مجلس النواب يصادق بالأغلبية على الجزء الأول من مشروع قانون المالية لسنة 2025    غسل الأموال وتمويل الإرهاب… وزارة الداخلية تضع الكازينوهات تحت المجهر    الحكومة المغربية تعزز قطاع الدفاع الوطني بإعفاءات ضريبية جديدة    "الأمم المتحدة" و"هيومن رايتس ووتش": إسرائيل ارتكبت جرائم حرب ضد الإنسانية وجرائم تطهير عرقي    الركراكي: المباراة أمام الغابون ستكون "مفتوحة وهجومية"        مصرع 10 أشخاص بحريق في دار مسنين بإسبانيا    جدعون ليفي يكتب: مع تسلم ترامب ووزرائه الحكم ستحصل إسرائيل على إذن بالقتل والتطهير والترحيل    اكادير تحتضن كأس محمد السادس الدولية للجيت سكي    صحيفة إيطالية: المغرب فرض نفسه كفاعل رئيسي في إفريقيا بفضل "موثوقيته" و"تأثيره"    عامل إقليم الجديدة يزور جماعة أزمور للاطلاع على الملفات العالقة    بوريطة: المغرب شريك استراتيجي لأوروبا .. والموقف ثابت من قضية فلسطين    مثل الهواتف والتلفزيونات.. المقلاة الهوائية "جاسوس" بالمنزل    المنتخب المغربي يفوز على نظيره المصري في التصفيات المؤهلة لكأس أمام أفريقيا للشباب    إقصائيات كأس أمم إفريقيا 2025 (الجولة 5).. الغابون تحسم التأهل قبل مواجهة المغرب    اشتباكات بين الجمهور الفرنسي والاسرائيلي في مدرجات ملعب فرنسا الدولي أثناء مباراة المنتخبين    الحسيمة : ملتقي المقاولة يناقش الانتقال الرقمي والسياحة المستدامة (الفيديو)    تعيين مدير جديد للمدرسة الوطنية للهندسة المعمارية بتطوان    السفيرة بنيعيش: المغرب عبأ جهازا لوجستيا مهما تضامنا مع الشعب الإسباني على خلفية الفيضانات    مقاييس التساقطات المطرية خلال 24 ساعة.. وتوقع هبات رياح قوية مع تطاير للغبار    بحضور التازي وشلبي ومورو.. إطلاق مشاريع تنموية واعدة بإقليم وزان    عنصر غذائي هام لتحسين مقاومة الأنسولين .. تعرف عليه!    وزيرة الاقتصاد والمالية تقول إن الحكومة واجهت عدة أزمات بعمل استباقي خفف من وطأة غلاء الأسعار    لمدة 10 سنوات... المغرب يسعى لتوريد 7.5 ملايين طن من الكبريت من قطر    الدرك الملكي بتارجيست يضبط سيارة محملة ب130 كيلوغرامًا من مخدر الشيرا    المنتخب المغربي الأولمبي يواجه كوت ديفوار وديا في أبيدجان استعدادا للاستحقاقات المقبلة    أزمة انقطاع الأدوية تثير تساؤلات حول السياسات الصحية بالمغرب    هل يستغني "الفيفا" عن تقنية "الفار" قريباً؟    بتهمة اختلاس أموال البرلمان الأوروبي.. مارين لوبان تواجه عقوبة السجن في فرنسا    ‬المنافسة ‬وضيق ‬التنفس ‬الديموقراطي    الارتفاع ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    حوالي 5 مليون مغربي مصابون بالسكري أو في مرحلة ما قبل الإصابة    ألغاز وظواهر في معرض هاروان ريد ببروكسيل    الحكومة تعلن استيراد 20 ألف طن من اللحوم الحمراء المجمدة    صيدليات المغرب تكشف عن السكري    ملتقى الزجل والفنون التراثية يحتفي بالتراث المغربي بطنجة    الروائي والمسرحي عبد الإله السماع في إصدار جديد    خلال 24 ساعة .. هذه كمية التساقطات المسجلة بجهة طنجة    الإعلان عن العروض المنتقاة للمشاركة في المسابقة الرسمية للمهرجان الوطني للمسرح    نشرة إنذارية.. هبات رياح قوية مع تطاير للغبار مرتقبة اليوم الخميس وغدا الجمعة بعدد من أقاليم المملكة    