- قراءة على ضوء التشريع المغربي والمقارن – تأتي هذه السطور تتميما لمقال سالف، تحت عنوان ''تعويض ضحايا حوادث السير بين قصور الحماية التشريعية وضرورة المراجعة التشريعية''، وتبتغي تسليط الضوء على جانب آخر من جوانب القصور التي يعرفها نظام تعويض المصابين في حوادث السير حسبما ينظمه ظهير 02/10/1984، وإذا كنا قد حاولنا في المقال المذكور لفت الانتباه إلى نقطتين مهمتين، الأولى، تتصل بهزالة الحد الأدنى للأجر المعتمد في حق المتضررين ممن لم يتمكنوا من إثبات دخلهم الحقيقي – وهم الكثرة الغالبة من الضحايا الذين تعرض قضاياهم أمام المحاكم -، والثانية تتعلق بعدم تناسب التعويض الممنوح، وحجم الأضرار العالقة بهم؛ فإننا في موضوع هذا المقال سنعالج قضية من الأهمية بمكان، وهي بيان أثر إعمال قواعد المسؤولية في الإسهام في قصور الحماية الواجبة لضحايا حوادث السير. دعونا نذكر في البداية أن نطاق تطبيق ظهير 02-10-1984 المتعلق بتعويض المصابين في حوادث السير، يهم فقط تغطية الأضرار البدنية التي تسببت فيها للغير عربة برية ذات محرك، خاضعة للتأمين الإجباري (المادة 5 منه)، فهو بذلك له اتصال بالقانون رقم 17.99 المتعلق بمدونة التأمينات، الذي يلزم كل شخص طبيعي أو معنوي يمكن أن تثار مسؤوليته المدنية بسبب الأضرار البدنية أو المادية اللاحقة بالأغيار، والتي تسببت فيها عربة برية ذات محرك - غير مرتبطة بسكة حديدية أو بواسطة مقطوراتها أو شبه مقطوراتها -، أن يغطي هذه المسؤولية بعقد تأمين مبرم مع مقاولة للتأمين وإعادة التأمين (المادة 120 منه). وبموجب هذا العقد تلتزم شركة التأمين بأداء التعويض المستحق لفائدة المتضرر، فتحل بقوة القانون محل المؤمن له في حدود الضمان المنصوص عليه في العقد، لأداء التعويضات أو الإيرادات الممنوحة للأشخاص المنقولين أو الأغيار أو ذويهم وكذا أداء المصاريف الناجمة عن الحادثة (المادة 129 م. التأمينات)، إلا أن هذا الحلول مشروط بقيام مسؤولية المؤمن له حارس العربة المؤمن عليها، وهو إما مكتتب عقد التأمين أو مالك العربة أو كل شخص يتولى، بإذن من المكتتب أو مالك العربة، حراستها أو قيادتها (المادة 129 م. التأمينات). غير أنه بالرجوع إلى ظهير 1984، فإننا لا نجد أي من مقتضياته تنظم قواعد المسؤولية عن حوادث السير - بالرغم من أنه قانون خاص كان أولى به أن ينظم كافة جوانب المسؤولية وليس الاقتصار فقط على موضوع التعويضات - ذلك أنه إنما نص فقط على ضرورة الأخذ بعين الاعتبار - عند منح التعويض المستحق للمصاب - قسط المسؤولية الذي يتحمله المتسبب في الحادثة أو المسؤول المدني إلى جانب عنصري رأس المال المعتمد كما هو محدد في الجدول المحلق به، ونسبة العجز التي يحددها الطبيب الخبير استنادا إلى مرسوم 14-01-1985 المتعلق بجدول تقدير نسب العجز(المادة 5 منه)، لذلك لم يكن أمام المحاكم بد من الرجوع إلى قواعد المسؤولية التقليدية المنظمة وفق مقتضيات ظهير الالتزامات والعقود، أو تلك المنظمة وفق القانون التجاري في بعض الأحيان، إذا ثبت أن الأمر