إن زلزال "الربيع العربي" الذي أسقط عددا من الأنظمة وهيأ أخرى للسقوط وهد كيان ثالثة فهزها هزا، ورجها رجا، لم يكن ليترك الهيئات والمنظمات والجماعات والحركات ساكنة وراكدة، بل وصلها نصيبها من الرج والاهتزاز في اتجاه فاعلية أكبر، ومراجعة للقناعات والأفكار والخطط والمواقف والمواقع، وتولد لديها تحفز أكبر للانقضاض على الفرص..، وإخواننا في العدل والإحسان لم يندوا عن هذه القاعدة، إنهم أصحاب مشروع يرون أن الزمان المغربي، والزمان العربي والإسلامي بالتبع، دار دورته الحضارية، ولم يعد يجدي فيه الإصلاح والترقيع، وأن موعد الطفرة والقومة قد حان، هكذا يجري الأمر على ما يبدو لي في مخيلة مرشد الجماعة :لقد بدأ الأمر في بلادنا بشكل منظم معقول بالأسرة الإدريسية ولا شك أنها عرفت نجاحات وظهرت فيها اختلالات، ومما لا شك فيه أن تكون حينها قد بذلت محاولات إصلاح وتجديد وترقيع وضخ مسكنات للجسم العليل حتى تعذر العلاج فجاءت مهمة الشيخ اعبد الله بن ياسين ليؤسس لطفرة الأسرة المرابطية، فمرت بدورها بأطوار الجدة والصلاح وملء العيون الطامحة للعدل والكرامة، ثم بدل النظام الجديد وغير، وارتفعت دعوات الاحتجاج والإصلاح من الداخل إلى أن بلغ الكتاب أجله، فقام داعية آخر يريد أن يملأ الأرض عدلا وصلاحا كما ملئت جورا وفسادا، فكانت الطفرة والقومة الموحدية، وتتابعت السنن فيمن بعدهم من الأسر فخلف المرنيون الموحدين، وأعطى المغاربة المشعل بعدهم للوطاسيين ثم السعديين ثم استقر الأمر إلى الآن في الأسرة العلوية، أفيستكثر الناس على الشيخ عبد السلام ياسين أن يدخل التاريخ من باب التأسيس، وإعداد الخلف لدورة حضارية جديدة؟ ولم لا تكون هذه المرة عالمية الأبعاد يكون المغرب منطلقها كما كان المشرق منطلق الخلافة الأولى؟ الفرصة الضائعة: إن مثل هذا المشروع تحكمه فكرة التمحور حول الذات، ذات الجماعة وخصوصا إذا جماعة ذات منحى صوفي، والتمحور حول ذات الشيخ المنقذ من الضلال والمفروض أن تجتمع فيه مواصفات وخصال خاصة تزكيها مواصفات مبثوثة في أحكامنا السلطانية التاريخية ، ومخلوطة بهالة من التقدير في الأدبيات الصوفية، وما على الآخرين سوى التجمع على مصدر الإشعاع وحسن الإنصات والتسليم، وترقب اليوم الموعود، كما تحكم المشروع: فكرة الحشد والتجميع والتربص وانتظار فرص الانقضاض، وأي محاولة للاصلاح والمشاركة من خلال المؤسسات الرسمية القائمة هي إطالة لعمر الفساد والاستبداد وإضاعة لعمر الأمة وتأجيل غير مبرر، وغير محمود للقومة والخلاص. وقد قدرت الجماعة أن فرصة الربيع العربي فرصة مواتية، فقوت حركة عشرين فبراير، وانتظرت أن يلتحق بها الآخرون وخصوصا من أبناء المشروع الإصلاحي الإسلامي، غير أن التجاوب السريع الذي تجسد في خطاب التاسع من مارس التاريخي، والتصويت المعتبر على الدستور، وثبات قطب النداء الديموقراطي على خط الإصلاح في ظل الاستقرار، والتفاف قطاع عريض من الشعب المغربي حول هذا الخيار، كل ذلك أربك حسابات القومة والخلاص، وإن كان من الناحية الإيجابية أفاد خط الإصلاح في التقدم خطوات معتبرة. ولهذا