معدل الإصابة بمرض السكري تضاعف خلال السنوات الثلاثين الماضية (دراسة)    تمديد آجال إيداع ملفات الترشيح للاستفادة من دعم الجولات المسرحية    مركز إفريقي يوصي باعتماد "بي سي آر" مغربي الصنع للكشف عن جدري القردة    الاحتيال وسوء استخدام السلطة يقودان رئيس اتحاد الكرة في جنوب إفريقا للاعتقال    عواصف جديدة في إسبانيا تتسبب في إغلاق المدارس وتعليق رحلات القطارات بعد فيضانات مدمرة    "هيومن رايتس ووتش": التهجير القسري الممنهج بغزة يرقي لتطهير عرقي    إسرائيل تقصف مناطق يسيطر عليها حزب الله في بيروت وجنوب لبنان لليوم الثالث    أسعار النفط تنخفض بضغط من توقعات ارتفاع الإنتاج وضعف الطلب    حفل توزيع جوائز صنّاع الترفيه "JOY AWARDS" يستعد للإحتفاء بنجوم السينماوالموسيقى والرياضة من قلب الرياض    هذه أسعار أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    غارة جديدة تطال الضاحية الجنوبية لبيروت    أكاديمية المملكة تفكر في تحسين "الترجمة الآلية" بالخبرات البشرية والتقنية    الناقد المغربي عبدالله الشيخ يفوز بجائزة الشارقة للبحث النقدي التشكيلي    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    جرافات الهدم تطال مقابر أسرة محمد علي باشا في مصر القديمة    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحق في الصحة بالمغرب .. التنصيص القانوني والإعمال الواقعي
نشر في هسبريس يوم 07 - 02 - 2020

"من بين جميع أشكال عدم المساواة، فإن الظلم في الرعاية الصحية هو الأكثر إثارة للصدمة واللاإنسانية" (مارتن لوثر كينغ)
تتعالى الأصوات والمطالب بوسائل التواصل الاجتماعي كما في الواقع للمطالبة بحق من الحقوق الأساسية للإنسان هو الحق في الصحة.
ومع نمو الوعي بأهمية هذا الحق خاصة وبحقوق الإنسان عامة تتنامى الاحتجاجات وتنمو انتظارات ومطالب جديدة تطالب بتجويده والعدالة في إحقاقه شأنه في ذلك شأن باقي حقوق الإنسان الأساسية المتداخلة والمتصلة والتي يصعب تفكيكها.
تنظم ندوات حول الموضوع وتعقد لقاءات لتدارس الجوانب المرتبطة به وتحدث شبكات للدفاع عن الحق في الصحة وتوقع معاهدات واتفاقيات دولية حول ضرورة احترام هدا الحق الأساسي المثبت في دساتير العديد من الدول التي تتعهد بتكريسه في تشريعاتها. لكن كم من الإجراءات تُتخذ لضمانه؟ وكم من الدراسات التقييمية التي تجري لقياس مدى احترام الدول لالتزاماتها تجاه هذا الحق؟ وما أثر ذلك على حفظ صحة وحياة وكرامة الإنسان؟
يطرح الحق في الصحة إشكالان جوهريان؛ الأول مبدئي ويدخل في إطار فلسفة القانون ونظرية الحق، ويقتضي قطعا تلازم هذا الحق بالواجب. والثاني موضوعي عملي يتلخص في الجواب على السؤال التالي: على عاتق من تقع مسؤولية ضمانه؟ وهل يكفي التنصيص عليه دون إعماله للاستجابة لاستحقاق جميع المواطنين له؟
لم يتفق فقهاء القانون على تعريف واحد للحق حيث عرفه البعض بأنه قدرة أو سلطة إرادية مخولة للشخص (نظرية الإرادة أو النظرية الشخصية)، وعرفه البعض الآخر بأنه مصلحة يحميها القانون. ويؤاخذ على النظرية الأولى اقتصار تعريف الحق على من تتوافر لديهم الإرادة متجاهلة الاعتراف بهذا الحق لعديمي الإرادة كالمجنون أو ناقصها. في حين يؤاخذ على نظرية المصلحة بأنها تُعرف الحق انطلاقا من غايته متجاهلة جوهر الحق.
