إذا كانت سنة 2019 سنة إحباطات على المستوى الاجتماعي والسياسي والاقتصادي لمغاربة المهجر، لكنها كانت سنة إبداع بامتياز، بحيث أصدر العديد من الأدباء والشعراء إنتاجاتهم هذه السنة، في مختلف الأجناس الأدبية المعاصرة: الرواية، القصة، الشعر... بالإضافة إلى عقد عدة ملتقيات وأمسيات فكرية وأدبية، ومشاركات عبر قنوات تلفزية وإذاعية. ناهيك عن المقالات والتدوينات التي لا تعرف الفتور. ولكني هنا أركز على الإنتاج المطبوع سواء بأوروبا أو بالمغرب. كما لا أدعي هنا أني أقوم في هذه المقالة بعمل ببليوغرافي لأدب المهجر (وهو مشروع كتاب مفصل)، لكني أسلط الضوء على هذه الزاوية المهمشة من أدبنا العربي الحديث، لأضع بين يدي القراء والباحثين والنقاد مادة أساسية يمكن أن تكون من المرتكزات الصلبة والأساسية لأي بحث علمي أكاديمي رصين وجاد. سأخصص هذا الجزء لصنف الرواية المكتوبة بالعربية أو المترجمة إليها، على أن أخصص الجزء الثاني للشعر بكل أصنافه ومدارسه، ثم الأخير للدراسات الفكرية في شتى العلوم الإنسانية. على مستوى الرواية صدرت رواية "تندوف" للروائي المهجري المرحوم إدريس يزيدي، الذي وافته المنية ببلجيكا بمدينة "أونفرس" الفلامنية على إثر إصابته بمرض عضال لم يمهله طويلا، فرحل عنا في ريعان شبابه. غير أن أصدقاءه ومحبيه أبوا إلا أن ترى روايته النور وتطبع وتنشر، فصدرت في حلة أنيقة عن "المركز الثقافي العربي" في هذه السنة 2019. في 222 صفحة من الحجم المتوسط، وقد قالت الدار في بيان لها على إثر هذا المصاب الجلل وصدور الرواية بعد وفاته رحمه الله تعالى: على الرغم من وفاته إثر وعكة صحية أشهرا فقط بعد تسليمنا مخطوط هذا العمل في أواخر عام 2017، سعى المركز الثقافي العربي إلى إتمام المسيرة وإصدار هذه الرواية الرائعة والمؤثّرة، حرصا على إبقاء نجم هذا المؤلف الموهوب ساطعا، وعلى إلهام جيل جديد من المؤلفين الشباب». ويعد هذا العمل الأدبي ثاني إنتاج له بعد روايته الأولى "الملاذ" رحمه الله تعالى رحمة واسعة. كما أصدر الشاعر والروائي أحمد حضراوي روايتين متميزتين وإن كانتا قد طبعتا قبل هذا التاريخ، ولكنهما وصلتا إلى أيدي القراء بأوروبا خلال هذه السنة بالذات. الأولى عبارة عن سيرة ذاتية روائية تحت عنوان "في شراك أحمد بخيت" صدرت عن دار التنوير بالجزائر في 197 صفحة من الحجم المتوسط. تتشابك فيها الأجناس الأدبية بين أدب الرحلة بشكله المعاصر، وأدب السيرة الذاتية والحكي عن مكنون النفس وبوح الروح، والسرد الأدبي الممزوج بمرارة التجربة والتيه في الأحداث المتسارعة. تدور أحداث الرواية بمصر وبالعاصمة القاهرة، والزمن ليس أي زمان، إنها ثورة 25 يناير 2011 التي واكبها الكاتب بكل تفاصيلها من البداية إلى النهاية، بل اعتلى منصة الثورة وألقى قصيدة حماسية بحضور قيادات تاريخية وشبابية للثورة المصرية. أما الرواية الثانية فهي رواية تغوص في التاريخ القديم بسرد ممتع جميل تحت عنوان "شيشنق الأمازيغي الذي حكم مصر" صدرت من منشورات الموكب الأدبي "بدعم من وكالة تنمية الجهة الشرقية في إطار فعاليات الموكب الأدبي 5» في 165 صفحة من الحجم المتوسط. وتروي قصة هذا الأمازيغي الذي استطاع أن يتولى حكم مصر، ويحمل لقب الفرعون وأسس لحكم أسرته الأسرة الثانية والعشرين في عام 950 ق. م، وهي رواية تصحح بعض الأخطاء التي سقط فيها المؤرخون بأسلوب روائي لا يخلو من الكثير من التشويق. ومن هولاندا كانت المفاجأة سارة بحيث أصدر الروائي والقاص