يتعلق بعقد النقل. كل هذا جعل المحاكم في بداية الأمر منقسمة على نفسها، فمن آخذ بالرأي القائل بإخضاع حوادث السير لقاعدة الخطأ واجب الاثبات من قبل المتضرر، ومن آخذ بقاعدة الخطأ المفترض في جانب الحارس، ثم اختلافهم في حالات وشروط اعتبار عقد النقل مع ما يترتب عن ذلك من اختلاف أسس كل مسؤولية وشروط إقامتها، إلى أن استقرت أخيرا على تبني قواعد المسؤولية عن حراسة الأشياء في ميدان حوادث السير ما عدا إذا تعلق الأمر بعقد النقل، فإنها تطبق قواعد مسؤولية الناقل البري، مع إعمال قسط المسؤولية الذي يتحمله المتسبب في الضرر، هذا وإننا سنقتصر في عملنا هذا على دراسة المسؤولية عن حراسة الأشياء، باعتبارها من جهة، الشريعة العامة في هذا المجال، وكذلك لكون أغلب القضايا المعروضة على المحاكم تندرج تحتها، ومن جهة أخرى، فإن مناقشتها - في سياق موضوعنا - يغنينا عن التطرق إلى مسؤولية الناقل، طالما أنها تشمل هذه الأخيرة ضمنا وزيادة. وإذا كان الأمر كذلك، فإن لب الموضوع الذي سيحاول هذا المقال معالجته، يكمن في بحث مدى كفاية قواعد المسؤولية التقليدية، وإسهامها في تحقيق الحماية الكاملة لمصالح المتضرر؟ (المسألة الأولى). ثم إذا كانت تعتريها نقائص وعيوب تجعلها قاصرة عن تحقيق الحماية الكافية للضحايا، فما هو النظام البديل الذي من شأنه تلافي ثغراتها، استرشادا ببعض التجارب الدولية الرائدة؟ (المسألة الثانية). أولا: نطاق الحماية التي يوفرها نظام المسؤولية التقليدية للمتضررين من حوادث السير لقد ذكرنا تمهيدا للموضوع، أن ظهير 1984 لم ينص على قواعد خاصة بالمسؤولية عن حوادث السير، فكان لا بد من الرجوع إلى قواعد المسؤولية التقليدية التي نظمها قانون الالتزامات والعقود، وفي هذا الصدد، فإن هذا الأخير نظم أنواعا من المسؤولية وجعل لكل منها خصوصيات تنفرد بها وتميزها عن غيرها، إلا أن الرابط بينها جميعا أنها تهتم بالمسؤول عن الضرر، وتركز على درجة الخطأ، فهي بداية تحاول ما أمكن أن تحميه من تحمل أي مسؤولية، بالنظر لكونها تلزم المتضرر بإثبات عناصرها، إما كلا أو بعضا. وإذا كان لا بد من تحمله إياها، فإنه لا يتحملها إلا بقدر جسامة خطئه، ولو على حسب جسامة الضرر الذي لحق المتضرر، وهو ما يترتب عنه في كثير من الأحيان تعويض لا يرقى إلى درجة جبر كامل الضرر، خلافا للقاعدة العامة التي تتطلب تناسب التعويض مع حجم الضرر المعوض عنه. وما يهمنا نحن هو نظام المسؤولية عن حراسة الأشياء الذي ينطبق على المركبات في حالتنا نحن، هذا النظام يقوم كغيره من أنظمة المسؤولية على أساس الفعل الضار أو العمل غير المشروع، غير أنه يستند إلى فكرة "الخطأ المفترض" في حق حارس العربة (الشيء)، فطالما أنه هو صاحب السلطة عليها والمتمثلة في الرقابة والتوجيه والاستعمال؛ فإن تسببها في أي ضرر للغير، يكيف على أنه خطأ تقصيري منه في بذل العناية اللازمة التي تتطلبها حراستها. وفي هذا السياق نص الفصل 88 من ق.ا.