قرية صغيرة اسمها "أم الرمان" كما هو مكتوب في علامات التشوير، أو "مّْ الرمان" كما ينطقها ساكنة هذا الدوار الذي يوجد على يمين الطريق الجهوية رقم 108، المتجهة نحو مركز تازارين إذا كنتَ قادما من مركز النقوب بإقليم زاكورة. على يمينك هناك تحت الجبل، على بُعد كيلومترين تقريبا من الطريق غير المعبدة، توجد قرية "أم الرمان"، حيث يعبر الأهالي طريقا تمر عبر وادٍ واسع قادم من صاغرو غير دائم الجريان، التهم الكثير من أراضي الدوار في أزمنة فائتة؛ لكن القرية تصبح معزولة عن العالم الخارجي في أيام المطر والوديان. أم الرمان بدون رمّان يرمز اسم هذا الدوار إلى وجود أشجار الرمان بكثرة، وقد يتخيل من لم يزر هذه القرية من قبل أنه سوف يصادف صُنوفا من هذه الفاكهة وصفوفا من أشجارها في حقول الفلاحين البسطاء؛ لكن ضيف هذه البلدة، التي بدأ الإسمنت يلتهم منازلها الطينية، سوف يتكسر أفق انتظاره عندما لن يجد ما يدل عليه هذا الاسم القديم. إن عدد أشجار الرمان المتبقية لا يتجاوز عدد أصابع اليد، بعدما قضى الجفاف على أغلب الأشجار المثمرة، وتخلت الساكنة عن إعادة زراعتها، مكتفية بالنخيل وبعض الزراعات كالخضر والحبوب لما لها من مردودية في سنوات الخصب. وإن كان هناك من القلة من يصر على الاحتفاظ بشجرة رمان في حديقة بيته أو في حقله لتذكره بأمجاد قرية كان فيها الرمان بجنبات الساقية التي جف منبعها الآن، وكانت في سالف الأزمان تقطع الدوار بالكامل من "أڭرڭان" غربا مرورا ب"تامسافيت"، ف"إغيز نوفاسكا"، ثم "إغرم"، ثم "بوتزولت"؛ وهي أسماء أماكن في هذا الدوار، إلى حدود "تمساهلت" وهي قرية مجاورة، تنتمي هي أيضا إلى جماعة تازارين. إعادة توطين الرمان "يجب أن تستعيد أم الرمّان رمانها". كانت في البداية فكرة أحد الشبان من أبناء الدوار، بدأَ باقتراحها في مجموعة بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" تضم أبناء قريته في الداخل والخارج، ثم ما فتئت أن تحولت إلى مشروع بيئي التفت حوله سكان القرية وانخرط فيه شبان الدوار في حماس كبير وبتنسيق مع المجلس الإقليمي لزاكورة. قرر عدد من شبان أم الرمّان جمع الفلاحين الذين يملكون الأرض ومساعدتهم على غرسها وحثهم على الاهتمام بها، وتوزيع شتلات الرمان على أصحاب المنازل من الذين يملكون حدائق صغيرة، وغرس ما يمكن غرسه في الأماكن العامة القابلة للسقي، في المدرسة المركزية التي تحمل اسم "أم الرمان" وفي جنباتها وداخل روض للأطفال وبجنبات مسجد القرية وبمحاذاة مقر جمعية شباب أم الرمان للتنمية والتعاون التي سهرت على تنفيذ الفكرة، وفي كل مكان يمكن فيه سقي هذه الشجرة. استعادة "هوية" يقول حسن بوعلي، أحد المتطوعين في هذه المبادرة، إن "قريتنا تحمل اسم هذه الفاكهة، ولا يعقل أن نتابع اختفاء هذه الشجرة سنة بعد أخرى دون أن نفعل شيئا. بمجرد طرح الفكرة من طرف أحد أصدقائنا، تفاعلنا معها بقوة، نحلم بأن نعيد إلى القرية هويتها القديمة. لا يمكن أن نعيد تلك الوديان التي كانت تمر من هنا؛ لكننا نستطيع أن نعيد بعض أشجار الرمان، ونزرع في الأطفال هذا السلوك البيئي". ثم يضيف ابن القرية الذي يشتغل مدرسا في مسقط رأسه، في تصريح لهسبريس الإلكترونية، إن "التغير المناخي قضى على الأشجار التي كانت في هذه المنطقة في سالف الأزمان، والتصحر قادم لا محالة؛ لكننا نستطيع تأخيره قليلا ببعض السلوكيات