ناقش خبراء ومسؤولون دوليون سبل مكافحة التطرف داخل السجون، خاصة أمام ارتفاع أعداد المدانين في قضايا الإرهاب والراديكالية خلال السنوات الأخيرة. المتحدثون الحاضرون خلال اليوم الثاني من المنتدى الإفريقي الأول لإدارات السجون وإعادة الإدماج تحدثوا عن أهمية وضع برامج خاصة بالسجناء المتطرفين، لتفادي حالات العود وتجنبا لنقلهم أفكارهم لباقي السجناء. وفي هذا الإطار أوضحت ليزا ليزشورت، ممثلة لجنة الأممالمتحدة لمكافحة الإرهاب، أن عدد الأشخاص الذي اعتقلوا على خلفية قضايا الإرهاب ارتفع خلال سنوات الخمس الماضية . وقالت ليزشورت: "إن هذه الفئة ولو كانت تمثل جزءا بسيطا من الأشخاص الموجودين في السجون الوطنية إلا أنه يجب النظر فيها، خاصة مع بداية عودة المقاتلين الأجانب إلى بلدانهم". وشددت الخبيرة الأمنية على ضرورة تصميم برامج خاصة بإعادة التأهيل، مبرزة أن "هذه القضايا تستدعي الخروج بمبادئ توجيهية لتوحيد الجهود". وأكدت ليزشورت أن عددا من قرارات مجلس الأمن تساند نظرية احترام حقوق الإنسان، منبهة إلى الحاجة إلى توعية الدول الأعضاء في احترام حقوق الإنسان، "خاصة أن عددا قليلا منها وافقت على المواثيق الدولية لاحترام حقوق الإنسان ومناهضة التعذيب؛ وهو ما يتطلب بذل مزيد من الجهود لحمل الدول على الانضمام للمواثيق الدولية حتى لا يكون هؤلاء السجناء ضحايا مرة أخرى". وأشارت الخبيرة الأممية إلى أن السجناء يكونون في وضعية هشة وهو ما يستدعي تحسين ظروف السجن، لافتة إلى أن عددا من التدابير يجب اتباعها، منها محاربة اكتظاظ وفساد الموظفين وانتشار الرشوة التي من شأنها أن "تجعل السجون محلا لانتشار الراديكالية وتؤدي إلى نتائج وخيمة ستؤدي إلى الفشل في احتواء ظاهرة الإرهاب". وتحدثت ليزشورت عن أهمية تقييم الأوضاع من أجل وضع البرامج المناسبة وتقييم المخاطر، قائلة: "لا يمكن وضع السجناء في خانة واحدة، بل يجب التعرف على سمات السجناء المختلفة والتعرف على سمات الإرهابيين". وأوصت المتحدثة ب"الثقة في أن السجناء على خلفية قضايا الإرهاب لهم قدرة على العودة للمجتمع كمواطنين صالحين، عن طريق فهم التأويلات الخاطئة للدين التي تؤدي إلى الإرهاب". وتؤكد الخبيرة على أهمية استخدام الأدوات الدينامية التي تساعد السجناء في فهم الدين وأسس المواطنة الصالحة، قائلة إنه على الحكومات أن تطرح السؤال المناسب للخروج بالردود المناسبة وأيضا تضافر الجهود لتحقيق إعادة الإدماج، موضحة أن البرامج المتبعة يجب أن تكون ذات سمة خاصة، وحسب الاحتياجات المعبر عنها، لا برامج موحدة، خاصة أن "نجاعة البرامج تؤتي ثمارها ‘ذا كانت هناك استدامة للجهود". من جانبه تحدث رومان بيري، ممثل إدارة السجون بفرنسا، عن مخطط بلاده لمحاربة التطرف داخل السجون الفرنسية التي قال إنها تضم 500 محتجز، وأكثر من 800 سجين متطرف، متنوعين بين نساء رجال القاصرين. وقال بيري في كلمته: "الإرهاب شهدناه في سجوننا منذ عشرات السنين.. خصوصية الظاهرة فرضت علينا ضرورة إيجاد إجابات غير التي اتبعناها في سنوات فارطة". وأكد بيري على التحديات التي يطرحها موضوع السجناء المتطرفين، قائلا إن هؤلاء يمكنهم نقل أفكارهم لباقي السجناء، ويطرحون خطرا أمنيا، إذ بإمكانهم شن هجمات إرهابية داخل السجون ضد الموظفين، وتابع: "مسألة الفصل باتت أمرا مهما لمواجهة الظاهرة". ويردف المسؤول الفرنسي: "وضعنا إستراتيجية تتمحور على أفكار مختلفة، فبعد هجمات 2015 وضعت السلطات الفرنسية مخططا للإجابة عن الظاهرة". وأكد بيري أن فرنسا وضعت مهمة لمحاربة التطرف العنيف في المؤسسات السجنية تنبني على تعزيز الاستعلامات السجنية، ووضع إستراتيجية خاصة لمقاومة الظاهرة عن طريق تحديد الفئة المستهدفة والتكفل. ويبرز بيري أنه تم أيضا وضع فرق متخصصة في وحدات متخصصة لحماية وضمان أمن المؤسسات والأحياء السجنية التي يقطن بها هؤلاء السجناء. ويشير المسؤول الفرنسي إلى أنه خلال الاحتجاز العادي يتم التدقيق مع السجناء لمعرفة مؤشرات التطرف واكتشاف علامات ترجح كون سجين معين متطرفا. عقب مرحلة التحديد يقوم المسؤولون الفرنسيون بتعميق النقاش مع لجنة خاصة تضم أخصائيا نفسيا ووسيطا دينيا وخبراء لهم مستوى ثقافي عال للقاء هؤلاء الأشخاص، والهدف هو خلق خطاب مختلف. ويشير بيري إلى أن التقييم يتم أيضا في جناح خاص، إذ تتوفر فرنسا على ستة أجنحة وفرق متخصصة لتحديد مدى التطرف والعنف الذي ينطوي عليه شخص، قائلا: "بعد التقييم نحدد أين نضع هؤلاء المحتجزين، إما في زنازين محددة أو السجن الانفرادي أو السجون التي تسمى "السجون الأم" أو جناح المتطرفين. كما أنه عبر التقييم نعرف ما إذا كان الشخص قابلا للتغيير أم لا". ويضيف المتحدث ذاته: "بعد ستة أشهر من الاشتغال نحدد إذا كنا سنستمر في التكفل بالسجين أو وضعه في السجن الانفرادي"، مؤكدا أن 75 بالمائة من هؤلاء السجناء يتم نقلهم للأجنحة العادية بعد مرحلة الاشتغال معهم وينجح معهم البرنامج المتبع. وختم المتحدث الفرنسي حديثه بالقول إن بلاده تتوفر على أربعة مراكز لتتبع السجناء بعد مرحلة السجن لضمان عدم عودتهم للتطرف. وأولى بنجمان جوكا، ممثل جمهورية كينيا، الأهمية لضرورة احتواء ظاهرة اكتظاظ السجون، قائلا إن بلاده تؤوي "حوالي 53 ألف سجين، 63 بالمائة منهم محكومون و37 في انتظار الحكم". وتحدث جوكا عن أهمية وضع بنى تحتية وبرامج خاصة لمعرفة كيفية التعامل مع المدانين بالتطرف العنيف، مشددا كذلك على ضرورة تكوين العاملين بالمؤسسات السجنية وتحسين برامج إعادة التأهيل؛ ناهيك عن التصدي لعمليات التطرف ووضع أسس البنى التحتية لتكوين الأطر، مع الالتزام والإرادة لمكافحة الظاهرة.