ع. على أن ''كل شخص يسأل عن الضرر الحاصل من الأشياء التي في حراسته، إذا تبين أن هذه الأشياء هي السبب المباشر للضرر، وذلك ما لم يثبت: أنه فعل ما كان ضروريا لمنع الضرر. وأن الضرر يرجع إما لحادث فجائي، أو لقوة قاهرة، أو لخطأ المتضرر''. ولا شك أن الناظر للوهلة الأولى، سيجد أن إعمال مقتضيات هذا الفصل فيها حماية كبيرة للطرف المتضرر - وهو حق لا ريب فيه-، ذلك أنه يكفيه هنا أن يثبت تعرضه للضرر، والعلاقة السببية التي تربط تدخل العربة (الشيء) في حصوله له، ومن ثمة ينقلب على حارس العربة عبء إثبات إعفائه من المسؤولية، وهو أمر لا يستقيم له بمجرد نفي الخطأ في حقه، وفي هذا السياق ذهب المجلس الأعلى (سابقا) إلى أن مسؤولية الحارس ''لا تنتفي لمجرد عدم ارتكاب أي خطأ من جانبه يبرر إدانته جنائيا ''[]، ذلك ''أن الحكم بالبراءة يثبت فقط، انعدام الخطأ ''[]، في حين أنه ''لا يكفي أن يطلب من الحارس عدم ارتكاب خطأ، بل المطلوب منه القيام بعمل إيجابي أو اتخاذ احتياطات خاصة تفرضها الظروف لتجنب الحادث''[]. والسبب في ذلك، أن الخطأ هنا مفترض افتراضا لا يقبل العكس، ولا بد له آنذاك من نفي العلاقة السببية، وهو الأمر الذي يعسر عليه، نظرا لتطلبه أمرين متلازمين، لا يكفيه إثبات أحدهما دون الآخر، فيجب عليه أولا، أن يثبت أنه فعل ما كان ضروريا لمنع الضرر، ومعنى ذلك أن يقوم بفعل إيجابي يروم تلافي وقوع الحادث، وليس أن يبقى مكتوف اليدين دون تحريك ساكن، وأن يتمسك بأنه لم يرتكب خطأ، وثانيا: أن يثبت أن الضرر راجع لسبب أجنبي عنه، إما لحادث فجائي أو لقوة قاهرة، أو لخطأ المتضرر. وهذا على خلاف تطبيق مقتضيات الفصل 78 من ق.ا.ع. - وهو الشريعة العامة للمسؤولية المدنية التقصيرية – الذي يتأسس على الخطأ الواجب الإثبات، ويوجب على المتضرر إثبات العناصر الثلاثة لقيام المسؤولية المدنية عن الفعل الشخصي، وهي الضرر اللاحق به، وخطأ الشخص المسؤول عنه، والعلاقة السببية بين الخطأ والضرر، وهو ما يتعذر في أغلب الأحيان، لعدم إمكانية إثبات كامل ظروف وملابسات حوادث السير، والأفعال المرتكبة من قبل كل واحد من أطرافها حتى يقع استخلاص المسؤوليات وترتيب الجزاءات عليها. غير أن النظرة الأولى لا تكون صادقة في بعض الأحيان، ذلك أنه بإمعان تركيبة الفصل 88 أعلاه سنجده: من جهة أولى، وإن تشدد في مسألة إعفاء الحارس من المسؤولية، وربطها بشرطين متلازمين؛ فإنه على أي حال ترك للحارس، وبالتبعية لشركات التأمين، مجالا للتملص من تحمل تبعات الأضرار التي أصابت الضحايا، وما الواقع العملي إلا خير شاهد على ذلك. وفي هذا الإطار ذهب الاجتهاد القضائي، في كثير من النوازل إلى إعفاء الحارس من المسؤولية لإثباته القرينة المزدوجة من الشرطين المذكورين، ومنها: - قرار المجلس الأعلى (سابقا) عدد 256 []، وفيه أن حارس السيارة الذي أثبت ''أنه كان يستحيل عليه القيام بأية محاولة لتفادي الحادث، وأن خطأ خصمه كان غير متوقع، ولا يمكن تجنبه، فإن ذلك كاف للقول بأنه فعل ما كان في استطاعته لتجنب الضرر، وأن الشرطين اللذين يشترطهما الفصل 88 متوفران لدرء المسؤولية المرتكزة على أساسه '. - قرار المجلس الأعلى (سابقا) عدد 3857 []، وفيه أن ''المحكمة لما أعفت الحارس القانوني من المسؤولية حين تبين لها أن الضحية خرق علامة قف، وأن حارس السيارة تلافى الحادثة بانحيازه يسارا واستعماله الفرامل، وأعفته لكون خطأ المضرور كان مستغرقا تكون قد اعتمدت الشرطين المنصوص عليهما في الفصل 88 من ق.