الكاميرون تتعادل مع كوت ديفوار    كأس أمم إفريقيا .. تعادل إيجابي للكوت ديفوار مع منتخب الكاميرون (1-1)        من واد غيس إلى الجماعات الهشة : عبد الحق أمغار يضع فلاحة الحسيمة تحت مجهر المساءلة البرلمانية    وسط قيود على المساعدات الإنسانية .. الأمطار تغرق خيام النازحين في غزة    روسيا ‬وجمهورية ‬الوهم ‬‮:‬علامة ‬تشوير جيوسياسي‮ ‬للقارة‮!‬    الأقمار الصناعية تكشف تفاصيل جديدة عن البنية المعدنية الخفية في الأطلس الصغير    أخبار الساحة    كرة القدم نص مفتوح على احتمالات متعددة    اليوم بمجمع الأمير مولاي عبد الله .. المنتخب الوطني مطالب بالفوز على زامبيا للبقاء في الرباط وتبديد المخاوف    السودان تحقق فوزا مهما على غينيا الاستوائية في كأس إفريقيا    بحضور فوزي لقجع .. المنتخب المغربي يختتم الاستعداد لمواجهة زامبيا    جبال خنيفرة تلبس "الرداء الأبيض"    بوصوف: المخطوطات "رأسمال سيادي"    المهدي النائر.. ريشة تحيي الجدران وتحول الأسطح إلى لوحات تنبض بالجمال    عبد الكبير الركاكنة يتوج بجائزة النجم المغربي 2025    السينما والأدب: الخصوصية.. والحوار الممكن    صندوق النقد الدولي يدعو المغرب إلى تسريع الإصلاحات الهيكلية دون المساس بشبكات الحماية الاجتماعية. ..أوصى بضرورة تعزيز المنافسة ورفع الإنتاجية والاستثمار في الرأسمال البشري    أمن العروي يطيح بسائق سيارة أجرة وبحوزته قرابة 5000 قرص طبي مهرب    ميناء طنجة المتوسط يخطط لتوسعة كبرى لمحطة المسافرين استعدادًا لمونديال 2030    طنجة تتصدر مقاييس التساقطات المطرية بالمملكة خلال ال24 ساعة الماضية    فيضانات تجتاح جنوب إسبانيا بعد تساقطات ليلية كثيفة    تأخر الإشهاد ونقص السيولة يرجئان صرف منحة "الريادة" إلى مطلع 2026    نشرة إنذارية.. زخات رعدية محليا قوية وتساقطات ثلجية وهبات رياح أحيانا قوية يومي الأحد والاثنين    سلطات آسفي تدقق في لوائح المتضررين من الفيضانات لتفادي الإقصاء    تحسن نسبي مرتقب في الأحوال الجوية بالمغرب بعد أيام من الاضطراب الجوي    مداخيل المغرب من صادرات الأفوكادو تتجاوز 300 مليون دولار خلال موسم واحد    بنسليمان.. انتخاب أحمد بلفاطمي كاتبا إقليميا لاتحاد المقاولات والمهن بإجماع المهنيين        عاصمة الرباط تنتظرها بطولات أكبر ..    بورما تجري أول انتخابات عامة منذ الانقلاب العسكري عام 2021    روسيا تعلن إسقاط 25 طائرة مُسيّرة    قرار حكومي يوسّع الاستفادة من منحة "مؤسسات الريادة" ويعدّل منظومة التحفيز    مدفوعة ب"كان 2025″ وانتعاش السوقين المحلية والأوروبية.. أكادير تقترب من استقبال 1.5 مليون سائح مع نهاية السنة    الحلم المغاربي حاضر في الرياضة غائب في السياسة    بعد خمس سنوات من التطبيع.. تقرير يكشف تغلغل إسرائيل في المغرب من الفلاحة إلى الأمن والتعليم والطاقة    