بعد كثير تردد عن الكتابة في مثل هذه الظروف، اعتبارا للوضعية العامة التي تمر منها البلاد وسائر البلدان الموبوءة، تدفعني رغبة جامحة هذا الصباح ليس من باب السجية أو لذة الكتابة، بل كي أعبر عن مدى الأسى والخوف الذي اجتاح كياني والذي ازداد أوجه منذ واقعة الأمس في بعض الحواضر المغربية. إن هذه الأحداث، ما هي إلا دعوة نحو تعميق التفكير في البنية المجتمعية للمغاربة، فحتى لا نكثر من الأحكام الجاهزة أو الفاقدة للأسس العلمية الرصينة. يجدر بنا أن نطرح تساؤلات معقولة حول هذه البنية التي تعبر عن تناقضات خطيرة، ولعل واقعة ليلة السبت كانت كافية لبسط تلك التساؤلات. هل لازال التفكير الشعبي مصرا بان الوباء غضب من السماء، فكان الأجدر الدعاء والخروج إلى الشارع لطلب الصفح والغفران حتى يرتفع الغضب؟؟ ثم، هل يرى المغاربة أن تعامل السلطات وفق الإجراءات المتبعة من قبيل اتخاذ تدابير إجرائية إدارية وأمنية ذات طبيعة احترازية، غير قادرة على تطويق الوباء، بقدر ما يساهم في إطباق قوة الدولة وتأكيد هيمنتها ؟؟ إن محاولة الإجابة عن هذه التساؤلات، يتطلب بحث الدوافع والأسباب الحقيقية التي دفعت المواطنين، في تلك الحواضر إلى الخروج نحو الشارع. ا ن أول ملاحظة تكمن في أن التديين الشعبي لدى اغلب المغاربة هو المهيمن، بما يحتويه من تمتلاث تنهض على قيم وأفكار تنهل من تراث ضارب في التقليدانية، فرغم التحول الكبير الذي أدركه العقل البشري، وسار بالإنسان نحو مراتب ومستويات بعيدة في الإدراك والفهم لكل الظواهر حتى المعقدة منها، فالاعتقاد بان الوباء سخط وغضب من السماء يعد قمة في التقليدانية أو بالأحرى الخرافة، وهو خطاب لا عقلاني خصوصا وان الوباء استشرى في أصقاع أخرى، تصدت له تلك الدول بوسائل حديثة قائمة على العلم والمعرفة، في بحث الحلول والتدابير العقلانية وليس بالدعاء والتهليل، إن هكذا تناقض الذي عبرت عنه تلك الجموع، يدل بكثير من الدلالات على أن المجتمع مدعو إلى تبني ثورة مفاهيمية قوامها العلم والمعرفة، لا الانحباس والوصاية على العقل الإنساني، فهذا الدرس كفيل بدعوة كل المثقفين والساهرين، إلى بدل كثير الجهد نحو زحزحة تلك الترسبات الضاربة في القدم، والتي جعلتنا كمغاربة نعيش في كنف التناقضات والخرافة. إن دعوة السلطات الناس إلى اتخاذ الإجراءات الاحترازية والوقاية هو عين الصواب إزاء مواجهة الوباء وتطويقه، أسوة بباقي دول المعمور المعنية بالوباء، بيد أن الداعين إلى التكبير والخروج إلى الشارع لتكسير هذه الإجراءات، ما هو إلا تعبير عن العبث الفكري والانحطاط والجهل بدعوتهم هاته. كما انه في ألان ذاته وهذا تساؤل مشروع، هو تدبير لصراع خفي تعتقد الجهة التي دعت إليه أن بقرارها هذا، تؤكد صدق خطابها وقوة تنظيمها، أن هذا التحليل ليس من باب الاستنجاد بنظرية المؤامرة، وإنما يبقى مجرد فرضية نحاول من خلالها إيجاد جواب صريح عن الدواعي التي أخرجت الناس إلى الشارع بتلك الحمولة، بعدما سبقتها دعوات عبر وسائط الاتصال إلى خروج الناس عبر النوافذ والأسطح لتحية القوات العمومية والأطقم الطبية بالنشيد الوطني، وهو يبقى أمرا مقبولا من الجانب الإنساني ومساهمة رمزية في تقوية للحس الوطني. إن اللحظة أضحت مفصلية، وضرورة المرحلة تقتضي تحقيق الإجماع حول المصلحة العامة بما توفره الدولة من إجراءات وتدابير بمختلف الوسائل المعتمدة، قصد حماية أرواح الناس ودواتهم، كما أن المرحلة تعد مناسبة لتعميق الثقة وتعزيز الحس الوطني، فالصحة العامة على المحك، وخطورة هذه التصرفات قد تكبد الكثير من الخسائر، فإعمال العقل اعز ما يطلب في هذه المرحلة الدقيقة.