ثم جاءت النظرية المختلطة فجعلت الحق سلطة إرادية تثبت للشخص تحقيقا لمصلحة يحميها القانون. إذ عرّفه الفقيه البلجيكي " DABIN" بأنه استئثار الشخص بقيمة معينة أو بشيء معين عن طريق التسلط على تلك القيمة أو الشيء. وإذا كان هذا التعريف أقرب إلى الصواب إلا أنه يتجاهل عنصر الحماية القانونية. ولهذا فإن التعريف المناسب للحق هو: "سلطة يمنحها الشخص لشخص آخر أو على شيء معين مع توفير الحماية القانونية لهذه السلطة".
بهذا المعنى تحدثت الدكتورة مارغريت تشان، المديرة العامة السابقة لمنظمة الصحة العالمية، ذات مرة قائلة: "العالم في حاجة إلى حارس أمين على صحته، يحرس القيم ويحمي الصحة ويدافع عنها، بما في ذلك الحق في الصحة".
ينص دستور المنظمة العالمية للصحة لسنة 1946 على أن "التمتع بأعلى مستوى من الصحة يمكن بلوغه هو أحد الحقوق الأساسية لكل إنسان، دون تمييز بسبب العنصر أو الدين أو العقيدة الأساسية أو الحالة الاقتصادية أو الاجتماعية" كما ينص نفس الدستور في ديباجته على أن "ما تحققه أية دولة في مجال تحسين الصحة وحمايتها أمر له أهميته للجميع".
إن الحق في الصحة "حق شامل لا يقتصر على تقديم الرعاية الصحية المناسبة وفي حينها فحسب، بل يشمل أيضاً المقومات الأساسية للصحة مثل الحصول على مياه الشرب المأمونة والصرف الصحي المناسب، والإمداد الكافي بالغذاء الآمن والتغذية والمسكن، والظروف الصحية للعمل والبيئة، والحصول على التوعية والمعلومات فيما يتصل بالصحة..." (لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للأمم المتحدة.
إن هذا التوصيف يلخص الحق في الصحة في توفر عنصرين اثنين: الحق في الرعاية الصحية من جهة وارتباطه بالمقومات أو المحددات الاجتماعية للصحة من جهة أخرى، من توفر مياه صالحة للشرب وتغذية كافية وظروف عيش صحية ملائمة وكذلك الحصول على توعية صحية مناسبة.
كما أكد الإعلان العالمي لحقوق الانسان في مادته 25 على أنه "لكل شخص الحق في مستوى من المعيشة كاف للمحافظة على الصحة والرفاهية له ولأسرته، ويتضمن ذلك التغذية والملبس والمسكن والعناية الطبية، وكذلك الخدمات الاجتماعية اللازمة، وله الحق في تأمين معيشته في حالات البطالة والمرض والعجز والترمل والشيخوخة وغير ذلك من فقدان وسائل العيش نتيجة لظروف خارجة عن إرادته".
من هنا يظهر الارتباط الوثيق للحق في الصحة بباقي الحقوق الأخرى؛ وهي خاصية حقوق الإنسان بكونها كل لا يتجزأ، كالحق في المأكل، والمسكن، والعمل، والتعليم، والكرامة الإنسانية، والحياة، وعدم التمييز، والمساواة، وحظر التعذيب، والخصوصية، والوصول إلى المعلومات، وحرية تكوين الجمعيات، والتجمع، والتنقل...
المبادئ الأساسية للحق في الصحة:
يرتكز الحق في الصحة على مبادئ أساسية يمكن تلخيصها في ما يلي:
عدم التمييز: يجب ضمان وحماية الحق في الصحة دون تمييز بسبب النوع أو السن أو المستوى الاجتماعي أو الإعاقة ...
المشاركة: المشاركة في الطريقة التي يتم بها اتخاذ القرارات بشأن القضايا المتعلقة بالصحة والتأثير على قرارات الحكومة التي تؤثر على الصحة.
المساءلة: يجب وضع التدابير وآليات الرصد الفعالة التي تضمن أن تلتزم الحكومات بمعايير الحق في الصحة وينبغي أن يكون للناس حرية الوصول إلى الآليات المناسبة في حالة شعورهم أن حقوقهم قد تم انتهاكها.
مكونات الحق في الصحة:
قدمت لجنة الأمم المتحدة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في تعليقها العام رقم 14 إرشادات مفصّلة للدول بشأن التزاماتها باحترام الحق في الصحة وحمايته والوفاء به. كما أشارت اللجنة نفسها إلى أن هذا الحق يتضمن السمات المترابطة والأساسية التالية والتي اعتبرتها المقاربة الحقوقية من مكونات الحق في الصحة:
التوافر (Availability) : يجب أن توفر الدول العدد الكافي من مرافق الرعاية الصحية العاملة العامة والفردية على كامل أراضيها، فضلا عن توفير المياه المأمونة ومرافق الصرف الصحي، والموظفين الطبيين والمهنيين المدربين الذين يتقاضون أجرًا منصفًا ، والعقاقير الأساسية.