غموض الموقف المغربي والإماراتي يلفّ رفضاً عربياً وإسلامياً واسعاً لاعتراف إسرائيل ب"أرض الصومال"    "جمعية هيئات المحامين بالمغرب" ترفض مشروع القانون المتعلق بتنظيم المهنة وتدعو إلى جمع عام استثنائي    عواصف عنيفة تحصد أرواحًا في السويد وتغرق دول الشمال في الظلام    الصين تفرض حد أقصى إلزامي لاستهلاك الطاقة للسيارات الكهربائية    كأس إفريقيا .. نيجيريا تفوز على تونس و تعبر إلى دور الثمن    أزيد من 2600 مستفيد من قافلة طبية متعددة التخصصات بخنيفرة    مصرع عشريني في اصطدام مروّع بين دراجة نارية وسيارة بطنجة    الخدمة العسكرية .. الفوج ال40 يؤدي القسم بالمركز الثاني لتكوين المجندين بتادلة    كُرةٌ تَدُورُ.. وقُلُوبٌ تلهثُ مَعَها    علماء روس يبتكرون مادة مسامية لتسريع شفاء العظام    وفاة المخرج المصري الكبير داوود عبد السيد    تنديد واسع باعتراف إسرائيل بإقليم انفصالي في الصومال    انطلاق فعاليات مهرجان نسائم التراث في نسخته الثانية بالحسيمة    علماء يبتكرون جهازا يكشف السرطان بدقة عالية    من جلد الحيوان إلى قميص الفريق: كرة القدم بوصفها طوطمية ناعمة    روسيا تبدأ أولى التجارب السريرية للقاح واعد ضد السرطان    الحق في المعلومة حق في القدسية!    وفق دراسة جديدة.. اضطراب الساعة البيولوجية قد يسرّع تطور مرض الزهايمر    جائزة الملك فيصل بالتعاون مع الرابطة المحمدية للعلماء تنظمان محاضرة علمية بعنوان: "أعلام الفقه المالكي والذاكرة المكانية من خلال علم الأطالس"    رهبة الكون تسحق غرور البشر    بلاغ بحمّى الكلام    فجيج في عيون وثائقها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خداع المفاهيم.. أولا: مفهوم الكونية..
نشر في هسبريس يوم 08 - 03 - 2020

ضجيج "الكونية" لا يهدأ، بدءا بكونية الحقوق، وفكرة حقوق الإنسان الكونية، مرورا بشرعية الكونية، ثم العولمة الكونية، وصولا الديمقراطية الكونية.. ياسلام..
إن تسليط الضوء على هذه المفهوم الزئبقي "الكونية" هو محاولة لتفكيك نشأته، وآليات شرعنته، مما يدفعنا إلى الحفر الأركيولوجي لبلوغ جذوره، وتشكل أمشاجه، وتعقب مصادره؟
-المصادر..
جل المفكرين الذين تتبعوا نشأة المفهوم، يرجعونه إلى الإغريق، سيما الحكماء الأوائل، وبالتحديد طاليس الذي اتخذ من "مفهوم الماء" أصلا للعالم الكلي، لتختلف المبادئ تِباعا باختلاف الحكماء، فهو نار وهواء وأبيرون..
سأتتبع هنا هذا المفهوم عبر التواءاته، من خلال الحفريات الفلسفية المعاصرة "الطريفة" للفيلسوف الفرنسي فرانسوا جوليان وهو بالمناسبة متخصص في علوم الصين، سأقفز عن سقراط مركزا على أفلاطون الذي تحدث عن الفكرة في ذاتها، وغض النظر عن تمفصلاتها وتلوناتها الحسية، فبدل الاهتمام بالشيء الجميل ينصب الفكر على الجمال في ذاته، وهذه الفكرة في ذاتها هي التي ستصبح "المفهوم".
