انتهيت للتو من مطالعة كتاب لضابط سابق في الجيش الجزائري، فأنا منذ سنوات باحث في علم الاجتماع وأعكف بشغف على النظر في كتب متنوعة لعلي أكتشف ولو القليل من ما وثقه الفكر الانساني في الكتابة، على الرغم أنه من الممكن أن نعتبر أن كمية مهمة من الكتب التي تطبع كل سنة جديدة لا تستحق أصلا أن نستثمر وقتنا في البحث فيها، ويبقى بالتالي ما ينبغي علينا قراءته نسبة قليلة من ما هو معروض في السوق لا يميزها إلا أصحاب تجربة في البحث والتمحيص. كمتابع لما يروج من أخبار وطنية خصوصا على المنابر الالكترونية ألاحظ أن نسبة كبيرة من الأقلية غير الصامتة (تقابلها أغلبية صامتة) من الإخوة والأخوات المواطنين المغاربة يحكمون بعواطفهم وليس بعقولهم في ما يخص العلاقات المغربية الجزائرية، وقد شاهدت على سبيل المثال في السنة الماضية متابعة الكثير من عشاق كرة القدم المغاربة بحماس لمباريات كرة القدم التي خاضها الفريق الجزائري خلال إقصائيات كأس افريقيا بعدما تعرض فريقنا الوطني المغربي للإقصاء، وأغلبهم يعتبر أنه يجب فصل الرياضة عن ما هو سياسي. كما أن كاتبة مغربية تنشر مقالات على منبر هسبريس تجاوبت منذ البداية مع ما يوصف ب"الحراك الجزائري" عبر مقالة عبرت فيها عن رضاها على ما يشهده هذا البلد من توثر شعبي واعتبرت أن النتيجة ستكون دخول الجزائر الى نادي الديموقراطيات بكل بساطة (مسكينة)، وحتى أختصر على القراء الكرام وجهة نظري فيما يخص طبيعة علاقاتنا مع الجار الشرقي فسأشارك معكم فكرة أوحت لي بها صديقة سويسرية أتواصل معها باللغة الألمانية، حيث سبق، أن سألتها ذات مرة خلال نقاش عن المبررات التي تجعل من السويسريين يعتبرون أنهم مختلفين عن باقي الأوربيين ويرفضون حتى فكرة الانضمام للاتحاد الأوروبي (سبق لي وأن شاركت في محاضرات كثيرة عن قوانين الاتحاد الأوربي أثناء تحضيري لشهادة ماستر أوروبي تناولنا فيها أحيانا خصوصية الظاهرة السويسرية)، المهم أن شريكتي في الحوار من سويسرا قالت لي عبارة بسيطة "نحن السويسريون نعتبر أن سويسرا جزيرة" أعجبت كثيرا بالفكرة التي أوحت لي بها محاورتي على اعتبار أن الجميع يعرف أن سويسرا لا تملك ساحلا على البحر، وتذكرت موقفي من الحدود البرية المغلقة بين المغرب والجزائر فأنا لا أتمنى أن تفتح هذه الحدود في يوم ما مستقبلا وأفضل أن يستوعب أشقائي وشقيقاتي المغاربة أن وطننا فوق الجميع وبالتالي سيكون من السهل علينا أن نعتبر أن المغرب جزيرة، على أن نستمر في مطالبة الجزائريين بفتح الحدود لأن الجغرافيا فرضت علينا جارا لم نأمن بوائقه. قد يعتبر البعض أن حدود سويسرا مفتوحة مع جيرانها بناء على اتفاقية شينغن حتى أن دويلة ليشتينشتاين الصغيرة التي لا تتوفر على مطار تتخذ من الفرنك السويسري عملة لها وتستعين بخدمات أقرب مطار سويسري في ارتباط وثيق مع كونفدرالية سويسرا، ولكن أنا أفضل أن يتم تكييف فكرة أن المملكة المغربية جزيرة على أرض الواقع من البحر الأبيض المتوسط حتى الحدود مع موريتانيا وأن نحتفظ بالتالي بحدود مفتوحة مع من يستحقون ذلك، وربما يستوجب علينا في المستقبل فتح نقاش عمومي حول جدوى مفهوم اتحاد المغرب العربي الذي يصفه البعض أيضا ب(المغرب الكبيرLe grand Magrheb ) بالرغم من أن أهل الاقتصاد يروجون للرخاء الاقتصادي الذي قد يجلبه الاندماج المغاربي، فأنا اشكك في الأمر وأعتبر أن فتح الحدود البرية مع الجزائر سيجلب من السلبيات أكثر من الايجابيات دون الخوض في الكثير من التفاصيل، فقط يمكن الاشارة الى الفكرة العامة للكتاب الذي انتهيت من مطالعته والذي بالمناسبة لم يحمل معلومات كثيرة جديدة فقد ذكر الكاتب الذي اشتغل طويلا كضابط في الجيش الجزائري في توطئة كتابه أن معظم دول العالم عندها جيش ولكن في الجزائر هناك جيش عنده دولة!