إمكانية الولوج أو الولوجية (Accessibility): تتسم إمكانية الولوج بأربعة عناصر أساسية هي : عدم التمييز، والولوجية المادية (الولوجية المادية بالمنظور الاقتصادي)، وإمكانية الوصول إلى المعلومات؛ إذ يجب أن يتمتع كل شخص بإمكانية الوصول إلى المرافق والخدمات المرتبطة بالصحة، لاسيما الفئات الأكثر ضعفًا من غير أي تمييز بِناء على أي من الأسباب المحظورة. كما يجب أن تكون المرافق والخدمات -فضلا عن المقومات الأساسية للصحة- مثل مرافق المياه والصرف الصحي، في المتناول المادي والآمن. ويجب أن يتمكن الجميع من تحمل نفقات المرافق والخدمات المرتبطة بالصحة، على أن يُراعى مبدأ الإنصاف لدى سداد المقابل المادي، مما يُجنب الأسر الفقيرة تحمل عبء نفقات صحية لا تتناسب معها. وأخيرًا، يتعين على الدول أن تكفل لكل شخص الحق في التماس المعلومات المتعلقة بالمسائل الصحية والحصول عليها ونقلها، من غير أن يُخلّ ذلك بسرية البيانات الطبية.
المقبولية (Acceptability) : ينبغي أن تحترم كل المرافق الصحية الأخلاق المهنية للممارسة الطبية وثقافة الأفراد والمجتمعات، فضلا عن مراعاتها لمتطلبات الجنسين ودورة الحياة.
الجودة (Quality): ينبغي أن تكون المنشآت والخدمات الصحية ملائمة من الناحيتين العلمية والطبية وذات نوعية جيدة. وهذا الأمر يتطلب -من جملة أمور أخرى- توفر العقاقير والمعدات اللازمة، وموظفين طبيين ماهرين، ومرافق المياه والصرف الصحي المأمونة.
من المسؤول عن ضمان الحق في الصحة؟
تقع مسؤولية ضمان الحق في الصحة وتوفير شروط الرعاية الصحية مبدئيا على عاتق الدولة عامة أو الحكومات على وجه التحديد، وقد تبنت المنظمة العالمية للصحة هذا الطرح في دستورها: "الحكومات مسؤولة عن صحة شعوبها ولا يمكن الوفاء بهذه المسؤولية إلا باتخاذ تدابير صحية واجتماعية كافية." وبالتالي فإن ضمان هذا الحق مقرون بتوفير محددات اجتماعية وضمان حقوق أخرى سلفا. والمسؤولية لا تقع فقط على عاتق الدولة لوحدها، خاصة بعد التطور الدي عرفته أدوار الدولة وتباين نسب تدخلها في حياة الأفراد، وكذا بروز تنظيمات المجتمع المدني التي أضحت تعنى بضمان هذا الحق. دون إغفال دور الهيئات المنتخبة ترابية كانت أم مهنية. لأن "صحة جميع الشعوب أمر أساسي لبلوغ السلم، وهي تعتمد على التعاون الأكمل للأفراد والدول".
أما في ما يتعلق بطريقة ضمان هذا الحق، فلا يكفي الانخراط أو التصديق على العهود والمواثيق الدولية التي ترعى الحق في الصحة والحقوق المرتبطة به، بل إن ضمان هذا الحق يبدأ بالتنصيص الدستوري والقانوني والتنظيمي عليه، وكذا التطبيق الفعلي لتلك الالتزامات على أرض الواقع برصد الاعتمادات المالية الكفيلة بتحقيقها وتجنيد الكفاءات التي تساهم في تجويد خدمات الرعاية الصحية في إطار العقد الاجتماعي بين الدولة والأفراد.
الحق في الصحة أو الرعاية الصحية بالمغرب:
المعلوم في القانون الدولي أن توقيع أي دولة على معاهدة أو اتفاقية ما، لا يعني بالضرورة انخراطها في تطبيقها إلا بعد المصادقة أو التصديق عليها. ورغم إلزامية تنفيذ هذه المعاهدات بعد التصديق عليها فقد تتعارض مع مبدأ السيادة الوطنية والتوجهات السياسية لكل دولة. وأمام ذلك فلا يملك المنتظم الدولي عمليا قوة الإكراه على تنفيذ بنود تلك الاتفاقيات باستثناء الشجب أو رفع تقارير دورية حول احترام هذه الالتزامات.