كالتشجير المستمر، وتدبير المياه القليلة وتربية الناشئة على ذلك". فيما يتدارك يوسف أخالي، وهو من المتطوعين في هذه المبادرة البيئية، قائلا: "ما قمنا به بسيط جدا؛ لكننا نأمل أن نلفت أنظار الدولة بمختلف مسؤوليها بضرورة الاهتمام بهذه المناطق الواحية، وضرورة بناء السدود الصغيرة لتجميع مياه الأمطار في أماكن عديدة، فتتغذى الفرشات الباطنية وتنتعش الفلاحة". وأردف أخالي: "نأمل أن نقدم نموذجا يحتذى به في الجنوب الشرقي، فلو قام كل دوار بغرس ألف شجرة لَغَيّرنا الكثير من الأمور، ولَربينا الأطفال الذين نُشْركهم في هذه المبادرة، على أهمية التشجير ونجاعته". مصير الأشجار وعن مصير هذه الأشجار بعد غرسها، يقول يوسف أم العيد، رئيس جمعية شباب أم الرمان للتنمية والتعاون: "هي ملك للفلاحين سوف يهتمون بها؛ فالأشجار لم تغرس في أراض سلالية أو جماعية، بل كل فلاح تلقى عددا من الشتلات يزرعها في حقله وهي ملكه"، ثم يردف: "بخصوص القلة من الذين لا يملكون حقلا فقد تم إمدادهم أيضا بشتائل لغرسها في منازلهم والاهتمام بها وأملنا أن تستعيد أم الرمان رمانها". ويضيف الفاعل الجمعوي: "تلقينا اقتراحات بغرس الأشجار بجنبات الطريق المؤدية إلى الدوار، وكلها أفكار جيدة ومثالية؛ لكننا لا نملك ميزانية لتدبير سقيها، والطريق في حاجة إلى الكثير من الإصلاحات، وقد نقوم بذلك في المستقبل عندما نجد من يساعدنا على إصلاح الطريق". أما مبارك ملالو فيقول: "جئت من مراكش من أجل أن أساهم بشكل فعلي في هذه المبادرة الفريدة، كابن أم الرمان.. وسأكون سعيدا عندما أرى أشجارا ساهمتُ في غرسها وهي تُزهر وتثمر، وآمل أن أعطي مثالا لأطفال الدوار بأهمية التشجير وحب الأرض ومسقط الرأس". أنشطة في خدمة الساكنة تنوعت الأنشطة التي يقوم بها شباب دوار أم الرمان بجماعة تازارين نواحي زاكورة منذ تأسيسهم لجمعية تحمل هذا الاسم؛ مثل تمكنهم من شراء سيارة إسعاف خاصة بدوارهم من إسبانيا وإدخالها إلى المغرب وما يتطلب ذلك من مصاريف ووثائق وتنقلات، بجمع مساهمات عمال المنطقة بالمغرب وخارجه، ومساهمة كبيرة للمهاجرين الذين يشتغلون في الدول الأوروبية، بغرض الاهتمام بمرضى الدوار وحوامله. كما قاموا كذلك بحملة طبية وتوزيع 64 نظارة طبية بثمن رمزي للبعض وبالمجان للكثير من الحالات المعوزة، وإنجاز جداريات ودوري "تافاسكا" لكرة القدم وغير ذلك من الأنشطة الجمعوية. تدبير الماء الصالح للشرب إلى جانب هذه الجمعية الحديثة، توجد جمعية "الخير" في أم الرمان، تدبر قطاع الماء الصالح للشرب في هذا الدوار منذ سنة 1998، بعد قيام الجمعية بحفر بئر وتزويده بألواح الطاقة الشمسية، لتزويد جميع منازل الدوار بالماء الصالح للشرب، ومراقبة عدادات الاستهلاك، وتحصيل الواجبات الشهرية عند الساكنة، دون أي تدخل من قبل السلطات الوصية، في انتظار أن تقوم جمعية الخير كما هو مرتقب بتغيير شبكة المياه القديمة بدعم من المجلس الجماعي لتازارين. يأمل شبان هذا الدوار النائي بجماعة تازارين إقليم زاكورة أن يعيدوا بمبادرتهم هذه بعض المجد إلى قريتهم، بغرس أشجار الرمان، وأن تساهم هذه المبادرة التي لقيت استحسان الساكنة بحسب تصريحاتهم المختلفة في تسليط الضوء على مشكل الطريق نحو هذا الدوار، الذي تعزله المياه في الفترات المطيرة، ويصبح استصلاح الطريق طقسا يوميا كلما حمل وادي صاغرو المتجه نحو تازارين.