بشكل لافت انتشرت في السنوات الأخيرة وحدات متخصصة في إنتاج الدواجن والبيض بعدد من مناطق سوس. ولعل إقليم اشتوكة آيت باها واحد من هذه المناطق التي استقطبت استثمارات مهمة في هذا المجال، وهو استثمار يوفر عددا غير يسير من فرص الشغل، إلى جانب مساهمته في تحريك العجلة الاقتصادية، ضمن سلسلة طويلة تصل نهايتها إلى المستهلك المغربي، غير أن طبيعة هذا النشاط أفرزت مشاكل صارت تؤرق بال الساكنة المجاورة لهذه الوحدات، والتي أضحت تشتكي باستمرار من التبعات البيئية والصحية لهذا المسلسل الإنتاجي. إنتاج الدجاج، وهو أحد أعمدة المائدة المغربية، يُخلف كميات كبيرة من الفضلات، التي تنشر روائح كريهة، كما أن التخلص منها بالقرب من التجمعات السكنية أو نقلها من أجل استعمالها كسماد في المجال الفلاحي يمارس هو الآخر أصنافا من العذاب على السكان، حيث يتسبب ذلك في الإضرار بالبيئة، وبصحة القاطنين على اختلاف فئاتهم العمرية. بمنطقة إنشادن، لا سيما بغرب هذه الجماعة باشتوكة آيت باها، توجد مجموعة من وحدات إنتاج الدواجن والبيض، إلى جانب تمركز كثير من الضيعات الفلاحية التي تستعمل فضلات الدجاج كسماد، مما أصبح مصدر إزعاج للساكنة. يقول سعيد البوهالي، رئيس جمعية "إنشادن للتنمية"، الذي رافق هسبريس لزيارة مطرح عشوائي لهذه الفضلات، إن "الروائح الكريهة جدّا التي نستنشقها هنا تصل باستمرار إلى الدوار، ويتضرر منها السكان وتلاميذ المؤسسات التعليمية وأطرها، مما يستوجب تحديد الجهة المرخِّصة لهذا النشاط. فهناك أضرار صحية على الجميع، وعلى البيئة، حيث تنتشر مطارح عشوائية للتخلص من هذه الفضلات، وكل ذلك في غياب أي جهة معنية بشكاياتنا المتكررة وبمطالبنا الرامية إلى رفع الضرر". أما نور الدين بايت، وهو من ساكنة منطقة إنشادن، فقال لهسبريس إن "هذه الوحدات تسبب أضرارا جسيمة للساكنة، فمنطقتنا تُصنف ضمن المجال القروي، الذي يُعرف عنه تميّزه بهواء نقي وهدوء دائم، غير أن وجود هذه الوحدات غيّر المعادلة". قبل أن يضيف "نحن مع الاستثمار، لكن يجب على الجهات المعنية فرض معايير صارمة تراعي سلامة صحة الساكنة، فهذا استثمار يجلب أضرارا جمة لنا. لذلك نطالب المسؤولين بإنقاذنا، فهناك مناطق صناعية معروفة وبعيدة عن التجمعات السكنية يمكن أن تحتضن مثل هذه الأنشطة، فكفى صبرا". وفي تصريح لهسبريس، قال رشيد فاسح، رئيس جمعية "بييزاج" بأكادير الكبير، التي تُعنى بقضايا البيئة، إن جمعيته تلقت العديد من الشكايات بخصوص هذا المشكل، مضيفا أن "الناس صاروا يعانون من الروائح الكريهة بسبب وجود وحدات لتربية الدواجن مجاورة لهم، ولا تبعد عن منازلهم سوى بأمتار قليلة، وهو ما حوّل حياتهم إلى جحيم لا يطاق، فهم لا يستطيعون فتح نوافذ بيوتهم في الصيف ولا في الشتاء، لأن الروائح تحاصرهم من كل جهة. وهذا الأمر لا يقتصر فقط على الروائح، فالحشرات صارت تداهم منازلهم هي الأخرى، خصوصا في فصل الصيف". وتابع الفاعل البيئي ذاته قائلا: "لا يعقل أن يقوم البعض بتربية الدواجن في قرى سكنية دون الاكتراث بالسكان"، مشيرا إلى أن "بييزاج ليست ضد مربي الدجاج أبدا، لأنه مورد اقتصادي يوفر الشغل للعديد من المواطنين في سلسلة طويلة تصل حتى المستهلك، لكن يجب أن تتم الأمور وفق