يمكن القول بأن الرسالة لم تأت بجديد، فهي تقليد درج عليه مرشد الجماعة في مختلف المحطات والمنعرجات المهمة في التاريخ المغربي المعاصر، فمن "الإسلام بين الدولة والدعوة" إلى رسالة " من يهمه الأمر" إلى الرسالة الموجهة "لحركة التوحيد والإصلاح وحزب العدالة والتنمية" والغرض من هذا التقليد طمأنة الصف الداخلي وتثبيته أمام ما يمكن أن يثار من تساؤلات ورغبة في المراجعات، فمثلا هذه المحطة الأخيرة ستثير عددا من التحديات الداخلية، إذ بعد تجاوز محنة 2006 وما صاحبها من آمال وأحلام، هاهي فرصة أخرى تضيع ولا يتحقق الهدف، وخيار المشاركة يحقق مكاسب على الساحة ويكسب أنصارا جددا، وينتقل من الدفاع عن خيار المشاركة إلى نوع من الهجوم على خيار المقاطعة ودعوته إلى العمل من خلال المؤسسات. الغرض من الرسالة والجهات التي تستهدفها: جاءت رسالة العدل والإحسان لتعبر عن تقييم الجماعة ونظرتها لما جرى من تحولات في المشهد المغربي ومن مشاركة قسم معتبر من الإسلاميين فيه وتفاعلهم مع الأحداث الجارية وطبيعة اجتهاداتهم، وجاءت للرد على: بعض القياديين في تيار الإصلاح ممن" يعبرون بجلاء عن "الوصول" وعن "نجاح" وعن تفوق اجتهاد يجب على جماعة العدل والإحسان أن تعتقده وتعتنقه لتعمل به من "داخل المؤسسات". ثم إنهم كتبوا الرسالة وتحركوا، ودافعهم إلى ذلك - بحسب تعبيرهم- هو: الخوف الشديد على الحركة والحزب "وعلى مستقبل رجال ونساء من خيرة أبناء هذا الوطن، ولا نزكي على الله أحدا، بذلوا ويبذلون، وما أظننا نخطئ إذا قلنا إنهم سيبذلون جهودا كبير.." والجماعة بذلك تبرئ ذمتها بما بذلته من نصح. كما تريد الجماعة برسالتها أن تؤكد على التمايز والمفاصلة بين من سقطوا في المشاركة "في لعبة المخزن" وبين "أذكياء" فطنوا لما يراد من مكر فلم يسقطوا في"الفخ" وكما يظهر أيضا أن الرسالة موجهة بالأساس إلى الصف الداخلي للطمأنة والتثبيت ومنع بريق المشاركة من خطف أبصار غير الراسخين في منهج"الممانعة" والاستعداد "للقومة الفاصلة"، ولا يبعد أن تكون تنفيسا للمأزق الذي وضعت الجماعة نفسها فيه، فلا هي استطاعت ان تقنع الناس بالتغيير الشامل والجذري ولا هي انخرطت في المؤسسات للقيام بالإصلاحي التدريجي . وليس بعيدا أن يكون القصد من الرسالة أيضا أن تقول للنظام: إذا استطعت "ابتلاع"جزء من الإسلاميين واستخدامهم لتمديد عمرك، فأمامك صنف آخر "متربص وواع" لن تنطلي عليه ألاعيب خلط الأوراق وتوظيف ورقة الإسلا ميين كطريقة للهروب نحو الأمام قصد تجاوز الأزمة.فالأزمة باقية وهي تتعمق يوما بعد يوم.إن لم يكن هناك صدق في نوايا الإصلاح والتغيير. وهي بالطبع رسالة قوية اللهجة في غلاف مؤدب لمشروع الإصلاح في الحركة والحزب، تقول بأن ما أنتم عليه:خيار خطأ في الموضع الخطأ والزمن الخطأ. فالعمل من داخل "المؤسسات" - بحسب تعبيرهم - في "ظل الحكم الفردي الاستبدادي لا يخدم الا مصلحة المخزن" وهو على كل حال "مخاطرة وانتحار سياسي". كما وهي رسالة إلى عموم المجتمع المغربي والمراقبين الدوليين (وخصوصا العلماء المزكين لتجربة المشاركة) تقول:لا