لا يمكن لصاحب حس مرهف الاستغناء عن سماع موسيقى الألماني الشهير لوديفغ فان بيتهوفن، واسعة الانتشار كنغمات على الهواتف المحمولة، أو كموسيقى مصاحبة لسرد معلومات تاريخية؛ ولكن عادة ما يكون بطريقة لا تتناسب مع قيمتها الفذة. وتنتشر صور بيتهوفن، بوجهه ذي الملامح الصارمة وخصلات شعره الرمادية الداكنة، على الكتب وأغطية الأقراص المدمجة (سي دي) وأكياس التسوق والقمصان، خصوصا هذا العام في ألمانيا والنمسا، حيث تجرى الاحتفالات بمناسبة مرور 250 عاما على ميلاده. وتتضمن حملة "BTHVN"، ومقرها بون- وهي المدينة الواقعة في غرب ألمانيا، والتي شهدت ميلاد الملحن الراحل، المولود في عام 1770 والذي توفي في عام 1827 - مئات الحفلات الموسيقية والفعاليات المدرجة على موقعها الإلكتروني كجزء من الاحتفالات. وإذا كان من المعروف أن أعمال بيتهوفن تنتشر في كل مكان، يبقى السؤال المطروح، لماذا هو كذلك؟ ومن الممكن أن تتفاخر نجمات الغناء من أمثال ريانا وتايلور سويفت، بعدد مرات تنزيل أغنياتهن على الأنترنيت، حتى إذا كانت موسيقى بيتهوفن تحظى بوجود أكثر من 5 ملايين مستمع لها على خدمة "سبوتيفاي" للبث الموسيقي، شهريا؛ ولكن عندما يتعلق الأمر باختيار عمالقة الفن، فإن بيتهوفن ما زال يحتفظ بالصدارة على الكثير من القوائم الفنية. وقد ركزت أجيال من خبراء الموسيقى على أعمال الملحن، الذي توفي في فيينا عن عمر ناهز 56 عاما فقط. وكانت حياة الملحن الأسطوري، التي قضاها في بون وفيينا في ظل الثورة الفرنسية، وفي مواجهة غزو جيوش نابليون، بعيدة كل البعد عن البطولة. وقد عانى بالفعل، ولا سيما عندما بدأ يفقد سمعه في سن السابعة والعشرين. وكان بيتهوفن عند وفاته قد فقد سمعه تماما. ووصل الأمر به إلى أنه فكر في الانتحار بسبب فقدانه حاسة السمع، في رسالة كتبها إلى إخوته في عام 1802. ولم يسمع بيتهوفن الكثير من أعماله الأكثر أهمية. كما كان الحب غير المتبادل قَدَره أيضا. وقد ظهر ذلك، على سبيل المثال، في علاقته بالسيدة المتزوجة جوزفين فون برونزفيك، التي صارت أرملة لاحقا. ومن المفترض أن رسائله إلى "حبه الأبدي" كانت موجهة إليها. ولم تتحمل روحه الحرة غير المبالية بالعادات والتقاليد أي حل وسط. وقد كتب إلى واحد من رعاته، وهو الكونت موريتز ليشنوفسكي، "أنا أحتقر الكذب. لا تزورني مرة أخرى". وقد أصبح عناد بيتهوفن واضحا عندما كان لا يزال في المدرسة، وربما كان ذلك لأنه اضطر لتحمل مسؤولية شقيقيه بعد وفاة والدتهم متأثرة بإصابتها بمرض السل، وإدمان والده، الذي كان مغنيا في فرقة كورال في بون، الكحوليات. وفي سن الرابعة عشرة، كان يعزف على آلة "الارغن" الموسيقية، في الكنيسة بقصر بون الانتخابي، مقر رئيس أساقفة كولونيا. وفي سن الثانية والعشرين، انتقل إلى فيينا للتدريب على التلحين. وقد كانت السنوات الأولى في عاصمة الإمبراطورية النمساوية تتسم بالصعوبة. وكان بيتهوفن مترددا في تلبية ذوق الجمهور للموسيقى الخفيفة، حيث كان يصارع مع نفسه ومع فنه، كما تظهر مؤلفاته من ذلك الزمن. وقد تكون حقيقة أن عمليه "فور إليزه" (من أجل إليزه) و"أود تو جوي" (السيمفونية التاسعة) هما الأكثر شهرة بين أعماله أمرا مفهوما، ولكن هذين العملين لا ينصفان مجمل أعماله. ويكمن جوهر إرث بيتهوفن، إلى حد ما، في تأليفه 32 سوناتا للبيانو، وفي الرباعيات الوترية، وفي أوبرا "فيديليو" - وهي الأوبرا الوحيدة - وفي مؤلفات السوناتا الخاصة بالكمان والتشيلو. وقد كانت هذه الأعمال هي التي تحدت أعراف الزمن، من أجل تقديم أرضية موسيقية جديدة. وتشير السيمفونيتان الأولى والثانية إلى خرق الأعراف التقليدية؛ بينما سعى من خلال السيمفونية الثالثة، وهي "إرويكا"، إلى الوصول إلى السوق الفرنسية، حيث أهداها إلى نابليون، الحاكم الثوري. ولكن إعجابه لم يدم طويلا، حيث غضب من قرار نابليون بإعلان نفسه إمبراطورا في عام 1804، ويقال إن بيتهوفن قام بمسح الإهداء الذي كتبه لبونابرت. وعند وفاته في عام 1827، سار ما يقدر بنحو 20 ألف شخص وراء نعشه لتشييع جثمانه إلى مثواه الأخير، في فيينا. *د.ب.أ