القوانين، تفاديا للإزعاج الذي يقض مضجع السكان المجاورين، خصوصا بمناطق اشتوكة آيت باها وأولاد تايمة وتارودانت وتزنيت، وهي كلها مناطق فلاحية تنتشر فيها هذه الوحدات بكثرة". وبخصوص الأضرار الصحية، قال فاسح: "هنالك من يؤكد أن أمراضا تظهر على الرضع، خصوصا في الوجه، يقول الأطباء إن سببها راجع إلى وجود حيوانات في أماكن قريبة، وقد تبين أن فيروسات من مخلفات الدواجن هي السبب في ذلك، ونحن نتساءل عن جدوى وجود ترسانة من القوانين التي تمنع تربية الحيوانات بين التجمعات السكانية دون الالتزام بها". وأضاف أن "الخبراء في الطب البيطري يرون أن موضوع تربية الدواجن والمواشي بين تجمعات السكان مشكلة عالقة منذ سنوات، محذرين من المخاطر المترتبة عن هذا الأمر". "وما لم يتم اتباع شروط الصحة والسلامة، فإن مخلفات هذه الحيوانات تسبب بعض الأمراض وتكون بيئة خصبة لأنفلونزا الطيور، خاصة بالنسبة إلى تربية الدواجن، وقد تسبب أيضا مرضا يسمى "سالمونيلا"، وهو مرض بكتيري معدٍ يسبب المغص والإسهال والتسمم في بعض الحالات، وكلما كان الإنسان قريبا من أماكن تربية الدواجن، يكون أكثر عرضة للإصابة، وإذا حدث أي مرض تكون الأخطار أكبر، ويصعب عمل حجز على الدواجن المصابة. والأكيد أن تأثيرات وأضرار تربية الدواجن تبقى غير مباشرة، لكن الأمر يؤدي إلى الإزعاج من خلال الروائح، وإلى الإصابة بأمراض في بعض الحالات من خلال الحشرات التي تكون ناقلة للفيروسات"، يقول رئيس "بييزاج". من جهته، أكد بسموم الحسين، وهو فاعل جمعوي وحقوقي باشتوكة آيت باها، أن هذه الظاهرة استفحلت في السنوات الأخيرة، خصوصا بالمنطقة السهلية. ويعزى ذلك، يضيف بسموم، إلى "تناسل وحدات تربية الدجاج وإنتاج البيض بشكل كبير". إذ أن "هذه الوحدات الإنتاجية ضاقت منها الساكنة ذرعا، نظرا للروائح الكريهة التي تنبعث منها، مما يتسبب للأطفال الصغار وكبار السن في أمراض الحساسية وضيق التنفس، إلى جانب إمطار الدواوير المجاورة لها بالذباب وشتى أنواع الحشرات، كما صارت مرتعا للكلاب الضالة بسبب رمي الدجاج النافق بالقرب من هذه الوحدات"، يقول الفاعل الجمعوي ذاته. وأشار المتحدث إلى أن "هذه الظاهرة أسالت المداد مدرارا طيلة سنوات دون جدوى، فبالإضافة إلى السخط العارم على صفحات التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية وبعض وسائل الإعلام، وأمام هذا الحيف واللامبالاة من طرف السلطات المحلية والإقليمية، وعدم تفعيل دور الشرطة البيئية، لجأت بعض الجماعات، خصوصا المتضررة بكثرة كجماعة إنشادن، إلى رفع ملتمس إلى الجهات المعنية في إحدى دوراتها مؤخرا، دون فائدة تُذكر. كما أن هذه الظاهرة طرحت بحدة في اللقاء العاملي بجماعة إنشادن". وعن الوضع الحالي قال بسموم: "لحد الساعة لا تزال دار لقمان على حالها، بل زادت استفحالا، وما وقع في الأسبوع الماضي بدوار إنشادن خير دليل على تمادي أصحاب وحدات تربية الدجاج في إغراق جل دواوير إنشادن والبويبات وآيت بوالطيب بفضلات الدجاج وروائحها التي لا تطاق، مما يستدعي طرح تساؤلات مشروعة عن الجهة التي تحمي هؤلاء حتى يواصلوا قتل الساكنة تدريجيا وكذا البيئة بكل مكوناتها، فأين دور السلطات وأين دفتر التحملات والشروط المعمول بها في هذا المجال؟".