ا.ع ''. - قرار المجلس الأعلى (سابقا) عدد 1358 []، وفيه أن ''القرار المطعون فيه صادف الصواب حين اعتبر أن السائق كان يسير بسرعة معتدلة، ملتزما أقصى اليمين، وفعل ما كان ضروريا لتفادي وقوع الاصطدام، وحاول التوقف قبل وقوع الحادثة، إلا أن سرعة الضحية في اتجاه ممنوع، وعلى يسار الطريق، جعله يفقد التحكم في مقود دراجته ويرتطم بالسيارة وترتب على ذلك عدم تحميل السائق أي جزء من المسؤولية''. - قرار محكمة النقض عدد 268 []، وفيه أنه ''يحظر على الراجلين دخول الطريق السيار، وأن المرور بها يقتصر على العربات المجهزة بمحرك آلي، وعلى الأشخاص الوارد حصرهم في المادة 150 من المرسوم المتعلق بتطبيق مدونة السير، والذي لا يندرج ضمنهم الهالك، وهو ما يتعين معه القول بأن دخوله الطريق السيار ليلا، وإقدامه على عبوره خلافا لما يقتضيه القانون يشكل أحد الأسباب المبررة التي تمحو الجريمة عملا بمقتضيات المادة 124 من ق.ج. وتأسيسا على ذلك لما قضت المحكمة المطعون في قرارها ببراءة المتهم، من أجل القتل غير العمدي، تكون بذلك قد طبقت القانون''. إلا أنه ينبغي التنبيه على أن هذا القرار لم يأت به للتدليل على إعفاء الحارس من المسؤولية المدنية، لكونه انصب على الدعوى العمومية، فهو بذلك أعفى المتهم من المسؤولية الجنائية دون المسؤولية المدنية التي يبقى للمتضرر حق عرض دعواه بخصوصها أمام المحكمة المدنية، التي قد تستجيب لطلبه وقد ترفضه، خاصة إذا استحضرنا الأخطاء التي وقع فيها الضحية حسب هذا القرار، وجواز تمسك الحارس بمضمون القرار الأول الذي سبق الإشارة إليه، وذلك بالتمسك بكونه كان في حالة يستحيل عليه فيها القيام بأي فعل لتفادي الحادثة، نظرا لظروف زمان الحادثة (ليلا)، ومكانها (طريق سيار)، وسيرها (جواز السير بسرعة تعادل 120 كم/س). وبهذا نجد أن حارس العربة مثلا في الحالات المذكورة، وجد لنفسه موطئا للتهرب من مسؤولية الحادثة، إما لكونه كان في وضعية صعبة يستحيل عليه فيها القيام بأي محاولة من أجل تفادي إلحاق الضرر بالضحية، أو لأن خطأ هذا الأخير كان من الجسامة بمكان، إذ استغرق كل ما يمكن أن ينسب إلى الحارس من أخطاء، أو لكونه فعلا قام بما في استطاعته لتفادي الحادث غير أن خطأ الضحية كان هو سبب الضرر اللاحق به، أو غير ذلك من الأسباب، وبالتالي، فإن مقاولة التأمين تجد لها بالتبعية منفذا للتملص من أداء التعويضات للمصابين، الذين لا يبقى لهم بد من مجابهة مخاطر الأضرار بمفردهم، وتبقى معاناتهم الصامتة تنتظر من يتكرم ويرفعها عنهم أو على الأقل أن يخفف وطأها على قلوبهم وجيوبهم. ومن جهة ثانية، فإن قيام مسؤولية حارس العربة تقتضي تدخل العربة في إحداث الضرر، ويستلزم ذلك أن تلعب