المهجري محمد الجباري روايته الرائعة "جنازة بدون ميت" ذات 296 صفحة من الحجم المتوسط عن دار سليكي أخوين. ويعد هذا العمل الأدبي الرائع ثاني إصدار له بعد مجموعته القصصية "أشواق مهاجرة" التي صدرت سنة 2014. و"جنازة بدون ميت" كلها تشويق وإثارة يمتزج فيها الحب بالخيانة وكتم الأسرار بالخديعة والمكر، والحرب والتجارة والابتزاز وجلد الذات للتخلص من الآثام والذنوب. وكما وصفته في مقالي عن روايته ضمن سلسلة "أقلام مهاجرة" بتاريخ 12 شتنبر 2019 «يسافر بك إلى مدينة أوتريخت بهولاندا، حيث تجري الأحداث الرئيسية للرواية. ويتجول بك أيضا عبر أرجاء هولاندا بين روتردام وأمستردام. وفي دهاليز التاريخ ما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية وتفاعل بطل الرواية وتأثره بهما سواء بما عايشه هو شخصيا أو حكايات الآباء والأجداد والجيران والسكان، وسرد بطولاتهم في الحرب العالمية الأولى. مما يجعلها في أكبر جزء منها رواية أوروبية بامتياز، ولكن مكتوبة بلغة عربية. والمفاجأة الأدبية الكبرى أتت هذه المرة من بين أنامل وإبداع الدكتور والبروفيسور العالمي خالد سهولي المتخصص في طب النساء وسرطان الرحم وله عدة أبحاث واكتشافات منشورة في عدة دوريات لمراكز بحثية طبية عالمية، ومدير مستشفى متخصص في هذا الشأن، يحج إليه الكثير من المريضات من مختلف أنحاء العالم. فقد أصدر روايتين باللغة الأمانية ترجمتا إلى العربية سنة 2019. الرواية الأولى هي "طنجة من هنا تبدأ الرحلة إلى العالم" ترجمتها الأديبة "فدوى الشعرة" في 260 صفحة من الحجم الكبير صدرت عن دار السليكي أخوين بطنجة. هي فعلا رحلة سردية أدبية حول العالم، أو بالأحرى عالمه هو من مسقط رأسه طنجة إلى العالمية، في مسيرة علمية ومهنية وعائلية مشوقة. يركب موج الحياة بما فيها من تحديات ومصاعب وإخفاقات ومظالم كأي تجربة إنسانية. ولكن كتبت بالأساس للغرب خاصة الألمان المحبين دائما للتطلع والمغامرة والتجارب المثيرة والقوية، فكان بحق سفيرا أدبيا ممتازا، بحيث صور بدقة جماليات طنجة بإيجابياتها وسلبياتها ومصاعبها، في مقارنة بديعة بالحياة في أوروبا والواقع المعيشي بين عالمين مختلفين تماما. والعمل الثاني له لا يقل عنه إثارة وتشويقا، وهو صادر بالألمانية أيضا تحت عنوان "مراكش: أقاصيص وحكايات" وترجمه الأستاذ المبدع "محمد آيت الفران" رحمه الله تعالى رحمة واسعة، لأنه ترجم الكتاب وتوفي ولم يشهد صدوره ورقيا في طبعة أنيقة عن دار السليكي أخوين أيضا في 120 صفحة من الحجم الكبير. فقد قالت الأستاذة المبدعة فاتحة سلايعي، زوجة المترجم رحمه الله في تقديمها أنه "سفر يدون السفر الفعلي ويتجاوزه، ولعل صاحبه يوحي فيه بأشياء لا يفصح عنها منطوقه المباشر، كما أنه كتب بلغة ذات خصوصية في الأداء. إنه امتداد لمعيش بين مدينتين برلينمراكش. وهو أيضا تعبير عن قلق مع النفس أكثر مما هو إعلان عن فرح ...". هذا غيض من فيض لبعض نماذج الروائيين المغاربة الذين يكتبون خارج الحدود، ولا أدعي أني ذكرت الجميع، ولكن ما استطعت أن أصل إليه سواء بالاتصال المباشر مع الكتاب والمبدعين، أو عن طريق دور النشر أو عبر البحث والتقصي عبر شبكات التواصل الاجتماعي والإنترنيت والدوريات والمواقع الأدبية. كما أني ما زلت أبحث عن كل جديد وأرجو من كل مبدع أن يزودني بآخر أعماله وإصداراته لتكتمل الصورة، ونشكل جميعا لبنة صلبة للأدب والفكر بديار المهجر تكون قيمة مضافة ومتميزة في أدبنا العربي الحديث.