تخدعنكم الأشكال فدار لقمان على حالها والأصباغ عما قريب ستزول وتنكشف "الخدعة" وخذوا الخبر اليقين من مجرب خبر الأمور. إيجابيات في ثنايا وشكل الخطاب: فضلا عن فضيلة النصح والتناصح التي هي في الإسلام دين يبذل لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم، فإن في الرسالة جملة من الإيجابيات، من ذلك الاعتراف بالوجود المقدر لاجتهاد الحركة وخط الإصلاح وأنه بدأ "فكرة في رؤوس أشخاص يعدون على رؤوس أصابع اليد الواحدة، قبل أن يعم فرقة معتبرة من أبناء وبنات الحركة الإسلامية بالمغرب." فرغم مقاطعة العدل والإحسان ودعوتها مع بعض التيارات الأخرى إلى المقاطعة كانت المشاركة مقدرة بالنظر إلى الظروف التي كانت فيها. ومن ذلك :الشهادة بأن الحركة والحزب بذلا، ولا يزالون، من الجهود ما يؤهلهما إلى مزاحمة ومسابقة الأقران والخصوم. ومن الإيجابيات الدعاء وتمني الحفظ للمغرب وسائر بلاد المسلمين.والدعاء بالتوفيق للجميع لما فيه الخير والعزة للأمة، "وأن يستُرنا وجميع المسلمين، وأن يلطف بنا أجمعين فيما جرت به الأقدار، وأن يجعل العاقبة خيرا." فرد الأمور بصدق إلى علام الغيوب وأن يجعل في قدره لطفا من شيم المومنين، ومن ذلك التسلح بالأمل عند قولهم:"وأملنا في الله كبير أن يوفق جميع الشرفاء والفضلاء لتعبئة رجال الأمة ونسائها قصد إحياء قيم الحرية والكرامة، والبذل والعطاء، والتعاون والتآزر، والعمل بصبر ومصابرة لقطع دابر الفساد والاستبداد، وبناء المؤسسات وتفعيلها على أسس العدل والشورى، والكفاءة والفعالية، بما يصلح الله به أمر أمتنا حالا ومآلا." وهو خطاب من العدل والإحسان يؤكد أنها وإن اختارت طريق القومة فإنها لم تقطع "شعرة معاوية" أو أقوى من ذلك مع الشرفاء والفضلاء - ونحسب أن تيار الإصلاح والمشاركة منهم أو على الأقل لا يخلو منهم- وأنها مستعدة للتعاون بما فيه الخير. ومن الإيجابيات في الرسالة أيضا أنها تؤكد على خطها المبدئي في نبذ العنف والقطع مع خط الدماء في التغيير عندما قالت:"إنكم لا تريدون – كما لا نريد- أن تهدر دماء هذا الشعب الحبيب" وهي رسالة مطمئنة لجميع الأطراف وتأكيد على الخصوصية المغربية والتي من علاماتها المميزة التدافع الحضاري لمشاريع الإصلاح والتغيير في جو الأمن والسلام والصبر والمصابرة. مواقف في حاجة إلى مراجعة: فقد جاءت الرسالة واضحة في اتهام خط الإصلاح بأنه يمارس نوعا من الخلط والتلبيس أو يساهم في ذلك حتى أنه يوحي "بجعل ما يقع في بلادنا مشابها لما وقع في مصر وتونس وليبيا". كما جاءت التهمة بأن التزكية والدفاع عن الدستور الجديد كانا مساهمة في الالتفاف على المطالب الحقيقية للشعب، ومساهمة كذلك في تضييع فرصة ليست بالهينة، مع "العلم أن الفرص الكبرى لا تدوم إلى الأبد". وجاء في الرسالة اتهام بقصور في الفهم حيث يغيب عن أفهام الحركة وشركائها أن"المشاركة السياسية" بالشروط الفاسدة وفي الأوضاع المختلة هي في أحسن الأحوال مضيعة للوقت وخدمة للاستبداد –من حيث لا يدري المرء– وتمكين له أشد التمكين. ومن ذلك أيضا القول بأن سعي الحركة في