العربة دورا إيجابيا في وقوعه، بمعنى أن يكون تدخلها هو السبب المؤثر في وقوع الحادثة، وليس مجرد عامل مساهم، وهو ما يضيق نطاق العلاقة السببية في مجال المسؤولية عن حوادث السير، وهذا ما تبناه الاجتهاد القضائي في عدد من قراراته، منها: - القرار عدد 545 []، وفيه أن ''مناط مسؤولية الحارس القانوني للشيء هو الضرر الذي يصيب الغير بفعل هذا الشيء، والضرر يعتبر ناشئا عنه إذا تدخل الشيء تدخلا إيجابيا في حدوثه، أما إذا كان دور الشيء سلبيا دون أثر فاعل في حصول النتيجة الضارة، فإن الحارس لا يتحمل أي تبعية''. - القرار 2364 [] وفيه أن ''حارس الشيء هو المسؤول عن الضرر الذي يحدثه للغير إذا تدخل الشيء تدخلا إيجابيا، فكان هو السبب المباشر في إحداث الضرر''. ولا شك أن إعمال هذا الشرط يفتح بابا آخر أمام الحارس للإعفاء من مسؤوليته، وبالتالي تحلل مؤمنته من ضمان الأضرار التي أصابت الضحية. ومن جهة ثالثة، فإنه لما كان نظام المسؤولية التقليدية يرتكز على فكرة الخطأ، ومدى مساهمته في إحداث الضرر، وبالتالي إعفاء الحارس كليا أو جزئيا من مسؤولية تعويضه، بما يوازي القدر الذي لم ينتج مباشرة عن الأثر الفاعل لخطئه في إحداثه، فإن ذلك من شأنه أن ينعكس بالضرورة سلبا على حق الضحية من جراء حادثة سير في التعويض الكامل. وهكذا نجد الفصل 88 من ق.ا.ع أجاز إعفاء الحارس بقدر تدخل السبب الأجنبي في إحداث الضرر من قبيل القوة القاهرة أو الحدث الفجائي أو فعل المتضرر. وفي السياق نفسه أيضا، فإن المادة 5 من ظهير 1984 التي حددت أسس منح تعويضات ضحايا حوادث السير، أكدت على ضرورة مراعاة قسط المسؤولية الذي يتحمله المتسبب في الحادثة أو المسؤول المدني عنها. وإذا ما استحضرنا أن أخطاء المضرور في حوادث السير أصبحت عادية وطبيعية، نظرا لتعقيد منظومة السير والجولان وازدحامها، وكثرة العربات وسرعتها، وازدياد مستعملي الطريق وعدم انتباههم، فإنه بات من العسير جدا الانفكاك عن الأخطاء في كثير من الأحيان، وهو ما يجعل الضحية معرضا لسيف توزيع المسؤولية أو تحملها. وبهذا يتبين أن المصاب إما أن يحرم من التعويض كليا، كما في الحالتين الأوليين، أو أن يحرم منه جزئيا كما في الحالة الثالثة، فإذا أضفنا إلى إشكالية المسؤولية، كثرة الاستثناءات من الضمان، وكذا حصر دائرة المستفيدين من التعويض، واستلزام بعض الشروط الدقيقة في كل ضرر على حدة، والتي تتطلب من المضرور استيفاءها تحت طائلة حرمانه من التعويض عنه، وهزالة الحد الأدنى للأجر؛ فإن هذا الأخير يصبح معرضا للضرر مرتين، الأولى، لما تعرض للحادثة وما نتج عنها من أضرار بدنية ومعنوية ومادية، والثانية، حينما يطاله إجحاف القانون بعدم تعويضه مطلقا، أو تعويضه تعويضا غير منصف ولا عادل، ودون أن يتناسب مع حجم الأضرار التي لحقته وجسامتها، وما يمكن أن تسببه الحادثة من أثر سيئ على أوضاعه الاجتماعية والاقتصادية والنفسية. وهذا ما يحيلنا على النظام البديل الذي من شأنه أن يحد من آثار إعمال القواعد التقليدية للمسؤولية. *عضو نادي قضاة المغرب