسط موجة الانتقادات التي وجد أعوان السلطة أنفسهم في مواجهتها، باعتبارهم الطرف الموجود على "الجبهة"، فإن هؤلاء الأعوان يشتكون من جانبهم في صمت، كونهم تحمّلوا ضغطا كبيرا فرضه عليهم عملهم وزاد من حدّته عدم تفهّم فئات من المواطنين. يقول مصطفى، عون سلطة في إحدى مقاطعات مدينة سلا: "ما نقوم به هو في المقام الأول واجب وطني، ونحن مستعدون لبذل أقصى ما بوسعنا لأداء هذا الواجب، لكن المواطنين في أحيان لم يتركوا لنا المجال لنعمل بشكل جيد". على مواقع التواصل الاجتماعي، راجت خلال اليومين الماضيين صور توثق للفوضى التي واكبت توزيع شهادة التنقل الاستثنائية، حيث تجمهر المواطنون على أعوان السلطة بشكل يخلّ بجميع الاحترازات التي دعت السلطات الصحية إلى اتخاذها توخيا للوقاية من الإصابة بفيروس "كورونا" المستجد. وانهالت انتقادات كثيرة على وزارة الداخلية بسبب تأخر حصول فئات من المواطنين على شهادة التنقل الاستثنائية، لكن هذه الانتقادات لم تلمسْ، بشكل مباشر، سوى أعوان السلطة من "مقدمين" و"شيوخ"، الذين واصلوا الليل بالنهار، منذ مساء الجمعة إلى الآن، لتمكين المواطنين من "شهادة الخروج". صباح يوم السبت الماضي، تجمهر عدد من المواطنين أمام مقاطعة في حي تبريكت بسلا، وبمجرد وصول "المقدم"، انبرى مواطن بانتقاده بشدّة لعدم تمكينه من شهادة التنقل الاستثنائية، فرد "المقدم" بلهجة حادة: "ما تغوتش عليّ، راني ما دخلت لداري البارح تال الربعة د الصباح". يسرد مصطفى جزءا من المعاناة التي كابدها أعوان السلطة منذ تطبيق حالة الطوارئ الصحية مساء الجمعة الماضي، قائلا في حديث لهسبريس: "تخيّل أنّ بعض المواطنين يتعرضون لنا في الطريق، ولا يمنحوننا حتى مسافة الأمان التي ينبغي أن تفصل بين شخص وآخر للوقاية من الفيروس". وأردف أنّ هناك فئات واسعة من المواطنين وَعتْ وتفهمت الظروف القاهرة التي يشتغل فيها أعوان السلطة في ظل الضغط الكبير المفروض عليهم، "ولكن هناك بعض الفئات لمْ تراع هذا الوضع"، مضيفا: "نحن أيضا نقدر ظروف المواطنين، ونعرف أنهم أيضا بحاجة إلى أن يتنقلوا خارج بيوتهم، وهذا يتطلب تعاون الجميع". مصطفى حكى واقعة طريفة تعكس سعي كل مواطن لنيل شهادة التنقل بأي وجه كان، قائلا: "كنت وسط عشرين شخصا أوقع لهم شهادة التنقل الاستثنائية، فاتصلت بي سيدة عبر الهاتف وطلبت مني أن آتي إلى بيتها لأسلمها الشهادة فورا، ولمّا سألتها عن دواعي رغبتها في الخروج، وهل لديها عمل مستعجل أو حاجة ضرورية، أجابتني: أنا مزروبة بها نمشي نجيب باكية د الخميرة قبل ما يسدّ مول الحانوت". ويتوفر المغرب على "جيش" من المقدمين والشيوخ، يُعتبرون بمثابة "عين السلطة التي لا تنام"، فكل "صغيرة وكبيرة" تقع، سواء في المجال الحضري أو القروي، يُوصلونها فور وقوعها إلى السلطة، كما أنهم يلعبون دور الواسط بين الدولة والمواطنين في مثل الظرفية الحالية التي يمر منها المغرب على غرار باقي بلدان العالم. ومن خلال معاينة هسبريس لأحوال اشتغال أعوان السلطة، فإنهم يؤدون عملهم خلال توزيع شهادة التنقل الاستثنائية على المواطنين في غياب أبسط شروط الحماية من الإصابة بفيروس "كورونا" المستجد، فكل ما يحملونه هو سترات صفراء، بينما لا يضعون حتى الكمامات، ولا يتوفرون على مواد التعقيم، رغم أنهم يخالطون آلاف الناس يوميا. يقول عون سلطة آخر تحدث إلى هسبريس: "نحن نؤدي هذا الواجب وعلى المواطن أن يدرك أننا نغامر بأنفسنا، ونغامر بأهلنا وبأولادنا أيضا، كندخل للدار كنحيّد حوايجي وكنحطهم حدا الباب، عاد كندوش ونعقم راسي"، مضيفا "الأسبوع الماضي لم نستفد من عطلة نهاية الأسبوع، وخص المواطنين يعاونونا ويگلسو فديورهم". وأردف قائلا: "حنا كنقولو للناس يبقاو فديورهم باش ما يتعقدش الوضع. خصنا نتعاونو كاملين باش نحاصرو هادشي (يقصد فيروس كورونا)، وما نكونوش بحال الطاليان".