عاش الإغريق مستقلين، ولكن سرعان ما فقدوا استقلالهم، وأصبحوا تابعين، للإمبراطورية الرومانية، حيث أصبح "مفهوم المواطنة" يشمل الجميع بمن فيهم الأجانب، وتم ذلك ب"مرسوم قانوني".. إذ أصبح مواطنا كل من يدخل تحت نفوذ الإمبراطورية الرومانية، وبالتالي أصبح "المواطن" مفهوما قانونيا، إلا أنه رغم اتساع المفهوم: ليشمل "الكل" ظل محدودا، بحدود الإمبراطورية.
-المسيحية.. الكل متساو "في الآخرة"..
طور القديس بول بفكرة الخلاص المسيحية، عبر قولته الشهيرة: لا مسيحي، لا يهودي، لا حر، لا عبد، لا امرأة لا رجل، "الكل متساو في الآخرة".
الفلسفة الحديثة.. "العقل أعدل قسمة بين الناس"..
من خلال اشتغال كانط على المعرفة وشروطها، انتهى إلى أنها تتم عبر شروط قبلية، حددها في اثني عشرة مقولة، تشمل كل النوع الإنساني، أما هيجل صاحب "الفكرة المطلقة"، سيحلق عاليا في سماء الفكر، لدرجة تشبيه نابليون بروح على صهوة جواده، كما نجد كارل ماركس تشبيه "البروليتاريا" بحاملة الفكر الكوني.
-المعرفة الكلاسيكية.. القوانين كلية مطلقة..
هيمن العلم الكلاسيكي بما فيه الرياضيات والهندسة، طوال ألفي وخمسمائة سنة –الرياضيات، الهندسة الأقليدية..- حيث القوانين العلمية كلية مطلقة صالحة لكل زمان ومكان، ألم يقل أرسطو قديما: لا علم إلا بالكلي؟
من خلال هذا المسار يتبين لنا الآتي:
إن مفهوم الكونية، مرتبط بالتاريخ الغربي أساسا، الإغريقي، الروماني، المسيحي، الحديث..
فكيف انتقل هذا المفهوم من الخصوصية الغربية ليصبح شموليا يغمر العالم بأسره؟ يفرض نفسه بقوة.. هو ما ينبغي أن يكون؟
لقد ترافق الاستعمار –القرن التاسع عشر- استعمار الشعوب التي سميت سابقا، بالبدائية والمتوحشة والهمجية، والعلم المخصص لدراستها هو الأنثروبولوجيا، متزامنا مع الاستشراق.
الهدف المعلن هو "الحداثة" التي هي في عمقها ادعاء بتصدير الحداثة الغربية –الاستعمارية- إلى العالم المستعمَر من أجل تحضيره، بمعنى "كوننة القيم الغربية"، والنموذج هو الغرب المتقدم.
الآن انضاف مفهوم جديد هو: العولمة، أليس شكلا آخر للمفهوم القديم –الكونية- الأبحاث والدراسات الأكاديمية الرصينة، تجمع أن المفهوم يرتبط بالاقتصاد: تنميط المنتوج الاقتصادي، أمركته.. من خلال دعوة تغلفها الحرية، وحقوق الإنسان.. ليشمل العالم.
ألا نلاحظ تقاطعا بين المفهومين، عولمة وكونية، الأول اقتصادي يتضمن الهيمنة، والثاني فكري تجريدي يتضمن الهيمنة أيضا، تنميط ثقافي: إلغاء ثقافة وتثبيت أخرى، هيمنة الثقافة الأهلية، وتعويضها بثقافة كونية تحضيرية تمدينية.
بناء على كل هذا يستخلص فرانسوا جوليان أن هذا الكوني نزعة إقصائية، يقصي كل ثقافة غير حديثة أي غير متشبعة بالقيم الغربية، ينمطها ويجعلها واحدة ككل الثقافات، يخلق الصراعات، بسبب اختزاله التعدد الثقافي في الوحدة، هكذا يقدم نفسه -الاستعماري- كنموذج أوحد ووحيد لهذ الكوني، من هنا كانت هيمنته ذات طبيعة استعمارية.