ورغم اعتراف المغرب بحقوق الإنسان والتزامه بدستور المنظمة العالمية للصحة، فإن دسترة "الحق في الصحة" لم يتم تكريسها إلا في دستور 2011. حيث نص الفصل 31 من الدستور على ما يلي: "تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية، على تعبئة كل الوسائل المتاحة، لتيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين، على قدم المساواة، من الحق في:
- العلاج والعناية الصحية.
- الحماية الاجتماعية والتغطية الصحية، والتضامن التعاضدي أو المنظم من لدن الدولة.
- الحصول على تعليم عصري ميسر الولوج وذي جودة.
- التنشئة على التشبث بالهوية المغربية، والثوابت الوطنية الراسخة.
- التكوين المهني والاستفادة من التربية البدنية والفنية.
- السكن اللائق.
- الشغل والدعم من طرف السلطات العمومية في البحث عن منصب شغل، أو في التشغيل الذاتي.
- ولوج الوظائف العمومية حسب الاستحقاق.
- الحصول على الماء والعيش في بيئة سليمة.
- التنمية المستدامة"
إن القراءة المتأنية لمقتضيات هذا الفصل تفضي إلى الاستنتاجات التالية:
الدستور المغربي لم ينص صراحة على ضمان الحق في الصحة ولكن فقط على تعبئة كل الوسائل المتاحة لتيسير أسباب استفادة المواطنين من الحق في العلاج والعناية الصحية ...
وأن مسؤولية تعبئة هذه الوسائل تقع على عاتق الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية في إطار مسؤولية مشتركة.
كما اقترن ضمان الحق في العلاج والعناية الصحية في توفير حقوق أخرى.
كما أن خلو الدساتير السابقة من هذا الإقرار، لا يعني بالضرورة الغياب الكامل للبنى القانونية والمؤسساتية التنظيمية لمجالهما وامتداداتهما داخل باقي القطاعات الأخرى.
فقد تطرقت عدة مقتضيات قانونية بطريقة مبدئية رمزية أو أدبية لبعض جوانب الحق في الصحة مند صدور القانون 65.00 بمثابة مدونة للتغطية الصحية الأساسية، في أكتوبر 2002. حيث نصت الفقرة 5 من ديباجته على أن حماية الصحة: "تفرض على الدولة التزاما بتوفير الخدمات الصحية الوقائية مجانا لفائدة جميع المواطنين أفرادا أو جماعات بالإضافة على سهرها على تنظيم مجال تقديم خدمات طبية نوعية ".
أما القانون 34.09 بتاريخ 2 يوليوز2011 المتعلق بالمنظومة الصحية وعرض العلاجات فقد أفرد للحق في الصحة:
المادة الخامسة التي تنص على مسؤوليات باقي مكونات المجتمع والدولة في الرعاية والحفاظ على الحق في الصحة: "تساهم الجماعات المحلية والمنظمات المهنية والجمعيات التي تعمل في مجال الصحة والحفاظ على البيئة إلى جانب الدولة في تحقيق الأهداف والأعمال الصحية".
في حين أكد القانون 112.14 المنظم للعمالات والأقاليم والصادر بتاريخ 7 يوليوز 2015، في مادته 79 والمتعلق بالاختصاصات الذاتية لهذه الأخيرة في مجال الصحة، على أن العمالة أو الإقليم تمارس اختصاصات ذاتية داخل نفوذها الترابي في مجال تشخيص الحاجيات في مجالات الصحة والسكن والتعليم والوقاية وحفظ الصحة. كما أشار نفس النص "وفي إطار اختصاصاتها المشتركة المنصوص عليها بالمادة 86 تعنى العمالة والإقليم بتأهيل العالم القروي في ميادين الصحة والتكوين والبنيات التحتية والتجهيزات".
أما القانون رقم 111.14 المنظم للجهات الصادر في 23 يوليوز 2015 فتحدث في مادته 94 عن الصحة باعتبارها أحد المجالات المنقولة من الدولة إلى الجهات.