عبث وأنه بذل للجهد "في الاتجاه الخطإ وفي الزمان الخطإ". ملاحظات على هامش الرسالة: تضع العدل والإحسان نفسها خطا موازيا للخط الإخواني الذي صبغ قطاعا عريضا من الحركة الإسلامية في العالم، فكما تنبأ التيار الإخواني من خلال سيد قطب أحد كبار رواده بكتابه "المستقبل لهذا الدين" بما يتحقق الآن مع الربيع العربي، فإن شيخ جماعة العدل والإحسان ومرشدها تنبأ بدوره بذلك من خلال رسالته"الإسلام غدا" . فالجماعة مجسدة في زعيمها ومرشدها تشعر بنوع من المركزية ونوع من التعالي يصعب معها الانسجام مع خط المشاركة والمساهمة والتعاون إلا بلون من مجاهدة الذات وهو ما لا توفق فيه في كثير من الأحيان. حركة التوحيد والإصلاح واعية بأنها تقود تيارا ثالثا لا هو بالمساير للفساد والاستبداد ولا هو بالحالم بالثورة والقومة وقلب الطاولة على النظام، إنه تيار الإصلاح في ظل الاستقرار. واتضح ذلك في النداء الديموقراطي الذي جاء في عز فوران الشارع وجاذبية المسيرات والوقفات الأسبوعية، وليس عند الحركة أبدا في هذه النقطة خلط أو تلبيس ولا تخلط أو تلبس على أحد، وهي تقدر أن عددا مقدرا من قوى الشعب المغربي الذي اقتنع بالخيار الثالث وتجاوب معه، فعل ذلك عن وعي وإرادة وبينة وحسن تقدير يناسب تاريخه وطبيعة واقعه وخصوصية نظامه، ولا يليق وصفه بأنه لبس عليه الأمر أو وقع ضحية تخليط، كما لا يليق اتهام العديد من علماء الأمة ممن تجاوبوا مع هذا الخيار - مثل ما حدث مع الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الذي هنأ المغاربة- بأنهم أيضا وقعوا ضحية تلبيس وخلط للأمور. فإن اتهام هذه الأعداد الغفيرة من المواطنين الذي صوتوا لمشروع العدالة والتنمية واتهام علماء معتبرين في عقولهم وتقديرهم ، أقل ما يقال في كل ذلك أنه نوعا من الغرور بالذات واستخفاف بالآخر وهو ما يتنافى مع بديهيات التصوف السني في التواضع وتقدير جهود الآخرين. وموقف الحركة كما هو معلوم من الجماعة نفسها أنها تبنت من زمن بعيد خيار التدرج في الإصلاح، وهو ليس وليد اللحظة بل هو أصيل مؤصل لا أعتقد بأن الخيار المقابل يملك من التأصيل مقداره أو حتى نصيفه، فالتدرج سنة الله في الخلق والأمر، سواء في خلق السماوات أو الأرض أو خلق آدم عليه السلام وذريته من بعده، أو التشريعات الربانية عبر مختلف الرسالات، أو داخل الرسالة الخاتمة في أمثلة:التدرج في الصلاة والصيام والزكاة وتحريم الخمر والربا.. وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم في التعامل مع أصنام الكعبة وغيرها، كما أن التدرج سنة جارية في التاريخ الإسلامي فمعظم العلماء لم يقاطعوا الأنظمة الحاكمة وإنما اجتهدوا في الإصلاح من داخلها ما وسعهم ذلك. وذاك عمر بن عبد العزيز رحمه الله الذي جاء بعد تغير الأوضاع عما كان في حقبة النبوة وعهد الخلفاء الراشدين فسلك بالناس سبيل التدرج ودافع عن هذا المنهاج في التغيير في حواره مع ابنه عبد الملك الذي كان يتعجل التغيير والإصلاح فقال لأبيه: "يا أبت، ما لك لا تنفذ في الأمور؟! فوالله لا أبالي في الحق لو غلت بي وبك القدور!"