يتساءل فرانسوا جوليان مفهوم الكونية قائلا: "لو وضعنا أنفسنا خارج الثقافة الغربية، لتبدت لنا هذه الخيرة متميزة ولفقدت كونيتها" والمثال الذي يقدمه هذا الكاتب هو الصين. ولكن ما سر ذلك؟
يرى فرانسوا جوليان أن هناك عالمين مختلفين، أوروبي وصيني، ولم يتم التواصل بينها إلا حديثا – القرن السادس عشر والتاسع عشر- بعد محاولة فرض الهيمنة على الصين.
أولهما التمايز بين الثقافتين: هناك التناغم والانسجام، بدل الصراع الذي تحتمه الكونية، فالاختلاف عبارة عن تمثلات مركزية، ولكنها مشتركة، كما يسميها فرانسوا جوليان، إنها وجهة نظر عامة، وإنه من السذاجة الذهاب إلى القول بمفاهيم كونية، إنها وجهات نظر فقط، ذلك أنه، لا يوجد تطابق فعلي بين الثقافات، يقول فرانسوا جوليان "يمكننا أن نحتاط من هذا الطموح إلى الكونية، بنقده، وفضحه، والقطع معه".. هكذا لا يترك جوليان أي وهم عن نزعة الهيمنة في الكونية.
إن لم نسائل الكونية والتي نشرتها أوروبا فهذا يعني، أنها قبل تعميمها، لم تكن نزعة كونية، تتعلق بثقافتها الخاصة، أليس تجريدها لأنها "مفهوم مجرد" وهذا يحيل إلى الفراغ وفي نفس الوقت على الاكتمال والامتلاء؟
فما الذي يمسك إذن بهذه الكونية؟ إنها كل شيء وفي الوقت نفسه لا شيء، وما الذي يجعل هذا الكوني كونيا؟ ما هو الأساس الذي يعتمده في إثبات كونيته؟
-أصحاب الأنوار في الميزان..
هي الطبيعة الإنسانية التي يتوفر عليها الإنسان كنوع.
يتساءل بنيكار Panikkar إذا كان الأمر كذلك، فلماذا هذه الكونية وحواملها، لم تظهر إلا بمكان وزمان محددين في الكوكب الأرضي، وبالضبط عند أوروبا المتقدمة صناعيا؟
- ومن الوهم ما قتل..
ناهيك عمن ينكر وجود طبيعة إنسانية كأصل، فمثلا جان بول سارتر ينفي وجود طبيعة إنسانية جاهزة، ففي البدء لا تكون للإنسان صفة، هوية أو ماهية، وكأنه خريطة بدون مواقع، ولا نستطيع وصفه بأية صفة، لن يكون الإنسان إلا فيما بعد -المشروع-.
أما Philipe Descola مثلا يرى أن فكرة "مفهوم الطبيعة" هي مفهوم كوني، هو مجرد إيديولوجيا القرن التاسع عشر، زيادة على من اعتبر أن "الكونية" تنتمي إلى أحكام القيمة الذاتية، بمعنى أنها مجرد مسألة ذاتية بعيدة عن الموضوعية.
-الفلسفة طريق الحقيقة..
إن جل هذه "المفاهيم\القيم" في حاجة إلى إعادة النظر، وتستلزم نقدا فلسفيا صارما، لأن الفلسفة، لا تقبل السذاجة، والأفكار الجاهزة والبداهات والوصايات.. لقد اعتقد الأقدمون بسلامة تفكيرهم وصابية علومهم، وفجأة انهارت كل بناءاتهم أمام مطرقة العقل، فالعقل في تطور أبدي، من هنا كان تجديد عقلنا على ضوء النقد البناء.. هو الكفيل من إنقاذنا من براثين اليقينيات المطلقة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.