المتتبع النبيه للشأن السياسي وللتجارب الحكومية الدولية، يدرك الفرق بين حكومة يقودها حزب واحد مستند إلى أغلبية عريضة تمكنه من تمرير برنامجه وخياراته في إطار قواعد اللعبة الديمقراطية، دونما حاجة إلى تنازلات أو توافقات أو تسويات مع باقي الفرقاء، لأن الأغلبية العددية المعبأة وراءه تستطيع أن تحسم بالتصويت الديمقراطي في مشاريع القوانين المؤطرة للسياسات العمومية التي يسنها من موقعه الحكومي، وبين ائتلاف حكومي مكون من حزبين أو ثلاثة أو خمسة كما هو الشأن بالنسبة للمغرب، والذي غالبا ما يكون مضمونه تقارب إيديولوجي، أو رهانات سياسية متفق عليها، حيث يصبح هذا الاتفاق أو التوافق أرضية لصياغة برنامج عمل يشكل أساس العمل الحكومي، والضامن لأغلبية برلمانية تزكي اختيارات هذه الحكومة الائتلافية، فيكون الحزب المتصدر للانتخابات مكون من بين المكونات المشكلة للحكومة، لا تفاضل بينه وبين باقي مكونات الائتلاف الحكومي، الذي تم تنصيبه من طرف أغلبية برلمانية مشكلة من امتدادات مكونات الائتلاف داخل مجلس النواب، على عكس حكومة الحزب الواحد الحاصل على الأغلبية النسبية أو المطلقة. هكذا فإن المحدد الأساسي في عمل الحكومات الائتلافية، هو التوافق بين مكوناتها بخصوص القضايا والمشاريع والقوانين، حيث أن الضامن أو المسؤول الأول عن هذه التوافقات، هو بالدرجة الأولى الحزب القائد للائتلاف، صحيح مسؤولية باقي مكوناته هي مسؤولية قائمة، لكن ليست بدرجة المكون القائد، الذي من المفروض فيه أن يعمل جاهدا على تحقيق التوافقات حتى يضمن استمرار الائتلاف الذي يقوده. للأسف، حصل العكس في التجربة الحكومية الحالية، إذ أن الحزب القائد للائتلاف الحكومي، دائما ما ينقلب عن توافقاته واتفاقاته مع باقي مكونات هذا الائتلاف، حيث انقلب عن توافقه معها بخصوص قانون الإطار المتعلق بالتربية والتكوين، وانخرط في حملة لحشد الدعم ضده، من خلال إثارة نقاشات هامشية حوله، كما انقلب اليوم من خلال فريقه بمجلس النواب، عن توافقه مع الفرق النيابية لباقي مكونات الأغلبية الحكومية، فيما يتعلق بإدراج تعديلات على مشروع القانون الجنائي، وهو ما تثبته رسالة موقعة من طرف رؤساء فرق الأحزاب المشكلة للأغلبية الحكومية، بما فيها رئيس فريق العدالة والتنمية، سبق أن نشرت على صفحات إحدى الجرائد اليومية، وهو ما يعني أن مساعي فرق الأغلبية الرامية إلى الوصول إلى توافق بخصوص تعديلات مشتركة على مشروع القانون الجنائي قد كللت بالنجاح فعلا، على عكس تصريحات رئيس وبعض أعضاء فريق العدالة والتنمية، التي أعلنوا فيها عن عجز فرق الأغلبية عن الوصول إلى توافق بخصوص الموضوع المعني، وعن تقدمهم بشكل منفرد بتعديل استدراكي خارج الآجال المنصوص عليها قانونيا. فالتوقيع الجماعي لا يعني غير حصول توافق بين الفرق النيابية للأحزاب المشكلة للأغلبية الحكومية، لنكون للأسف أمام عملية انقلابية طافحة بالخشونة من طرف فريق الحزب القائد للأغلبية، وأمام حملة غير سليمة، عنوانها الاستعمال الفج للخشونة في اللعبة السياسية، المحكومة في الأصل بقواعد وأخلاقيات، ما يعكس الخصاص المهول في إتيقا التوافق عند الحزب الذي يقود الحكومة اليوم. فالمعلوم أن الحزب الذي يقود ائتلافا حكوميا، يجب أن يكون قدوة في التجميع وفي البحث عن التسويات والتوافقات، وينبغي أن يكون حريصا في بحثه عن القواسم المشتركة الدنيا بين مكونات الائتلاف الذي يقوده، من أجل تحقيق برامجه القطاعية وتنفيذ سياساته العمومية، بصورة يستحضر فيها عند كل لحظة وحين الطابع التعددي للحكومة، والذي يعني تنوع المرجعيات والحساسيات السياسية. الحزب الذي يقود ائتلافا حكوميا، حزب يشتغل مع الآخرين، ويحكم من خلالهم، ويصنع القرار باسمهم، وهو ما يفرض عليه، ضمان التوافق معهم. الحزب الذي يقود ائتلافا حكوميا، لا يرفع السقف عاليا، خصوصا على شركائه في الحكومة، ولا يزايد على من يعود الفضل إليهم في توليه قيادة هذا الائتلاف. الحزب الذي يقود ائتلافا حكوميا، لا يشترط ولا يقايض ولا يبتز، ولا يستبد، ولا ينعزل، ولا ينتشي بالمراوغات الفردية والصبيانية، ولا ينقلب على التوافقات التي كان جزء منها، والأهم لا ينخرط في حملات هستيرية لتسفيه شركائه والمزايدة عليهم بالبطولات الوهمية، في محاربة الطواحين الهوائية.