، فرد عليه عمر بن عبد العزيز، بحكمة رجل الدولة وخبير الإصلاح والفقيه في سنة التغيير التدريجي قائلاً: "لا تعجل يا بني! فإن الله تعالى ذم الخمر في القرآن مرتين وحرّمها في الثالثة وأنا أخاف أن أحمل الناس على الحق جملة فيدَعوه وتكونَ فتنة" - وروي عنه قوله "لو أقمت فيكم خمسين عامًا ما استكملت فيكم العدل، إني لأريد الأمر وأخاف أن لا تحمله قلوبكم، فأخرج معه طمعًا من الدنيا، فإن أنكرت قلوبكم هذا سكنت إلى هذا". - وروي عنه قوله: "ما طاوعني الناس على ما أردت من الحق، حتى بسطت لهم من الدنيا شيئًا". - وسئل الإمام مالك رحمه الله تعالى عن الرقيق العجم، يُشترون في شهر رمضان وهم لا يعرفون الإسلام ويرغبون فيه، لكن لا يفقهون ما يُراد منهم، فهل يُجبرون على الصيام أم يُطعمون؟ فقال: أرى أن يُطعموا ولا يمنعوا الطعام ويرفق بهم حتى يتعلموا الإسلام، ويعرفوا واجباته وأحكامه". يقول ابن تيمية رحمه الله:"فالواجب على المسلم أن يجتهد وسعه، فمن ولي ولاية يقصد بها طاعة الله وإقامة ما يمكنه من دينه ومصالح المسلمين، وأقام فيها ما يمكنه من ترك المحرمات، لم يؤاخذ بما يعجز عنه، فإن تولية الأبرار خير للأمة من تولية الفجار". وإن منهج المدافعة وعدم إخلاء الساحة للمفسدين مهما كان مقدار الهامش المتاح والمسموح به منهج قرآني مؤصل، فعله يوسف عليه السلام مع دولة كافرة فكيف بنظام في أمة المسلمين؟ ودرجت عليه الحركات الإسلامية في العصر الحديث والمعاصر سواء في مصر أو باكستان أن تركيا أو تونس والجزائر والسودان واليمن وغيرها قبل الربيع العربي بكثير ولم يكن يرى أحد من رواد العمل الإسلامي أن في ذلك تمديدا في عمر الفساد والاستبداد، وبعد أن جاءت الثورات رفعت تلك الشعوب أبناء تلك الحركات الإسلامية فوق الأكتاف وبوأتها كراسي المسؤولية والحكم. ولو كانت المشاركة وبالا وعارا وشنارا - كما يوحي خطاب الجماعة - لرحل هؤلاء مع من رحل. وإنما هي بإذن الله مجاهدة للفساد والاستبداد، ونصح للحكام، وحقن للدماء، وصبر على أذى المخالطة، ومزاحمة بالمناكب ليمر الصلاح من نفس القنوات التي كانت يوما مرتعا للفساد.. وبعد، فهذه وجهة نظري في رسالة إخواننا في العدل والإحسان الذين أكن لهم كامل التقدير والاحترام ولشيخنا الفاضل عبد السلام ياسين كل متمنيات خير الدنيا والآخرة، فالود ثابت والمحبة قائمة والنصح واجب، والمفروض التعاون في المشترك والمستطاع، فلست هنا متحدثا باسم حركة التوحيد والإصلاح ولا باسم العدالة والتنمية، وإن كنت أعتز بالانتماء إليهما، فللهيئتين بياناتها الرسمية التي تعبر عن مواقف مؤسساتها، وللأفراد حقهم في الرأي والكلام. وأحمد الله أن آلت الأوضاع في كثير من بلاد المسلمين ومنها بلادنا على الخصوص إلى أن تصبح المرجعية الإسلامية مرجعية التيار الأبرز في المشاركة وكذا مرجعية التيار الأبرز في المعارضة، فخراج رياح وأمطار الإصلاح والتغيير لن تخرج بإذن الله عن المذهبية الإسلامية بغض النظر عن التفاصيل، وإن كان قلبي ووجداني وهواي إلى الرفق والتؤدة والتدرج أميل، والله فاعل لما يريد.