قال أحمد بوكوس، عميد المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، إن "التشكيلة الجديدة للمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية تضر كثيرا بالمؤسسة"، وطالب بضمان استقلالية "إيركام" إسوة بمعهد التعريب، خصوصا بعد أن أبان عن نتائج جد إيجابية في مجالات عدة يتقدمها تقعيد اللغة، محتفظا بأمل تدارك الأمر عبر بوابة الملك محمد السادس. وأضاف بوكوس، في حوار مع جريدة هسبريس الإلكترونية، أن "المدخل الثقافي الذي اعتمدته الدولة في علاقتها مع الأمازيغية يتجه نحو الباب المسدود، وبالتالي لا بد من العودة إلى التعاطي السياسي معها"، مشددا على أن "موقع المعهد الملكي داخل مجلس اللغات ضعيف جدا؛ إذ سحبت منه اختصاصات عديدة وفرها له الظهير سابقا". وإليكم نص الحوار: بداية، تتابعون الجدل الكبير الدائر حول مشروع قانون "مجلس اللغات والثقافة المغربية"، كيف تنظرون إلى المستجدات؟ وما نصيبكم من إعادة هيكلة الحقل اللغوي بالبلد؟ المعهد معني بالدرجة الأولى بمشروعين، القانون التنظيمي لتفعيل الأمازيغية وقانون إحداث المجلس الوطني للغات. الأول قيد التنفيذ والتنزيل. أما الثاني، فطبعا المعهد بصفته مؤسسة سيتم ضمها إلى المجلس، يتابع ما يجري عن كثب، خصوصا أن الأمر لا يبشر بخير بحكم دمج المؤسسة بمواردها المالية والبشرية كاملة، بالإضافة إلى ضم تجربته في مجال تهيئة اللغة والثقافة وغيرها. كذلك يتبين من خلال مشروع القانون أن المعهد سيتم تقليص مهامه وموارده وممتلكاته، وبالتالي نتخوف من تقزيم المؤسسة ومن أن تحرم من أدوارها الكبيرة التي أسندها إليها الظهير الشريف. هل تضرر المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية من التشكيلة الجديدة للمجلس وإقرار استقلالية معهد التعريب؟ بالفعل، تضرر المعهد من ذلك، لأنه يعيش منذ 2012 حالة اضطراب على مستوى الموارد البشرية التي تعاني هوسا بشأن المستقبل والمصير. هل سيتم الاحتفاظ بها كلها؟ هل ستستفيد من النظام الأساسي الذي وفره الظهير؟ وهل ستبقى بهذه البناية؟ وهذا ينعكس بالضرورة على العمل والمنجزات ككل. كيف تلقيتم التعديل الذي تقدمت به حكومة سعد الدين العثماني في آخر لحظات من عمر القانون والاحتفاظ بمعهد التعريب مستقلا؟ إنها مفاجأة غير سارة، لأنه يخلق نوعا من الخلل داخل بنية التصور الذي وضع للمجلس؛ فالمهمة المركزية له، كما نعلم، كانت هي اقتراح توجهات تتعلق بالاستراتيجية اللغوية والتعبيرات الثقافية للدولة. كان التصور نسبيا متوازنا، للعربية مؤسسة أكاديمية محمد السادس ومعهد التعريب، في المقابل مؤسسة واحدة للأمازيغية هي "إيركام". هذه المؤسسات هي المعنية بمهمة المجلس، الآن إذا استثنينا معهد التعريب ما معنى هذا؟ هل هو خارج المؤسسة؟ ما هي مهامه وأدوات اشتغاله؟ وما مصير الرصيد الذي راكمه على امتداد عقود من الاشتغال؟ الواقع يقول إن مؤسسة محمد السادس ستكون هي المؤسسة الرئيسية لتطوير العربية، ثم بعدها يأتي سؤال آخر حول دوافع اتخاذ الخطوة الحالية. الدوافع بالطبع لا تتعلق باستراتيجية الدولة، يمكن أن تكون هواجس أخرى غير مرتكزة على أرضية سليمة ومنطقية، لأنها تخلق خللا وتضرب عرض الحائط ما تم اقتراحه من لدن اللجنة الأولى التي تولت صياغة مسودة "المجلس الوطني للغات". اليوم نفاجأ بهذا القرار غير المفهوم. هل يكرس هذا توجها واستراتيجية لدى الدولة تروم إقبار "المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية" في مقابل دعم سياسات التعريب؟ إذا كنا موضوعين، لا وجود بين أيدينا لما يبرهن ذلك، لا وجود لمذكرة من رئاسة الحكومة أو نص يوضح الأسباب والخلفيات التي جاءت بالقرار، وبالتالي في ظل غياب المسوغات لا يمكن القول إلا إنه قرار متسرع ويخلخل بنية المجلس، بعد أن تم التوصل نسبيا إلى حل توافقي، رغم أنه لا ينصف المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية كفاية. الآن يتضح بالملموس أن الأمازيغية هي ضحية هذا القرار. بصيغة أقل حدة، هل تخاض حرب ضد "إيركام" لإضعافه داخل تشكيلة مجلس اللغات؟ قراءة متأنية لمشروع القانون تكشف بوضوح أنه يعتمد على مقاربة تضع العربية في كف أقوى، وتضع الأمازيغية في الكف الآخر، حيث إن أكاديمية محمد السادس للغة العربية لها مهام قوية وذات وقع كبير، صياغة التوجهات وتتبع ما يتم إنجازه في مجال تهيئة اللغة، وما له علاقة بصياغة حوامل بيداغوجية ودراسات أكاديمية. هذا الأمر لم يسند للمعهد الملكي، بل تم تجريده من مهامه رغم إنتاجاته الكثيرة، خصوصا في تهيئة بنية اللغة معجميا ونحويا. هذه كلها تم تحقيقها بفضل المهام التي أسندها إليه الظهير الشريف، والآن فقدها، وفي الحقيقة الأمر غير منصف. هل لكم أمل في أن تحصلوا أنتم كذلك على الاستقلالية إسوة ب"معهد التعريب"؟ منطقيا ونظريا إذا تم استثناء معهد التعريب من هذا القانون، فمن وجهة نظرنا يجب استثناء "إيركام". من اللازم أن يظل ضمن ظهير 2001، وأن يحتفظ بموارده البشرية والمالية واللوجستيكية بالنظر إلى فعاليته. هذا التعديل المثير للجدل سبق وتقدم به فريقا "البيجيدي" والاستقلال ورفض. سياسيا الأمازيغية لا تجد سندا كبيرا من لدن الأحزاب، ما الذي ينقص القضية سياسيا؟ هذا الحدث في حد ذاته له دلالات ومغزى قوي. بدون سند سياسي من قوى وفاعلين يتواجدون بالسلطة التنفيذية والتشريعية، الأمازيغية ضعيفة. هذا المستجد يكشف كذلك أن عمل المجتمع المدني لوحده أمر غير كاف. الترافع شيء أساسي لكن نتائجه لا تنعكس على عمل الأحزاب السياسية. ليس هناك تكافؤ بين القوى المساندة للعربية والأخرى الداعمة للأمازيغية، يجب إعادة التفكير في طريقة اشتغال النخب السياسية، ويطرح هنا سؤال آخر هو ما هو الوزن السياسي للقضية الأمازيغية على اعتبار أنها قضية سياسية؟ هكذا تم التعامل معها سنة 2001، ثم وجدت لها الدولة حلا ثقافيا، والآن يتبين أن هذه المقاربة تتجه نحو النفق، وبالتالي لا بد من إعادة النظر وتمتيع المعهد من سند سياسي قوي. هل تراهنون على تدخل ملكي لتمتيع المعهد بالاستقلالية مجددا؟ ذلك ما نتمناه، نحن مؤسسة أحدثها الملك، وقدم لنا على الدوام السند والدعم، مثلا المقر لم يكن ممكنا أن يشيد لولا دعم الملك محمد السادس، وبالتالي القضية الأمازيغية لا بد من أن تكون محتضنة من قبل الدولة.