الفيروس ليس كائنا حيا وهو أيضا ليس جمادا، هو يوجد في منطقة ما بين الحياة والجماد (الموت). هكذا يتم تعريف الفيروسات عادة لطلبة البيولوجيا والطب، مع أن الجدل أو النقاش العلمي بهذا الخصوص لم يحسم حتى الآن. ويبدو أن فيروس كورونا المستجد جاء ليحملنا جميعا، لنعيش في تلك المناطق الحدودية بين الموت والحياة. فمنذ ظهور فيروس كورونا المستجد وانتشاره، أصبح الموت احتمالا قد يختلف الأطباء في تحديد نسبه المئوية لكنه احتمال شطب احتمالات الموت الأخرى من الاهتمام ومن الواجهة. الموت في ظل انتشار كورونا المستجد أصبح احتمالا آنيا عززت آنيته التغطية الإعلامية المكثفة. فمع كل عاجل عن تسجيل إصابة أو وفاة جديدة يحاصر الموت آلاف بل ملايين المشاهدين أو المتصفحين ويقضم جزء من حياتهم كما عاشوها لحد الآن. والموت مع فيروس كورونا، لم يعد مسألة فردية أو حتى أسرية أو عائلية، الموت في ظل الوباء أصبح شأنا عالميا. فوفاة شخص لا تعرفه ولا تتحدث لغته يصبح، مع الفيروس المستجد، خبرا يهمك بل خبرا يخيفك ويحزنك أكثر ربما مما أخافك أو أحزنك موت جارك قبل ظهور الفيروس في ووهان. لكن فيروس كورونا يطرح على الإنسان أيضا سؤال الحياة وماهية الحياة وما هو الأهم وما هو الأقل أهمية فيها. مع انتشار الوباء بدأنا جميعا نقف على أهمية أشياء كنا نعتبرها روتينية ومكتسبة. عناقك لمن تحب قبل أن تغادر أو عندما تعود من العمل، دون خوف من أن تنقل له " الموت المحتمل"، خروجك كل صباح لتصافح هذا وتصادف ذاك دون توجس من يد تمتد أو جسد يقترب، النزهة الأسبوعية مع الأهل ووسط الناس في حديقة أو غابة أو منتزه، زحام الأسواق والأكل في المطاعم وسط العشرات و… فيروس كورونا يعلمنا أن لا حياة إلا مع الناس ووسط الناس بالرغم من شكوانا المستمرة من ضجيج الناس وفضول الناس وعنف الناس. عندما يدفعنا فيروس كورونا إلى البقاء في منازلنا، فإننا نكتشف بعد بضعة أيام أن كل هذه الاختراعات التي أخذت جزءا كبيرا من وقتنا ومن حياتنا، كالهواتف التي وصفناها بالذكية والحواسيب، لا تعوض ابتسامة من قريب أو يد ممدودة من صديق. حتى أنه بدا وكأن الحواسيب والهواتف نفسها لا تؤدي الغرض منها إلا وهي وسط الناس. إنها الحياة الجماعية التي نقف على أنها أساس الحياة الفردية وليس العكس لتسقط كثير من نظرياتنا ومن أيديولوجياتنا التي انتصرت للأنانية فينا أو في بعضنا. فحتى نظافتك كفرد لا تكتمل في ظل كورونا المستجد إلا بنظافة الآخرين، كل الآخرين. ففي حياتك حياة لهم وفي موتهم موت لك. فيروس كورونا المستجد بدا أكثر ذكاء من البشر فقبل أن يخطف آلافا من حيواتنا الفردية خطف حياتنا الجماعية فضربنا في مقتل قبل أن يقتل. بهذا نقلنا الفيروس الجديد المستجد إلى منطقة فيها بعض الموت وبعض الحياة لكي نتأمل ونتدبر لعلنا حين نعود أو يعود بعضنا إلى "ديار الحياة المكتملة" يكونون قد استوعبوا درس الموت ودرس الحياة.