إن التوجه نحو تكريس الجهوية الموسعة رافقته إجراءات قانونية وتنظيمية تهدف الى إعطاء الجهات المزيد من الاختصاصات للمساهمة في التنمية الجهوية الشاملة والنهوض بالقطاع الصحي على الصعيد الجهوي حيث أصبح الوالي يلعب دورا مهما في هذا الإطار في إطار دعم سياسة اللاتمركز الإداري.
إذ بحسب المادة 53 المرسوم 24 يوليوز2015 بتطبيق القانون الإطار رقم 34.09 يتولى والي الجهة رئاسة اللجنة الجهوية لعرض العلاجات ويبدي رأيه حول مشروع المخطط الجهوي لعرض العلاجات المتعلق بالجهة مع مراعاة التقطيع الترابي والصحي والخريطة الصحية بالجهة وبالنسبة لكل عمالة أو اقليم. وذلك بحسب المادة 24 من القانون 34.09 التي تحدد الحاجيات في ما يلي:
جرد البنية التحتية الصحية الموجودة.
التوقعات المرتقبة للمؤسسات الصحية...
التوزيع المجالي والتوقعات المرتقبة في إعداد الموارد البشرية…
ويتلخص دور الجماعات في ميدان الصحة في الاختصاصات المنصوص عليها بالقانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات، حيث نصت المادة 83 منه بأن الجماعة تقوم في إطار اختصاصاتها الذاتية بإحداث وتدبير المرافق والتجهيزات العمومية اللازمة لتقديم خدمات القرب في الميادين التالية: ... حفظ الصحة، نقل المرضى والجرحى... أما المادة 87 من نفس النص فينص على صيانة المستوصفات الصحية الواقعة في النفود الترابي للجماعة في إطار اختصاصات المشتركة مع الدولة.
أما المادة 3 من القانون 34.09 فتنص على أن هدف أعمال الدولة في مجال الصحة هو الوقاية من الأخطار المهددة للصحة، كما تدخل في خانة هذه الأعمال التربية الصحية والتشجيع على اعتماد أنماط عيش سليمة، المراقبة الصحية وتقديم خدمات وقائية أو علاجية أو ملطفة وخدمات إعادة التأهيل.
وعلاقة بحقوق المريض وضرورة انخراط الطبيب في حمايتها، أكد القانون 131.13 المتعلق بمزاولة مهنة الطب والصادر ب 12 مارس 2015 في مادته الثالثة بأنه: يجب على كل طبيب، كيفما كان القطاع الذي ينتمي إليه أن يساهم في سياسة الدولة الهادفة إلى حماية الصحة العمومية والارتقاء بالصحة والتربية الصحية.
على سبيل الختم:
إذا كان الحق في الصحة يشمل الحصول على الرعاية الصحية المقبولة والميسورة التكلفة ذات الجودة المناسبة في التوقيت المناسب. فإنه بالرغم من ذلك يعاني كل عام نحو 150 مليون شخص في العالم من كوارث مالية ويقع 100 مليون شخص في دائرة الفقر بسبب الإنفاق على الرعاية الصحية.
من هنا يتضح أن الطريق ما زال طويلا لضمان هذا الحق بصفة متساوية لجميع المواطنين ولكل الشعوب، وضرورة إشراك كافة الفاعلين -جماعات وأفرادا حكوميين أو غير حكوميين- أضحى أمرا ملحا لحماية هذا الحق وإعماله ورعايته وفق نظرة شمولية بالارتكاز على تفعيل آليات تتبع وتقييم احترامه من طرف جميع الدول.
أما بالمغرب فالأمل معقود على التنزيل الفعلي والواقعي لميثاق عدم التمركز وورش الجهوية الموسعة، الذي قد يحظى معه الحق في الصحة بحماية أوفر في ظل البعد الجهوي وسياسة القرب في الميدان الصحي ومراعاة الخصوصيات الثقافية، البيئية، السوسيواقتصادية، الديموغرافية والوبائية في معالجة القضايا الصحية جهويا والتقليص من الفوارق الاجتماعية في مجال الصحة. وقبل كل شيء توفير الشرط الأساسي لكل ذلك، وهو الشرط المتمثل في نظام رشيد للحكامة لا يمكن تأسيسه إلا على ديموقراطية حقيقية يتم فيها ربط المسؤولية بالمحاسبة وتضمن استفادة الجميع من التوزيع العادل للثروة في بلد أنهكه الريع والفساد وغياب المحاسبة.
*أكاديمية وباحثة متخصصة في شؤون الحقوق المرتبطة بالصحة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.