تمكنت مريم الكثيري من أن ترفع راية المغرب عاليا فوق سبع قمم جبلية خلال سنة واحدة، إضافة إلى تسلق قمتي إيفرست لوتسي في رحلة واحدة، لتنضم بذلك إلى لائحة ال30 متسلقا الذين أحرزوا هذا اللقب على الصعيد العالمي. تروي مريم ضمن هذا الحوار تفاصيل تجربتها، مؤكدة أن هدفها كان هو رفع راية المغرب عاليا، وموجهة رسالة إلى الشباب للتشبث بأحلامهم مهما اشتدت صعوبتها. من هي مريم الكثيري؟ مريم الكثيري فتاة مغربية كبرت وعشت بالدار البيضاء، بها قمت بمتابعة دراستي في تخصص الدراسات الإنجليزية ثم أتممت دراستي بألمانيا بمجال الاقتصاد، وهناك اكتشفت هواية تسلق الجبال. كيف قررت القيام برحلة تسلق أعلى سبع قمم في سنة واحدة؟ أول مرة تعرفت فيها على تحدي القمم السبع كانت عن طريق الناس الذين سبق أن تسلقوا جبل الكليمنجارو وهو أعلى قمة بإفريقيا، وحكوا لي تجاربهم التي وجدتها مشوقة. لم تكن لي أية معلومات عن التحدي، بحثت فوجدته أمرا مشوقا يربط بين عدد من الأشياء الجميلة، تربط بين تسلق الجبال وزيارة بلدان مختلفة وكذا التعرف على ثقافات مختلفة تسلق جبال مختلفة من ناحية الصعوبة والبيئة، فقررت القيام بالأمر، وهو برنامج كبير كان يلزمه إعداد مسبق وتحديث نفسي أكثر في محاولة القيام به في سنة واحدة. الصعوبات التي واجهتك أثناء القيام بتنفيذ فكرتك؟ كنت قد بدأت قبلا في ميدان تسلق الجبال، وكان يلزمني أن أكسب مواهب وخبرات قبلا، وأيضا الاستعداد معنويا وذهنيا للرحلة. المشروع يكلف كثيرا، لأن الأمر يتطلب التنقل من بلدان مختلفة؛ فمثلا الوصول إلى القطب الجنوبي يتطلب رحلات عديدة، وأيضا رحلة الإيفرست هي رحلة مكلفة جدا ولا بد من توفر مدعمين لتنفيذها. كم تكلف الرحل بالأرقام؟ مثلا رحلة الإيفرست تبدأ بمبلغ 300 ألف درهم مغربية، وثم تزداد القيمة كلما أضفت عنصرا جديدا، مثل التوفر على مرشد طوال الرحلة، وأيضا المعدات مكلفة جدا؛ فمثلا الحذاء المستعمل لهذه الرحلات يبدأ ثمنه ب5000 درهم، وهذا كان حاجزا كبيرا بالنسبة لي، كان من الصعب البحث عن داعمين وتقديم برنامج محدد لهم. كيف قمت بالرحلة؟ هل كان بالبحث عن داعمين، أم تمويل ذاتي؟ أنا أخذت الأمر مثل مشروع حددت المراحل التي كان يجب القيام بها، والتمويل هو جزء من البرنامج. كان لا بد أولا من التدريب، فمثلا في المحيط الجنوبي كنا نعيش في جو 40 درجة تحت الصفر ناهيك عن قوة الرياح، وبالتالي كان علي القيام برحلات في مثل هذا المحيط لأستعد نفسيا للرحلة. مرحلة البحث عن التمويل هي الأخرى تطلبت مني الكثير، وشجعتني كي لا أقف؛ فحين تقديم برنامج دعم فأنت تتعب من أجله، وبالتالي حين رفضه يكون هناك إحباط يجب أن تتغلب عليه. ما القصص التي بقيت عالقة بذهنك من رحلاتك؟ هي قصص كثيرة منها السعيدة وأيضا الحزينة، وهذا هو الأمر الجميل في تسلق الجبال، تتعرف على أناس متفرقين من دول مختلفة وبثقافات متنوعة يجمعهم هاجس واحد هو حب الجبال، كنا نرى نمو الفريق مع بعضه، ويكون هناك روح إيجابية جميلة. من القصص السلبية هو الضغط النفسي الذي نتعرض له؛ فمثلا حين الاستيقاظ صباحا يكون البرد قاسيا وتضطر لإزالة الثلج عن خيمتك بيديك، وعليك أن تتجاوزي نفسك وتتأكدي من أن لك هدفا محددا جئت من أجله، عليك الخروج وحمل حقيبتك وخيمتك والمضي قدما في مسارك. كل يوم هو تحدّ وتنظر إلى الأمام، مثلا أنا شخصيا كنت أعد الأيام وما تبقى لي خلال اليوم، فعلى الرغم من السعادة بما أقوم به يظل الأمر صعبا والمحيط صعبا. من الأشياء السلبية أيضا أنك في الرحلة لإيفرست تلتقي جثث متسلقين هلكوا في طريقهم إلى القمة لأسباب متعددة، أمر صعب جدا لا تستطيع الاستعداد له نفسيا. ما كان إحساسك وأنت تشاهدين جثثا أمامك؟ تعلمين أنك ستمرين من أمام جثة؛ لكن لا تستطيعين الاستعداد له، أنا حين المرور من هناك كنت أفكر أن هؤلاء الناس كانوا أيضا قيد حياتهم من متسلقي الجبال وكانت أمنيتهم أن يتسلقوا ذاك الجبل. تعيش صراعا نفسيا، ومن الصعب التغلب على ذلك الصراع وإتمام الطريق. ألم تخافي الموت؟ رياضة تسلق الجبال هي رياضة خطيرة، وأي شخص يمكن أن يكون في موقف يؤدي به إلى الوفاة؛ من قبيل تغير الجو أو التعرض لحادثة.. الأكيد هو أن الشخص عليه أن يكون مستعدا نفسيا ويتوفر دائما على خطط بديلة لمواجهة أي مشكل مثل العواصف أو غيرها؛ لأننا نكون في مناخ لا نتحكم فيه؟ تحدثي لنا أكثر عن ما يسمى بمنطقة الموت بجبل إيفرست؟ ما تسمى منطقة الموت تقع على ارتفع 8 آلاف متر، وهناك بحكم المناخ والطقس يبدأ الجسم بالموت، ومن هنا أتى هذا المسمى. نحن كنا فيما يسمى بالمخيم 4، وحين وصولنا إلى تلك المنطقة عشنا ظروف صعبة جدا، أخبرونا بأنه تمت سرقة قنينة الأوكسجين الخاصة بنا. وبالتالي عشت خوفا كبيرا، ولم أكن أعلم إن كنت سأصعد ذلك اليوم إلى القمة. كان ذلك الجو صعبا في درجة حرارة 40 درجة تحت الصفر، بعد تفكير طويل قررت الصعود. ما كان إحساسك حين الوصول إلى القمة؟ حينما تكون في مثل هذه الرحلات لا أكون فقط مريم الكثيري بل المغربية، وتحس بمسؤولية كبيرة. حين الصعود أول ما تقوم به هو رفع راية بلدك، وحينما وصلت كان الأمر ليلا وفي الظلام أول ما قمت به هو رفع راية بلدي، وكان إحساسا عظيما أنساني كل المراحل الصعبة. ما رسالتك للشباب؟ أنصح الجميع بأخذ تجربتي ليس كقدوة، بل فقط كمثال؛ فأنا ابنة مغربية من عائلة بسيطة لكني كنت طموحة جدا، وحين اكتشفت تسلق الجبال منحني الأمر قوة جديدة، وأخذت التحدي. هذا ينطبق على أي مجال؛ فمن يملك أي فكرة أو حلم التمسك به وعدم إحباط ذاته، بل العمل والتركيز على هدفه وأيضا وضع برنامج لتنفيذه حتى الوصول. والأهم هو أن لا يفقد الأمل مهما واجهه من عثرات.